{ تؤكد التقارير أن تجليات إقصاء الأطفال ذوي الإعاقة في تنامٍ مستمر، كيف تقاربون هذا الطرح؟ يتجلى «إزعاج» الأطفال ذوي الإعاقة ، في تقديرنا ، في كشفهم مدى عجز المؤسسات الحكومية عن تنزيل منطوق الدستور إلى أرض الواقع، فإلى حدود اليوم، تؤكد التقارير الدولية والوطنية المتتبعة لشأن الأطفال ذوي الإعاقة أن تجليات الإقصاء في تنام مستمر رغم الالتزام التام والصريح والمعلن في تصدير الدستور بما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وتأكيده التشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وتعهده بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان، و جعل الاتفاقيات الدولية، في نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، ويدعو للعمل على ملاءمتها مع ما تتطلبه تلك المصادقة. فالنموذج المفاهيمي للإعاقة على سبيل المثال ، مرتبط بالمقاربات الرعائية والإحسانية ، وليس بالمقاربات الحقوقية، ومن تجليات ذلك : تزايد واستمرار الحواجز التربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تحول دون ضمان حق المشاركة التامة والمواطنة الكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة جميعهم بمن فيهم الأطفال. وتنجلي بوضوح تلك الحواجز وتنكشف الحقيقة المرة، حين يطرق طفل ذو إعاقة إحدى مؤسسات الدولة، فلا يجد له حقوقا فيها. { هل هو تنكر وعدم التزام بالمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ؟ بداية يجب التأكيد أن اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة من الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب بمعية البروتوكول المرافق لها، وترمي إلى تعزيز وحماية وكفالة تمتع جميع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعا كاملا على قدم المساواة مع الآخرين ، بجميع الحقوق والحريات العامة، تعزيز احترام كرامة الأشخاص المتأصلة فيهم، لكن عندما نصادف طفلا ذا إعاقة تائها ، نعترف في قرارات أنفسنا، أن ما صادقت عليه حكومتنا من التزامات في المنتظم الدولي ، لم نعمل على تنفيذه، ولن نعمل على ذلك، فهذا الطفل مازال مستبعدا من سياساتنا التربوية والاجتماعية والاقتصادية، بما سيجعله مشروع متسول ينتظر ما تجود به أيادينا من صدقات أو هدايا في بعض المناسبات، أو نزيلا لإحدى مستشفيات الأمراض النفسية، أو مشردا في الشارع. إذن هو طفل مزعج يكشف كذبنا و ضعف قدراتنا في تدبير التنمية الشاملة، ويفضح رغبة البعض منا في إقصاء هذه الفئة من دائرة الضوء. { الخدمات التي يقدمونها تندرج في إطار المساعدة والخير والبر وليس الحقوق والواجب؟ بالفعل فقد وقعّنا الورق وتركنا التشريعات الوطنية؛ الإدارية والتربوية والاقتصادية دون أي تغيير، فلم يتم إلغاء مظاهر التمييز الموجودة في التشريعات المدرسية على سبيل المثال لا الحصر ، كما أنه مازال الطفل ذا الإعاقة محجوبا في التطبيق وإن حضر كعناوين بارزة في بعض البرامج الحكومية ، أو في بعض المناسبات. ومازالت بعض المؤسسات الحكومية تمارس ما يتعارض مع حقوق هذه الفئة. ولم تتخذ أيه مبادرة تجاه الأفراد أو المؤسسات الخاصة أو العمومية التي ترفض تسجيل الأطفال لضمان حقهم في المدرسة بدعوى الإعاقة. وليس لهم الحق الكامل في التنقل لانعدام خدمات المجالس البلدية والقروية، فمعظم الطرق غير صالحة للأطفال ذوي الإعاقة، ومعظم المؤسسات التعليمية تنعدم فيها الولوجيات المعمارية، ومعظم النيابات والأكاديميات والوزارات لايمكن أن يلجها طفل على كرسي متحرك. كما أن المكلفين بخدماتهم مكلفون فقط وليسوا معينين، هم متطوعون فقط وليسوا مؤهلين، متدربون فقط وليسوا خبراء، والخدمات التي يقدمونها تندرج في إطار المساعدة والخير والبر وليس الحقوق والواجب. ومن ثمّ فأطفالنا ذوو الإعاقة «مزعجون» لأنهم يكشفون لنا بالملموس ضعف الإرادة الحقيقية لمؤسسات الوطن في ضمان حقوق الأطفال ذوي الإعاقة. اللافت هنا هو أن هذا الغياب لا يزعج السياسيين فقط، بل يزعج الحقوقيين كذلك، حيث يظهر غيابه في المرافعات الحقوقية إلا فيما ندر، فقد غابت المصلحة الفضلى للطفل ، وغاب الدفاع عن حقه التام في التعليم الجيد والتطبيب والرفاهية الاجتماعية والعيش الكريم، فلا حقوق إنسان دون حقوق الأطفال ذوي الإعاقة ، لأنهم أكثر عرضة للتهميش والاستغلال والفقر والجهل والأمية. { ماذا عن الالتزام التربوي بحقوق هذه الفئة ؟ ما أن يبلغ الطفل ذو الإعاقة سن التمدرس حتى يتوزع حقه بين القبائل، فوزارة الصحة تعتبر تمدرس الأطفال ذوي الإعاقة من مسؤولية وزارة التربية الوطنية، ووزارة التربية الوطنية تنفي ذلك، لأن الطفل لا يتوفر على شهادة تثبت درجة ونوع وحدة إعاقته؛ وكتابة الدولة تطمئن بأن النسبة العامة للإعاقة هي % 12،5 فقط ومنشغلة بالمهرجان الخاص بالأطفال المعاقين وبتوزيع المنح على الجمعيات؛ ووزارة التكوين المهني ترفض استقباله في المراكز ، لأنه لايتوفر على شهادة ابتدائية ، وما كان لكل ذلك أن يحدث لولا طفلنا «المزعج» ، الذي كشف لنا بالملموس غياب سياسة حكومية تجاه حالة اجتماعية خاصة { بهذا المعنى يصير الطفل «مزعجا» للمدرسة برمتها؟ يجب التأكيد أن الممارسات البيداغوجية التقليدية لا تصلح معه، والركون إلى فن الإلقاء في القسم غير مُجد ، وتركه في الساحة يزعج المدير، ووضعه في قسم عادٍ يزعج الأستاذ(ة)، وإشراكه في نشاط تربوي يزعج جمعيات الآباء، وعدم انضباطه في الصف يزعج المفتش، وحرصه على النجاح يزعج المسؤولين ... لا بد من الإشارة إلى أن في منظومة مسار مورس إقصاء «نزيه» لجميع الأطفال الذين هم خارج المنظومة ، وتم الإقرار الرسمي بفشل الوزارة الوصية في تدبير التنوع والاختلاف ،وبأن حضورهم في بعض المناسبات إنما هو ذر للرماد في العيون. الأطفال الذين مورست في حقهم «نزاهة الإقصاء» هم الأطفال الذين لم يستطع التعليم النظامي احتضانهم وأعلن من خلال منظومة مسار فشله في اعتبارهم أطفالا مغاربة، هم أطفال يتم استغلال حضورهم في المناسبات الحقوقية والوطنية والدولية ، هم بالمعنى الشعبي المغربي «خضرة فوق طعام»! في الكتب المدرسية لا يظهر، ولا أثر له في التوجيهات التربوية، ولا في دورات التكوين، ولا حضور له في النوادي العلمية والبيئية، ومع ذلك، فهو موجود بيننا حي يرزق كأنه يقول: سأبقى أزعجكم وسأستمر في زعزعة الثابت و الساكن في سياساتكم واختياراتكم ، وسأعلن على الدوام عدائي لكل من خولت له نفسه أن يودعني في خانة النسيان».