بمناسبة أربعينية الحاج علي المانوزي، نظمت عائلته وأصدقاؤه مجموعة من الانشطة من أجل احياءها بكل من الدارالبيضاء والرباط ، التي تابعها حضور كبير .. كلمة العائلة في الذكرى الأربعينية ، التي ألقاها د. عبد الكريم المنوزي ، اعتبرت أن «عادة ما تكون الذكرى التأبينية لحظة وضع حصيلة لأعمال الفقيد المتوفى ومناسبة للحكم على منجزاته. كما أن ما تتميز به الذكرى التأبينية هو التوجه إلى الماضي والذكريات والذاكرة. غير أن هذه الذكرى التأبينية للحاج علي المنوزي ليست كذلك. لأننا لن نقف عند الأحداث التي عاشها وشارك فيها ولن نجرد رصيده النضالي ونحكم عليه. ذلك أن الحصيلة والحكم يفترضان أن ما يراد تقييمه والحكم عليه قد اكتمل وانتهى. والحال أن المسار النضالي للحاج علي المنوزي لم يكتمل بعد ولم ينته. ولذلك فليست هذه الذكرى التأبينية مناسبة لقول الكلمة الأخيرة أو التقييمية بشأن المسار النضالي للفقيد، كما أنها ليست متوجهة للماضي ولا تتوخى إنعاش الذاكرة. ومقابل ذلك,آثارنا أن نقف عند الثوابت البينة في كفاحه والمبادئ المتحكمة في فعله النضالي والقيم الموجهة له والطريقة التي اشتغل بها من أجل بلوغ مراميه. والغرض من هذا هو أن نجعل من هذه الذكرى فرصة للتمعن والتفكير الذي يرتمي للمستقبل. لقد ناضل الحاج علي المنوزي واخوانه ورفاقه ضد الاستعمار والاستقلال الشكلي ومن أجل الاستقلال الفعلي الكامل والشامل إبان الاحتلال الاستعماري، وضد الاستبداد والسلطوية ومن أجل الحرية والديمقراطية في مرحلة ما بعد الاستقلال. لقد كافحوا وناضلوا من أجل: - مغرب حر من الوصاية الاستعمارية وذي سيادة وطنية كاملة وشاملة. - مغرب تكون فيه السيادة للشعب، حر من الاستبداد والسلطوية. - مغرب يسود فيه التعدد والاختلاف الفكري والسياسي، لكنه مغرب متضامن ومتعاضد اجتماعيا. كان صلة وصل بين المناضلين لقد ناضل الحاج علي المنوزي واخوانه ورفاقه تحت راية متميزة لا شبهة فيها. لقد كانت حدود الفصل في كل المعارك واضحة والاختيارات متميزة لا مجال فيها للخلط والتذبذب. لم تكن للحاج علي المنوزي أجندة مزدوجة. هناك التزام واحد واختيار متميز عن غيره من الاختيارات. لقد كان الحاج علي المنوزي كما قلنا مكافحا من أجل إرادة الشعب وسيادته ويقتضي هذا الاختيار بالطبع الارتباط بالقواعد والقوى الشعبية من أجل ترجمة ارادتها إلى برنامج سياسي وصياغة خطط لتنفيذه. أما على المستوى الميداني والتنفيذي, فقد كان الحاج علي المنوزي واخوانه ورفاقه صلة وصل بين مكافحين ومناضلين ميدانيين من مختلف بقاع المغرب (الأطلس الصغير مثل المرحوم شيخ العرب والأطلس الكبير مثل عبد الله الصنهاجي ومحمد بوزاليم والمتوسط والريف والمراكز الحضرية) ومن مختلف الأصول الثقافية (أمازيغ وعرب وصحراويين) والتوجهات السياسية (وطنية ويسارية وإسلامية (خلال العقدين الاخيرين) واستطاعوا بذلك تمديد شبكات الكفاح والنضال إلى مختلف ربوع المغرب قبل الاستقلال وبعده بعيدا عن الرؤى الحزبية والاديولوجية الضيقة. لقد كان المبدأ المتحكم في كفاح ونضال الحاج علي المنوزي واخوانه ورفاقه هو التعاون بين كل الفصائل المكافحة والمناضلة في اطار الحد الأدنى من أجل وحدة القوى الشعبية من أجل مواجهة الاستعمار والاستبداد والسلطوية. لقد كان الحاج علي المنوزي واخوانه ورفاقه دائمي التأهب للتجنيد والتعبئة لمختلف المعارك بكل الوسائل والامكانيات التي تقتضيها الظروف السياسية. ليس التشبث بمطالب الشعب وحريته وسيادته مسألة وضوح مبادئ وتميز خط سياسي فقط، إنما هي أيضا التزام بقيم وأخلاق نضالية ثابتة. لاشك أن هذه الثوابت وهذا الخط النضالي هما اللذان يفسران شراسة ونطاق القمع الذي طال الحاج علي المنوزي واخوانه ورفاقه. فلقد شمل القمع كل أبعاد الوجود الجسمانية والنفسية والمادية والمعنوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد جندت الدولة المغربية طيلة أربعة عقود كل طاقاتها الأمنية والعسكرية والإدارية والسياسية للقضاء على المقاومة التي انخرط فيها الحاج علي المنوزي واخوانه ورفاقه، وذلك إلى حد الإقصاء والاستئصال والإبادة. وقد طالت الاجراءات الأمنية للدولة ليس المناضلين فقط، بل أيضا أبناءهم وعائلاتهم وأصدقاءهم ومواردهم و الذين لا علاقة لهم بالنزاع بين الدولة ومعارضيها. لقد كانت اللحظة الأخيرة في حياة الحاج علي المنوزي هي تلك اللحظة التي كان فيها واقفا ويسير بخطى كليلة ويساعده ابنه صلاح الدين في المشي، كان يمشي وفجأة سقط ومات. لقد مات الحاج علي المنوزي واقفا مرفوع الرأس ومازلت القيم السياسية والأخلاقية التي ناضل من أجلها حية ومؤجلة. ولذلك، فإن هذه الذكرى التأبينية كما قلنا سابقا ترتمي إلى المستقبل، مستقبل تتحقق فيه تلك المبادئ والقيم التي لم تفقد من راهنيتها واستعجالها قيد أنملة». سكن قلبه الكبير مشاعر الوطنية وباسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ذكرت كلمة محمد محب بخصال الراحل ، حيث اعتبر أنه «لا نملك اليوم ونحن نستشعر مرارة الفراق والحسرة على أخينا وحبيبنا ورائدنا ورمزنا المناضل الكبير الحاج علي المانوزي سوى أن نذكر الله في لوعة المصاب ونسأله جل جلاله الرضى والغفران لهذا المجاهد والوطني الكبير رجل الصمود والوفاء والصدف و التبصر والصبر، والذي عاش كريما عفيفا .. و لا يسعى لغير الصالح العام ، حيث سكن قلبه الكبير مشاعر الوطنية الصادقة التي صقلتها متاعب الحياة اليومية وقساوة الطبيعة التي عاش وترعرع فيها وحنكتها وجبهات الكفاح والنضال المتعددة. وبنفس روح التضحية والصفاء والتجرد والوفاء ناضل من أجل بناء المغرب الحديث وحاضر معركة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو يعي ما تتطلبه الرسالة النضالية من تضحيات جسام لأسرته الصغيرة ولأسرته الكبيرة ، حيث عانى معاناة شعبه وعائلته وحزبه، وأفنى حياته في الدفاع عن كرامة المواطن، والدفاع عن الحرية، عن العدالة الاجتماعية، والدافع عن الطبقة الكادحة، عن التجار الصغار والمتوسطين، عن المستضعفين، وعن القضية الفلسطينية وتشبت دائما بوحدة اليسار ووحدة القوى الديمقراطية والوطنية». في حين ، توجه المناضل محمد بنسعيد أيت إيدر في شهادته إلى كافة أفراد أسرته بأصدق عبارات الشكر على إتاحتهم له « هذه الفرصة لتأبين رجل أعتبره من الرموز الذين أفرزتهم حركة التحرير بالدارالبيضاء، أمثال ابراهيم الروداني واحميدو الوطني، وغيرهما. هؤلاء الذين كان لهم الفضل الكبير في ربط البادية بالجنوب المغربي مع المدن الناهضة آنذاك، وهي الحركة التي انتشر اشعاعها نضاليا وسياسيا ومجتمعيا، وامتد نشاطها بعيدا وساهمت في فك العزلة المفروضة على البادية منذ نهاية حرب الاحتلال الأجنبي لبلادنا سنة 1934. وفي ظروف عرفت فيها مدينة الدارالبيضاء نهوضا متقدما، اهتدى فيها مناضلون وطنيون صادقون ومن أبناء الجنوب، إلى تأسيس إطار سمي » «منظمة اتحاد الجنوب»« كان من جدول أعمالها، العمل على ربط البادية بالمدينة وفك الحصار المفروض عليها من طرف الاقطاع والقياد من عملاء الاستعمار. وستختم عطاءات الحاج علي المنوزي لمسلسل من التضحيات التي قدمها ابنه البار الحسين المنوزي المعروف بخليل أبو علي, وهو عضو في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وتلقى تدريبات عسكرية بسوريا، وقد اختطفته أجهزة البوليس المغربي من تونس في 29 أكتوبر سنة 1972 وبتواطؤ مع النظام الحاكم بتونس. ومند تعرض الحسين المنوزي للاختطاف، بذلت جهود عديدة من طرف منظمات حقوق الانسان بالمغرب وخارج المغرب، والجهود التي تبذلها العائلة مع الحركات الحقوقية في البحث عن الحقيقة كاملة غير منقوصة، وهكذا مرة أخرى تجد أحد أفراد العائلة، من بين المختطفين الذين ظل في مقدمتهم الشهيد المهدي بنبركة، وقد كانت لي مع الحاج علي وبعض أفراد أسرته لقاءات ونقاشات حول هذا الموضوع الهام والحيوي، وقد واصل الحاج علي نضاله من أجل كشف حقيقة اختطاف ابنه كاملة بكل ما يملك من طاقات بدنية ومعنوية حتى آخر يوم من حياته مسجلا درسا بليغا في الصمود والتحدي دون كلل أو تنازل أو مساومة». بينما قال أحمد بنعابد المرحوم عن الحاج علي المنوزي «لقد كان من عادتنا، نحن من تشرفنا بالنضال إلى جانبه أيام المواجهات الصعبة مع الاستبداد والفساد، أن نطلق لقب «ضمير الحزب» على عدد مناضلينا الكبار وكان الحاج علي واحدا منهم. اطلاق مثل هذا اللقلب لم يكن بقرار حزبي، ولا كان وفق نظام للتقييم متفق عليه تمنح على أساسه رتب الاستحقاق، بل جاء كإفراز طبيعي للمسار الناصع لحزبنا تولد عنه هذا النوع من التميز المتواضع عليه لدى المناضلين، بشكل تلقائي وجماعي. كان هؤلاء بالنسبة للحزب، بحضورهم وأدائهم الوازنين، بروحهم القتالية وصمودهم الأسطوري، وبحكمتهم في التعاطي مع الشأن الحزبي والوطني، بمثابة قياس لمدى الصدق النضالي لدى المناضلين. إذ كان يكفي أن يقف الشخص بجوارهم لكي يدرك حجمه الحقيقي كفاعل حزبي، وأن يقدر مدى الجهد المطلوب منه لكي يحوز شرف حمل صفة مناضل. خلال هذه التجربة كان لحضور الحاج علي إلى جانبنا وكذا حضور أمثاله من صنف »ضمائر الحزب« الذين تحدثت عنهم، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر: أبو زكريا العبدي الذي استشهد في المعتقل، زايد أوميدو بطل آيت حديدو، أحمد العربي المدرسي، محمد الوديع الأسفي، سعد الله صالح، محمد بوكرين، محمد بابا وغيرهم... كان لحضور هؤلاء إلى جانبنا دور كبير في الرفع من معنوياتنا، بما كانوا يبذلونه، رغم سنهم المتقدم بتبعاته الصحية، من قدرة على مغالبة أحد أبشع الأساليب المبتكرة في التعذيب الجماعي العضوي والنفسي. لاشك أن المطلوب منا هو أن نجعل من سيرة الحاج علي ومن سيرة أمثاله كإرث وطني قاعدة تأسيسية لثقافة المواطنة الحقة، لا مجرد نص حكائي للتفاخر والاعتزاز». شكرا ليك لأنك علمتيني حب الوطن وفي كلمة لقدامى أصدقاء ورفاق علي المنوزي من أفراد الجالية اليهودية في المدينة القديمة وقدامى أعضاء الحزب الشيوعي المغربي ، اعتبروا أن «أهم خصال الفقيد المنوزي علي هي الصدق والمصداقية في القول والعمل. لقد كرس المرحوم علي المنوزي منذ نعومة أظافره حياته لشعبه والنضال من أجل مغرب حر ومتحرر وديموقراطي. لقد أثنى عليه رفاقه وخصومه السياسيون على السواء لاستقامته ونزاهته ووفائه الخالي من الشوائب بإنجاز المهام الوطنية. و بصفته مكافحا سياسيا فذا, كان المنوزي شدييد الحرص على التعاون مع كل من كان يحمل قضايا وهموم الشعب بعيدا عن الخلافات الإيديولوجية والسياسية الظرفية والاعتبارات التمييزية والعنصرية. لقد كان يسعى على الدوام إلى مد الجسور نحو مختلف فصائل الحركة الوطنية والتقدمية والديمقراطية. إننا - ومن منطلق الحب والإعجاب - نؤدي هنا التحية لإحياء ذكرى علي الموزي نيابة عن رفاقنا و أصدقائنا الذين مازالوا على قيد الحياة أشكيلون (Ashkelon) وفي أشضوض (Ashdod) والذين كانت تربطهم علاقات إنسانية وكذا سياسية بالفقيد». بينما أشاد العربي الجابري ، بصفات الراحل حيث قال أن «علي ابن محمد المنوزي، عرفتك مناضلا وطنيا، كلامك قليل وأفعالك وتحركاتك كثيرة وهذا ما جعل أبناؤك يقلدونك مضحين بالنفس والنفيس وفي مقدمتهم ابنك الحسين الذي اختطف ودفن ولازل قبره مجهولا, كما جرى للشهيد المهدي بن بركة. - علي ابن محمد المنوزي أقدرك في شخصيتك النبيلة، المناضل الحزبي الكريم، الوطني الغيور المتواصل في الأخلاق، فقد فقدناك رغم عمرك 101 سنة و كنت دائم الحضور ماديا ومعنويا». وفي كلمة حبيبة المنوزي، حفيدة الحاج علي المنوزي ، كتبت «إتوحشتك يا بابا حاج، دازت 40 يوم على فراقك ومزال الدموع مبغاوش إنشفو من عينيا. كيفاش غادي إنشفو إنت بعيد عليا، وفين ما درت كاي بانو ليا الذكريات الزوينة معاك. شكرا ليك لأنك علمتيني نعيش فالدنيا كريمة، مخلصة، صادقة وراضية بلي قسم الله. شكرا ليك لأنك علمتيني نكون متسامحة مع الناس ومنكونش هاز فقلبي الحقد والضغنية لتا واحد. شكرا ليك لأنك علمتيني بأننا أولاد بلاد وحدة مكاين حتى فرق ما بين هذا وهداك. شكرا ليك لأنك علمتيني حب الوطن، علمتني كيفاش نوقف فوجه العدو، ومنحني الراس لتا واحد».