المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسرحية آمنة تندرج في خط الكتابة المدافعة عن القضايا

تسعى القراءة الحالية إلى التقاط الثابت في كتابات بديعة الراضي، من خلال نصها الأخير (مسرحية »آمنة«)، ومحاولة تبين الرسالة أو الرسائل التي قد يتغياها هذا العمل، وذلك من موقع قارئ للنص المكتوب لا من منظور مشاهدٍ له،علما بأننا إزاء عمل أدبي كُتبَ للإخراج والعرض المسرحيين وليس للقراءة على غرار ما هو الأمر مع نصوص أخرى، تعرضُ، ثم تُطبعَ للقراءة، مثل الملك أوديب لتوفيق الحكيم وغيرها...
1. الكتابة باعتبارها قضية ومشروعا:
تندرج «مسرحية »آمنة»« في خط سير للكتابة يبدو ثابتا، من خلال ما تأتى لي قراءته من أعمال بديعة الراضي، وهو ما يمكن تسميته ب «»الكتابة الملتزمة««، أي الكتابة التي تدافع عن قضايا معينة، ولا تنشغل بشؤون الذات، محورُها ليسَ هو الفرد الناطق بضمير المتكلم، الذي يحكي عن معاناته وانشغالاته وأسئلته، بل الغير / الآخر..
وإذا كان ما من نص أدبي إلا يكون وراءه ذاتٌ كاتبة منتجة له، هي المؤلف، فنحن مع نصوص بديعة الراضي إزاء ذات تختار موقع المحو، إن جاز التعبير، والانصهار في الجماعة، من خلال تسخير الكتابة الأدبية لخدمة هذه الجماعة.
وبالفعل، فالمتلقي الذي يقرأ أعمالا سابقة للمؤلفة، كروايتها الأخيرة »أبناء المحيط«، ويقرأ أو يُشاهد مسرحية »آمنة«، سيعثر لا محالة على الانشغال نفسه، ما يُفيد أنَّ هناك خيطا ناظما، بين العملين، ويوحي بأننا إزاء كتابة أدبية تتحرك داخل إطار مُحدَّد سلفا، وتتوفر على خيط ناظم لمشروع أدبي واضح المعالم.
من ذلك أننا نعثر على شخصيات من عينة واحدة، هي هذه الفئات المهمَّشة، أو »المحيطية«، بتعبير أصح، التي تحتل موقعا في المجتمع المغربي، بعيدا عن نظيرتها من الفئات المركزية التي تمتلك زمام أمور تسيير البلاد، اقتصاديا وسياسيا، أو التي تنعم بالغنى والثراء، مع ربط وضع هذه الشريحة »المحيطية«، بسياق أكبر، وهو العلاقة بين بلدان شمال المعمور وجنوبه.
و»الجديد« في نص »آمنة« هو جنس الكتابة، إذ أخذ العمل شكل مسرحية أو دراما لتشخيص المضمون وعرضه أمام المتلقي.
خلاصة هذا المدخل أننا:
1) إزاء كتابة تُمنَحُ الأولوية فيها للقضية أو الموضوع الأدبي، وليسَ لشكل الكتابة أو للجنس الأدبي، ما يتيح افتراض أنَّ الكاتبة حتى ولو أبدعت في أنواع أخرى، كالشعر، فالإبداع عندها سيمتح من المصدر الآنف نفسه، وسيعبر عن القضية نفسها.
2) أننا أيضا أمام كتابة يحضر فيها جانبان متوازيان: وظيفة إخبارية - اطلاعية، بجانب أو بأكثر من جوانب فئات معينة داخل المجتمع، ثم وظيفة التعاطف مع هذه الفئات، وأحيانا حشد لدعم لها.
3) لعل الجديد هنا، كما سنرى، هو التأصيل لإحداث تغيير في المجتمع، يهم العلاقة بين الجنسين.
2. إطلالة على المسرحية:
مسرحية »آمنة« عملٌ اعتمد على نواة، هي حكاية بسيطة، تمَّ صوغها في قالب درامي.
الحكاية يمكن تلخيصها كالتالي:
كانت إحدى القرى الصحراوية في المغرب، باعتباره أحد بلدان الجنوب، تعيشُ في أمن وسلم وطمأنينة، لكن جراء جشع بلدان الشمال وطمعها في الاستحواذ على خيرات الجنوب وممتلكاته، وفي مقدمتها النفط، وجراء احتقارها لسكانه، أرسلت جنودها، فاحتلوا الأراضي وسلبوا الممتلكات ونهبوا الخيرات، وداسوا الأعراض، ولم يترددوا في اغتصاب النساء، لكن حبَّ سكان الجنوب لوطنهم، رجالا ونساء، جعلهم يتصدون ببطولة نادرة للمستعمر، رغم التفاوت الهائل بين الطرفين في العدد والعتاد، فجاهدوا وقاوموا إلى أن نالوا الاستقلال.
داخل هذه الحكاية الكبرى، إن جاز التعبير، تمَّ تبئير مشهد الاغتصاب من خلال عرض قصة إحدى نساء القرية، واسمها آمنة (ولا تخفى هنا رمزية الاسم، حيثُ يدل على الأمن والأمان)، وقعت ضحية اعتداء جنسي من لدن جماعة من جنود الاحتلال، وذلك بعرض تفاصيل الاغتصاب، وما ترتب عنه من تحول لهذا الحدث المفرد إلى شأن جماعي، حيثُ اجتمع أفراد القرية، وشرعوا في التخطيط للانتقام من الجنود بقتلهم، وهو ما تحقق في اللوحة الأخيرة من هذا العمل الذي يتألف من:
- مشهدين متفاوتي عدد اللوحات، حيث يشتمل الأول على أربع لوحات فيما يتألف الثاني من ست لوحات؛
- لوحات متفاوتة بدورها، من حيثُ الطول، حيث أقصرها، هي اللوحات 1، و7 و10؛ وهي تصويرية، تخيم عليها أجواء شاعرية »غنائية« وحماسية، ويغيب فيها الحوارُ، ويحضرُ صوت الشاعر أحيانا، فيما تَحضر في باقي اللوحات الشخصيات والحركة والحوار، وغيرها من مكونات العمل الدرامي.
على أنَّ أقوى لوحات هذا العمل، من حيث حضور الحوار، والحركة، هي اللوحة 3، التي يتم فيها تجسيد فعلَ الاغتصاب الذي تقع ضحيته البطلة على يد جنود الاحتلال الفرنسي، ليلا، وهم سُكارى، مستغلين غياب عبد الجبار الذي لا يخفى إيحاء الاسم ورمزيته، إذ يحيل إلى حقل دلالي يفيد القوة والبأس؛ فهو عبدٌ ل »الجبار«. والجبار اسمٌ يقترنُ بالخالق، إذ هو أحد أسماء الله الحسنى، ومعناه هو:
»الذي ينفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل واحد ولا تنفذ فيه مشيئة أحد الذي لا يخرج أحد من قبضته وتقصر الأيدي دون حمى حضرته، فالجبار المطلق هو الله سبحانه وتعالى فإنه يجبر كل أحد ولا يجبره أحد...«[1].
كما قد يُسمَّى به الشخص، فيفيد المعنى التالي:
»الجبار من العباد من ارتفع عن الأتباع ونال درجة الاستتباع وتفرد بعلو رتبته بحيث يجبر الخلق بهيئته وصورته على الاقتداء به ومتابعته في سمته وسيرته فيفيد الخلق ولا يستفيد ويؤثر ولا يتأثر ويستتبع ولا يتبع...«[2].
ومن خواصه: »الحفظ من ظلم الجبابرة، والمعتدين في السفر والإقامة«[3].
وعبد الجبار هذا تتعدد نعوته في المسرحية، إذ تارة يُنعَتُ برفيق آمنة، وتارة أخرى بعاشقها، وثالثة بصاحبها.
هذا المشهد العنيف (اللوحة 3)، تقابلهُ اللوحة الأخيرة في المسرحية (رقم 10)، بمعنى أنه الحدث الذي سيَحُدِّدُ تطور أفعال المسرحية لتصل إلى النهاية متمثلة انتقام الأهالي من جنود الاستعمار الذي تُجسِّدُه اللوحة 10، التي تخيم عليها أجواء نشوة النصر، من خلال زغاريد نساء القرية، على إثر قتل مقاومين، من سكان القرية ملثمين، من بينهم عبد الجبار، لجنديين فرنسيين كانا من بين مغتصبي آمنة سابقا، فيما يرمز تبعثر أشياء الكوخ في مسرح العملية، وهو بيت آمنة، إلى ضراوة المعارك والتضحيات الجسيمة التي أثمرت الحصول على الاستقلال، ويرمز وقت تنفيذ العملية، وهو الفجر، إلى بشائر الاستقلال التي قد تكون جاءت من المناطق المسماة إبان الاستعمار، وبعده، ب »»المغرب غير النافع««.
مما سبق، يستخلص أننا إزاء مسرحية، يمكن اعتبارها تاريخية، ولكن الهدف من إعادة تشخيص واقعة أو وقائع جرت في الماضي، يتجاوز هنا مجرد التذكير بما حدث سابقا والتغني به إلى بعث رسائل، من بينها:
- تجذر المساواة بين الجنسين في بعض المناطق والفئات التقليدية المغربية، ما يُمكن أن يُعطي سندا لدعوات المساواة التي تصادف حاليا مقاومة شديدة من لدن بعض الأوساط التقليدية الدينية أساسا.
- استقلالُ المغرب، الذي يؤول في نهاية المطاف إلى صد الجنوب لأطماع الشمال، لم يكن ثمرة كفاح حضري صرف، بل هو نتاج تضحيات جسيمة شاركت فيها سائر المناطق المغربية والشرائح الاجتماعية، بما فيها الصحراوية؛
وعند هتين النقطتين، ستقف الورقة الحالية دون أن تتجاوز ذلك إلى إجراء قراءة فنية للنص المسرحي التي تتم عادة من منظورين:
أ) تحليل بناء النص، أي كتابته وشعريته؛
ب) دراسة إخراجه (أو إخراجاته) المرتبط(ة) بعملية العرض[4].
3. الفصل بين الجنسين وقضية الشرف
إذا كانت أحداث المسرحية تدور في مجتمع تقليدي، فقد تبين من خلال العديد من الدراسات أن المجتمع التقليدي المغاربي، وضمنه المغربي، يتحدد ب «»إطار» هو الفصل بين الجنسين، وبنية هي النسب الخطي الأبوي، ونمطا في الممارسة هو السلطة، ثم إوالية لإعادة الإنتاج هي النقل (أو الإيصال) الثقافي«[5].
سيكون من باب التعسف البحث عن مقابل لسائر هذه المكونات في المسرحية، إذ ليست مهمة الأديب هي تقديم وصف ضاف لمجتمع الكتابة. فهو مبدعٌ وليس عالم اجتماع، بيد أن من النصوص الأدبية ما يُقدَّم، وبشكل عفوي، مَا يقتضي جُهدا خاصا من لدن الباحث الاجتماعي، وتقنيات بحث مُحدَّدة، وذلك إما بالتضمين التلقائي، على غرار ما نجد في روايات مُدن الملح لعبد الرحمن منيف أو جنوب الروح لمحمد الأشعري[6] أو جيرترود لحسن نجمي[7]، على سبيل المثال، أو باستهداف فعل أو تغيير اجتماعيين. وبالفعل، فبعرض المسرحية الحالية على الإطار السابق، يتضحُ أنَّها، تتضمن أحد المكونات الآنفة، وهي »الفصل بين الجنسين« التي جاءت في هذا العمل-المنتوج التخييلي مختلفة عما هو كائنٌ فعلا في الواقع.
3. 1. الفصل بين الجنسين:
يعتبر الفصل بين الجنسين عنصرا مكونا لكل عائلة، بل تكاد الدراسات المنجزة حول المجتمعات التقليدية المغاربية، وضمنها المغرب، تجمعُ على اعتباره عنصرا مهيكلا للمجتمع، إذ على التقابل الأولي (ذكر ? أنثى) تٌبنى سلسلة من التقابلات الاجتماعية: مثل (خارج ? داخل)، (فضاء عمومي - فضاء خصوصي)، الخ.، حيث يُحفظ الخارج العمومي للذكور فيما يُحفظ الداخل والخصوصي للإناث[8]، ويُمنَع اختلاط الجنسين ابتداء من سن معينة...
مقابل هذا الوضع، تعرض المسرحية جوا مختلفا، إذ يلحق عبد الجبار برفاق الكفاح، بعيد اغتصاب آمنة، مرفوقا بها، ما يفيدُ أنَّ تلويث الشرف وإن حصل، فإنَّ المرأة تمَّ تنزيهها عن أي مسؤولية عنه، وإن بشكل غير مباشر اعتبارا لكونها أنثى على نحو ما هو معتاد في العديد من المجتمعات العربية، فيَحضُر الاثنان تخطيط الجماعة للانتقام من الجنود.
في الإطار نفسه، الشكل الوحيد الذي يُعترف به للعلاقة بين الرجل والمرأة هو رابط الزواج، ومن ثمة إقصاء كل علاقة خارج هذه الصلة، وعدم الاعتراف بها، وإدراجها ضمن ما هو »غير شرعي«، وبالتالي يستوجب العقابَ. إلا أننا مقابل هذا الوضع، نجد في المسرحية أشكالا من العلاقات، حيث تنقسم النساء إلى »حبيبات«، و»نساء« (الأقارب الإناث: أخوات، عمات، خالات، الخ.)، و»عشيقات«، ثم أخيرا »زوجات«. يقول عبد الجبار:
»هم يمزقون ستارنا ويبعثرون أغراضنا، ويستبيحون حبيبات قلوبنا، نساءنا، عشيقاتنا، وزوجاتنا.. لن نستريح حتى نبني الوطن الذي نريد، أنا ابن الجبل الآتي من عزة النفس والكرامة، لن أرضى بكل هذا الخواء، أمام استشراء الظلم والإهانة بيننا. لن أرضى« (اللوحة 5).
وتقدم اللوحة 04 مناجاة عاشقة بين الاثنين، لا يتضح فيها أن العلاقة بين الاثنين تتم خارج مؤسسة الزواج فحسب، بل وأنها كانت بمباركة من جارة أمينة. أكثر من ذلك كانت حتى بعلم والدتها التي تكلفت بإعداد لوازم زينة ابنتها كي تلتقي بحبيبها:
»- عبد الجبار: آه لو تدرين، بما أحس لقد جئت من الجبل، لأشكو غربتي و ظلمي وأروي عطشي من روحك التي تمتد داخلي لأبكي بين يديك وأورثي وطني جئتك لأختبئ في عينيك في قلبك لأزيل الأغلال الموجودة حول عنقي ، لقد نزلت من الجبل إلى القرية والألم دواخلي باحثا عن مجد لأرتوي من عشقك (...)
- آمنة: وأنا كذلك كنت احلم بلحظة لقاء هاته بارتواء بعشق أذوب به في عينيك وأنا بين ذراعيك ملتصقة بجسدك، أذوب فيك، أهرب فيك إليك، أبوح بآلامي وجنوني وبأحزاني، وأخلد فيك كامرأتك، كحلمك، كأرضك، كجبلك، لأعيش بدواخلك بسلام تلك الليلة تهيأت غسلت جسدي في بيت جارتي وضعت الحناء والقرنفل على شعري الأسود وسكبت الباقي على جسدي قالت جارتي أريحي البطل من عناء السهر والجهاد من اجلنا ومن أجل قريتنا المخنوقة المحاصرة، كم كنت جميلة تلك الليلة وكان جسدي كطفلة زاهية و كجبل أبيض وكليل قمري، كحلت عيني من الخليط الأسود الذي أعدته أمي و كانت شفتاي عطشى وجبيني كقبلة حبيبي...« (اللوحة 4)
3. 2. مسألة الشرف:
إذا كان الشرف شأنا رُجوليا، فنقطة ضعفه تقع في جانب النساء، إذ لا تعترف المرأة للرجل بالشرف إلا بقدر ما تعترف له به جماعة الرجال من خلال ما يُبديه من بطولة في المعارك، مثلا، ومن خلال تحكمه في السلوك الجنسي لنسائه (أم، أخوات، بنات، الخ.) [9].
وعبد الجبار، في المسرحية، يتصف بالبطولة، إذ هو قائد مقاومة، وتتعرض رفيقته »آمنة« للاغتصاب، لكن ذلك لا يلوث شرفه، في عيون رفاقه في الكفاح، حيث سيواصلون احترامه والحرص على حياته، وطاعة أوامره:
»- الحارس: سيدي لقد وصل
- الممثل 1: هل هو وحده؟
- الحارس: الرفاق يقولون إن وضعه آمن، وأن لا أحد يتعقب...
- الممثل1: جيد، أدخلوه من الباب الخلفي« (اللوحة 5)
والخلاصة أنّ بعضُ مكونات النسق التقليدي، كالفصل بين الجنسين، ومنع إقامة علاقة خارج مؤسسة الزواج، وربط الشرف بالسلوك الجنسي للنساء، قد تمَّ انتهاكها في المسرحية لفائدة قيم أخرى، يحتل فيها حب الوطن، المرتبة الأولى، ويصير الشرف والكرامة نابعين في المقام الأول من العمل المؤدي إلى التحرر من قبضة الاستعمار، كما يصير الحبُّ والعشق مُسخَّرين لخدمة القضية ذاتها.
4. مسألة العلاقة شمال / جنوب (أو شرق /غرب) أو المتخيل المتبادل:
يمكن إدراج العمل الحالي في خط عدد من الأعمال الروائية العربية التي تناولت علاقة الشرق بالغرب، مثل روايات عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم، والحي اللاتيني ليوسف إدريس، وموسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، والأشجار واغتيال مرزوق لعبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا، وغيرها.
بيد أنه مقابل تقديم الشرق باعتباره »فحولة سمراء« في مقابل غرب هو »أنوثة شقراء«، حيث يلعب الرجل الشرقي دور الذكورة والفحولة، فيما يُمنح للغرب دور الأنوثة المحتاجة إلى خصب مفقود يُجَسِّدُه الشرقي[10]، ومقابل الديك الشرقي المحشو بالفيتامينات، كما ورد في أحد الأعمال التي خصها جورج طرابيشي بتحليل في كتابه »شرق وغرب. رجولة وأنوثة«[11]...، مقابل هذا النوع من الصور، تقدم لنا المسرحية الحالية صورة معكوسة تماما، إذ يصير الشمالُ أو الغربُ، ممثلا في عساكر فرنسيين، هو الذي يتقمَّصُ دور الفحولة، فيغتصبُ جنودٌ من بلد الديك نساء القرية، وتصير نساء الجنوب مطفأة لحرائق رغبات رجال الشمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.