كان هناك توافق سياسي بين الدول الي تشكل محور الممانعة من جهة، والدول التي تشكل محور الاعتدال من جهة أخرى، جاءت ثورات الربيع العربي لتحدث خلخلة في مواقف الجانبين تجاه قضايا المنطقة. «محور الاعتدال» و«محور الممانعة» مصطلحان سياسيان يعبران عن تكتلين سياسيين، ضمّ كل منهما مجموعة من الدول، اتخذت مواقف مغايرة في السابق تجاه الأزمة الفلسطينية، بين من مال منهما للحل السلمي، ومن تبنى خيار المقاومة. وبينما كان هناك توافق سياسي بين دول كل محور، جاءت الثورات العربية لتحدث ارتباكا في المواقف تجاه قضايا المنطقة، وهو ما بدأت محاولات علاجه في الآونة الأخيرة. ثورات الربيع العربي لم تكن مواقف دول محور الاعتدال تختلف إزاء القضايا الإقليمية والدولية، فقد كان القاسم المشترك بينها هو المحافظة السياسية، وتبني خيار حل القضية الفلسطينية عبر المفاوضات السلمية مع إسرائيل. يتشكل محور الاعتدال في المنطقة من دول مصر والسعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن، إضافة إلى أطراف لبنانية، وأحيانا كان يمتد ليشمل المغرب وتونس. في حين، يتشكل محور الممانعة من دول سورياوإيران وحزب الله اللبناني وفصائل المقاومة الفلسطينية متمثلة في حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأحيانا كانت تمتد ظلاله إلى السودان والجزائر، وتبنى المحور موقف المقاومة كحل للأزمة الفلسطينية. وكانت قطر تقف على مقربة من محور الممانعة، تليها تركيا في عهد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وجاءت ثورات الربيع العربي لتحدث خلخلة داخل كل محور، فالثورة المصرية ألقت بتبعاتها على دول محور الاعتدال، بينما ألقت الثورة السورية بتبعاتها على محور الممانعة، وبدأت دول كل محور تحاول إنقاذ أنظمة حلفائها. ورغم رفض دول الخليج، وخاصة السعودية، ثورات الربيع العربي، كان موقفها داعم للثورة السورية، حيث تبنّت خيار الإطاحة ببشار الأسد، أحد حلفاء إيران. وبذلك بدا محور الاعتدال رافضا للثورات، من منطلق أنها تحمل شرورا للشعوب، وستهدد أمن واستقرار المنطقة، فيما عدا دعمها للإطاحة بنظام بشار. بعد ثورات الربيع العربي بعد نجاح ثورات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا في الإطاحة بالأنظمة الحاكمة هناك، بدأت ملامح محور جديد يتشكل، ضم مصر وتونسوتركياوقطر، وأحيانا كان يمتد ليشمل ليبيا واليمن. وأعلنت تركياوقطر تأييدهما لثورات مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا. وكان وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أول مسؤول أجنبي يزور مصر بعد الإطاحة بمبارك، كما زارها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. وأعلنت قطر عن تقديم دعم مادي لمصر خلال الزيارة الشهيرة التي قام بها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ولي العهد القطري وقتها، قبل أن يصير أميرا للبلاد، والتقى خلالها بالمشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الذي كان يحكم البلاد حينها. وفعلت الدولتان نفس الأمر مع تونس، فزارها داوود أوغلو يوم 22 فبراير 2011، أي بعد نحو شهر من سقوط بن علي، كما زارها أردوغان في يناير من عام 2012، كما قدمت قطر دعما ماديا لتونس. وتكرر الأمر ذاته مع ليبيا واليمن. ولم يختلف الحال مع دولة اليمن التي حرص وزير خارجية تركيا على زيارتها، بعد الإطاحة بنظام علي عبدالله صالح، يوم 20 أكتوبر 2012، وتوجه الرئيس اليمني عبد ربه منصور إلى قطر في أغسطس من عام 2012، في زيارة هي الأولى من نوعها بعد الإطاحة بصالح، وأعلن أمير قطر حينها عن معاملة أبناء الجالية اليمنية في قطر كأبناء البلد واستكمال المشاريع القطرية في اليمن. واستمرت تركياوقطر في دعم مصر وتونس واليمن وليبيا، غير أن عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي من الرئاسة، في 3 يوليو 2013، جمّد محاولات بناء هذا المحور، ومنح قبلة الحياة لمحور الاعتدال القديم الذي أخذ موقفا متحفظا تجاه مرسي. تتضح ملامح إعادة إحياء محور الاعتدال في الآتي: - أعلنت دول المحور بشكل واضح وصريح، تأييدها خطوة عزل مرسي. - الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن، إحدى دول المحور القديم، قدم دعما معنويا وسياسيا كبيرا لخطوة عزل مرسي، كونه كان أول زعيم عربي يزور مصر بعد الإطاحة بمرسي في يوليو 2013، خاصة أنها كانت الزيارة الأولى له إلى مصر، منذ عزل الرئيس الأسبق مبارك. - زار سعد الحريري رئيس وزراء لبنان السابق مصر في فبراير الماضي، وهي الزيارة التي أثارت تساؤلات، لكونه لا يملك أي منصب سياسي في لبنان بعد تشكيل الحكومة الجديدة، ورجح مراقبون أن تكون السعودية وراء الزيارة، بغرض تقديم كل الدعم للسلطة الحالية. - حصلت مصر على 12 مليار دولار كدعم مادي خلال الستة أشهر الأولى بعد عزل مرسي، تعهدت بها دول السعودية والإمارات والكويت. - أدرجت السعودية جماعة الإخوان في قائمة الإرهاب في 7 مارس 2014، وذلك على غرار القرار الذي اتخذته مصر. - بدأت تحدث تفاهمات بين دول المحور في القضايا الإقليمية، وأهمها سوريا، حيث كان التباين في المواقف بينها إزاء القضية السورية، أحد الأمور الملفتة للانتباه. الممانعة والقضية السورية في مقابل محاولات إعادة إحياء محور الاعتدال، بدأت دول المحور، الذي كان مقدّرا له أن يتشكل وقد تجمّد نشاطه بعزل مرسي، تتجه نحو محور دول الممانعة، في محاولة لإعادة إحيائه هو الآخر، وذلك على الرغم من وجود خلاف بينها في الموقف من القضية السورية، وهو ما ظهر على النحو التالي: - زيارات متبادلة بين وزراء خارجية دول قطروتركياوإيران. - تصريحات متبادلة بين وزراء خارجية الدول الثلاث تعكس التوجه نحو تعاون مشترك، فخلال زيارة داوود أوغلو لطهران نقل عنه قوله «تركياوإيران دولتان لهما ثقلهما في المنطقة، ويعرفان بعضهما البعض جيدا، بحكم الأواصر والعلاقات التاريخية التي تربط بينهما، ولو كانت هناك بعض النقاط الخلافية بينهما، فهما في نهاية الأمر، يفهمان بعضهما جيدا». وتحدث أمير قطر«أيضا» بشكل إيجابي عن إيران أكثر من مرة، وقال خلال لقائه وزير خارجيتها في يونيو من العام الماضي «إيران دولة مؤثرة في معادلات المنطقة، ويجب الاستفادة مما تملك من طاقات لحل وتسوية المشاكل الإقليمية». - بدأت حركة المقاومة الإسلامية حماس تتخذ خطوات نحو إحداث تطور في العلاقة مع إيران، كما قال عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، محمود الزهار، في تصريحات صحفية. ويبدو الموقف من الأزمة السورية هو العائق الوحيد أمام تنسيق كامل في المواقف بين دول هذا المحور الذي يسعى إلى التشكل، حيث تقف إيران إلى جانب بشار الأسد، بينما لا تدعمه تركياوقطر. غير أن مراقبين يتوقعون احتمال تجاوز هذا العائق، خاصة أنه بدا ملفتا للنظر حديث وزيري خارجية إيرانوتركيا باللغة ذاتها، إزاء مواقفهما من الأزمة السورية خلال زيارة داوود أوغلو لطهران. ويبقى السؤال، هل تكشف الأيام المقبلة عن تجاوز دول المحور هذا العائق والوصول إلى رؤية موحدة حول الأزمة السورية، في الوقت الذي تتجه فيه الأوضاع في محور الاعتدال إلى «الخلف در» عبر إعادة إحياء ما كان قائما من مواقف قبل ثورات الربيع العربي؟