ارتفعت ، مؤخرا ، حدة الحديث عن الأخطاء الطبية، هل معنى ذلك أن بعض الأطباء المغاربة يعانون من نقص في كفاءتهم ومهنيتهم ؟ للأسف هناك من يسعى إلى التشكيك في مصداقية وكفاءة عينة من الأطباء، والحال أن كفاءة الأطر الطبية المغربية هي مشهود لها عالميا، وخدماتهم لايستفيد منها المواطنون المغاربة لوحدهم فحسب، بل أضحى الطلب عليها من أشخاص أجانب يحزمون أمتعتهم من بلدانهم ويتجهون صوب المغرب لتلقي العلاجات على أيدي هذه الكفاءات المغربية التي، وبكل صدق، أضحت مستهدفة سواء عن جهل أو عن سبق إصرار وترصد. وهنا يجب أن أؤكد على شيء ضروري ومن المهم أن يكون الرأي العام والقراء على إلمام به، وهو أن الطب مهنة نبيلة يجب منحها التقدير والاحترام الواجب حيالها، والطبيب هو طالب يجب أن يكون مجدا في تحصيله الدراسي والعلمي الذي يخول له الحصول على معدلات معينة لولوج جامعة الطب، ولايتم ذلك إلا من خلال امتحان لانتقاء عدد معين، لأن ليس كل المقبولين لاجتياز الامتحانات سيدرسون الطب، ثم من بين المختارين كم منهم سيواصلون دراستهم وتكوينهم للوصول إلى مرحلة طبيب عام أو طبيب مختص، ليشتغلوا فيما بعد سواء داخل المستشفيات العمومية، أو بالقطاع الخاص أو داخل وزارة الصحة، وذلك في مسار دراسي وتكويني قد لايقف عند حدود 8 سنوات بعد الباكلوريا، وإنما قد تمتد إلى ما بين 12 و 15 سنة، مع مايعنيه ذلك من تضحيات مادية ومعنوية على نفقة المتمدرسين من أجل التكوين في اختصاصات معينة خارج المغرب، وكذلك نكران ذات مقارنة بفئات أخرى تدرس أقل وتلج سوق الشغل قبل ذلك بكثير لتأمين مستقبلها المادي، في حين أن الطبيب وبعد هذه السنوات يكون مرة أخرى أمام سنوات أخرى وتحديات مادية جديدة لمباشرة الخطوات الأولى العملية، ليكون المواطن في آخر المطاف أمام نخبة من الأطر التي تعتبر أدمغة حيّة لها من الكفاءات الشيء الكثير، غايتها الدفاع والحفاظ عن صحة المواطنين وعلاج المرضى، وليس التسبب في أخطاء أو إلحاق الضرر بهم، وبالتالي وجب الكفّ عن التشهير المجاني بالأطباء، وهذا لايعني عدم الوقوف على الأخطاء التي قد تقع والتي هناك سبل لتحديد صحتها من عدمها، وجبر الضرر بالنسبة للمتضررين. وارتباطا بهذه النقطة، فإني أشدّد على أنه بالمنطق الروحي فإن الشافي هو الله سبحانه وتعالى، وبالمنطق العلمي فالأطباء هم أسباب في العلاج ، وذلك باستعمال وسائل علمية وتقنيات حديثة لمحاولة تحقيق هذا العلاج، علما بأنهم يكونون أمام التزام ويقدمون ضمانات تتعلق بالوسائل، أي الآلات والمعدات المستعملة في التدخلات وتوظيف المعلومات المحصّل عليها، ولكن هم في حلّ من أي التزام أو ضمان لتحقيق النتائج. هل يعني ذلك أن كل التدخلات الطبية هي غير ملزمة بضمان النتائج؟ بالفعل كل التدخلات الطبية، بما فيها مجال التجميل، بالنظر إلى أن الأجساد تختلف من شخص لآخر، والجروح تختلف طريقة اندمالها، والكسور مدة وكيفية تجبيرها، بل وحتى الجروح هي تختلف في الجسم الواحد، وبالتالي فإن التدخلات تختلف حسب حالة وشخص كل مواطن، لهذا صدر قرار في أوربا يشدد على أن جراحة التجميل هي ملزمة بالوسائل وليس بالنتيجة ، وهو ما يعتبر معقولا جدا. إذن أنتم تدافعون عن براءة الطبيب من أية نتائج غير مرغوبة؟ ليس بهذه الكيفية، فالطبيب هو مواطن يضع نفسه رهن إشارة المريض 24/24 في ساعات الصباح الأولى، في المناسبات، ومهما كانت الوضعية التي يكون فيها من أجل إسعاف المريض والتخفيف من حدة آلامه، وهو بالتالي يمكن إدراجه في خانة قول الباري عزّ وجل «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، لمساهمته في إنقاذ حياة الناس، وبالتالي هو جزاء رباني لايمكن مقارنته بأي جزاء دنيوي، وعليه فإن الطبيب يقتات من هذه المهام القدسية التي تشكل له دعما ومحفزا وعنصرا للاطمئنان. وهو طبيب مواطن ساهم منذ الاستقلال إلى يومنا هذا ، في الاستقرار السياسي للبلاد، إذ أن أطباء القطاع الخاص لم يضربوا يوما واحدا خوفا من تبعات ذلك وعواقبه على صحة المواطنين/المرضى، فهم يهتمون بعلاج ما بين 50 و 60 في المئة من المواطنين، و 85 في المئة ممن لهم تغطية صحية، استحضارا لهذه التبعات وليس لشيء آخر، وذلك على الرغم من التهجم والاستفزاز والاستهداف الذي يتعرضون له بين الفينة والأخرى. أما بخصوص النتائج ، فمعلوم بأن لكل علاج مضاعفات، وهو الأمر المعترف به عالميا في كل البروتكولات الصحية ولايخص المغرب فقط، وهذا لايعني بأنه لاتقع أخطاء طبية ، فالطبيب ليس منزها عن الخطأ الذي هو إنساني، لكن مقارنة بدول أخرى ، فنسبة الخطأ الطبي في المغرب هي جد متدنية ولا تستوجب أية ضجة مفتعلة وغير بريئة المقاصد، وسبل التأكد منها بيّنة، وأنا إن شدّدت على ذلك فللتنبيه لتبعات ممارسة الضغط على الأطباء، سيما أطباء القطاع الخاص، الذين يكونون أمام عروض مغرية جاهزة في دول عدة قد يرضخون لها، سيما أنهم أطباء جاهزون لم تصرف عليهم هاته الدول درهما واحدا لتكوينهم، والحال أن كلفة إعداد طبيب في المغرب تراوح 120 مليون سنتيم، والطبيب الأخصائي ما بين 160 و 170 مليون سنتيم، دون الحديث عن أعداد الأطباء المتخصصين المغاربة الذين يوجدون خارج أرض الوطن ويعملون بدول عدة، والذين رفضوا الدخول لمزاولة المهنة في وطنهم وهو ما يعد خسارة كبيرة، وهنا أتوجه ، ومن خلال منبركم،إلى الحكومة وكافة المسؤولين المعنيين المباشرين لبذل مجهودات تمكنهم من إيجاد الوسائل لدعوة هاته الأدمغة المغربية إلى العودة والعمل هنا، فنحن في أمسّ الحاجة إليهم، عوض سدّ الخصاص الذي يعرفه القطاع الصحي بأطباء أجانب لايتكلمون لغتنا ولايعرفون احتياجاتنا، هؤلاء الأطباء المغاربة الذين يقدر عددهم ما بين 4 و 7 آلاف طبيب لم يهانوا يوما في هذه الدول، ولم نسمع بأنهم ارتكبوا أخطاء، بل على العكس، هناك ثناء وتثمين لعملهم ولمجهوداتهم. ماهي القيمة المضافة للمصحات الخاصة؟ تاريخ المصحات الخاصة انطلق منذ فترة الاستقلال وكان عددها معدودا على رؤوس الأصابع، وأمام عدم قدرة وزارة الصحة والمستشفيات العمومية على الاستجابة لكل احتياجات المواطنين، تطورت أعدادها إلى أن وصلت حاليا إلى حوالي 344 مصحة خاصة على الصعيد الوطني، تغطي أكثر من 50 في المئة من العلاجات المقدمة للمواطن المغربي، علما بأنها لم تتوقف يوما عن العمل، ولم تتوصل بأية إعانة من أي جهة كانت سواء في مجال الاستثمار أو التجهيز، أخذا بعين الاعتبار أنها تساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الاستقرار الاستشفائي في البلد، كما أنها أعطت للدبلوماسية المغربية احتراما، ولها حضورها ومكانتها في دعم الجانب السياحي حتى من الزاوية الصحية «سياحة الرشاقة» التي تعد جالبة لعائدات تقدر ب 476 مليار دولار سنويا في العالم، هذا في الوقت الذي يسعى المغرب إلى أن يكون ضمن العشرة الأوائل، فهل يمكنه الوصول لتحقيق هذه الغاية دون مصحات خاصة، وبالتالي وجب تحصينها ودعمها وتمكينها من عنصر الاستقرار والحفاظ على فرص الشغل التي تخلقها يوميا. ارتباطا بهذه النقطة ، تنادي وزارة الصحة بفتح رأسمال المصحات في وجه المستثمرين ، ما تعليقكم على ذلك؟ هناك اعتراف وطني وعالمي بالكفاءات الطبية وكفاءة المصحات الخاصة لما تتوفر عليه من تقنيات ووسائل حديثة للعلاج، وبخصوص إدخال غير الأطباء في مشروع فتح رأسمال المصحات لغير الأطباء، فيجب اتخاذ جميع أشكال الحذر في هذا النطاق خوفا من الانزلاق وتغيير الاستقرار الذي ساهمت فيه ليصبح تجاريا محضا، مع العلم أننا في حاجة إلى زيادة المصحات الخاصة والمراكز ودعم تلك التي في حاجة إلى إصلاحات وتقويم أو تجديد. ما رأيكم في العقوبات الزجرية تجاه المصحات في مشروع القانون؟ نحن لن نكون إلا منخرطين وفي صلب كل عملية إصلاحية، ولن نرفع شعارا غير شعار تفعيل القوانين واحترامها، بالمقابل نطالب كذلك بقوانين تحمي حقوق الأطباء وحقوق المصحات، دون أن ننسى أن الطبيب يعالج وليس له الحق في العلاج، وبخصوص العقوبات بشأن الأخطاء الطبية أو الشكايات التي تتعلق بها، فاقترح خلق لجان للوقوف عليها وحل المشاكل بشكل عقلاني مقبول لإصلاح الأضرار ولحماية المريض، من أجل طب في خدمة المواطن وللدفاع عن صحته بكافة الوسائل ، ومعها كذلك الدفاع عن مصلحة الطبيب والمصحة، دون أن أغفل الحديث عن كون بعض الأخطاء تقع بمستشفيات عمومية، أو مصحات خاصة، في ظل غياب ضمانة الوسائل، ويجب التعامل معهما بنفس التعامل عندما يتعلق الأمر بطبيب في القطاع الخاص أو العام، وبنفس الحصانة أو الدفاع. رسالة أخيرة؟ أحذر، وبشدة، الحكومة والمتدخلين في المجال الصحي من مغبة التساهل مع أي ضغط أو تحرش أو إشاعات تستهدف الأطباء والمصحات، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى فقدان الثقة بين الأطباء والمواطنين، الأمر الذي لن تكون له عواقب إيجابية، بل وخيمة وتداعيات سلبية، وقد يؤدي الأمر إلى اتخاذ قرار تغيير وجهات التمدرس عند الطلبة والابتعاد عن خيار اختيار هذه المهنة ككل، علما بأنه في الوقت الحالي هناك عزوف بالفعل عن بعض التخصصات في المجال الطبي ، وذلك راجع إلى قرار بعض الأطباء الذين يريدون الابتعاد بأنفسهم عن مجالات طبية التي يمكن أن تتسبب لهم في مشاكل نفسية واجتماعية وعائلية. كما أود التأكيد والتشديد على أننا كأطباء مغاربة، من مختلف الأطياف، متشبثون بوطننا تحت رعاية عاهلنا المفدى، ومفتخرون بهويتنا وانتمائنا، ووطنيتنا هي ضميرنا الصحو المتحكم في كل خطواتنا. * اختصاصي في جراحة التجميل والتقويم ومدير مصحة خاصة