يرى الفيلسوف الانجليزي طوماس هوبز, أن الإنسان ذئب لأخيه الانسان, وأن هذا الأخير من الطبيعي ان يكون أنانيا وعدوانيا، كما ان ما يجمع الناس في علاقات، سواء كانت عائلية او صداقة او حب، هو فقط مصالح مشتركة وشخصية يتحكم فيها حب الذات والسعي لإرضاء النزوات والأهواء والمصالح الشخصية، وعندما تتعرض هذه المصالح وتتقاطع يحل الجفاء والعداء والصراع، بل الحقد و الحرب في خضم هذه الحياة التي تتجاذبها المصالح والصراعات بين الانسان وأخيه الانسان وبين الدول والشعوب والاديان، تظهر اشراقات انسانية تخرج عن هذا المنطق وتكسر هذه القاعدة وتدحض هذا الادعاء وتؤكد بالمقابل ان الإنسان ليس فقط شيطانا يحيل الى الشر، بل هو كذلك ملاك يميل الى الفضيلة، وفعل الخير، فخلافة الله في الارض تقتضي ان يكون الانسان في مستوى هذه المسؤولية... وفي مستوى هذه الرسالة الانسانية النبيلة والتي طوق بها عنقه, وترفعه عن مستوى الكائنات الاخرى. وهكذا عرفت الانسانية عبر الحضارات القديمة منها والحديثة شخصيات واناس غلبوا جانب الخير وفتحوا قلوبهم لغيرهم من البشر ونذروا حياتهم لخدمة الآخرين والإنصات لمعاناتهم ومحنهم، بل قدموا في سبيل الآخرين كل ما يملكونه من امكانيات وقدرات وربطوا حياتهم الخاصة وسعادتهم، بالانفتاح والانشغال والتفرع لرفع المعاناة عن الآخرين وتوفير ظروف انسانية كريمة لكل من يعيش حياة الحرمان من الحرية ومن الامن و من الصحة والاطمئنان والعيش الكريم. وفي بلادنا قلوب نساء اتسعت لكل نساء الوطن واغدقت بدون حساب وحبت الآخرين بالحب والعطف والتضامن، بل ان منها من وهبت كل امكانياتها وسخرت وقتها وكل ممتلكاتها، لتوفير أجواء الراحة والاطمئنان لنساء اخريات ابتلين بامراض وأوضاع عصيبة ولم يجدن الدعم والمساندة والتضامن والعناية من الاهل ومن المجتمع ومن الدولة، فالاسر المغربية بعوزها وفقرها لا تستطيع التكفل بمرضاها وارضاء حاجياتهم من حيث مصاريف وتكاليف العلاج والتي غالبا ما تكون باهظة، خاصة اذا تعلق الأمر بالأمراض المزمنة أو الخبيثة. كما أن الأسر المعوزة لا تتوفر على التأمين او التغطية الصحية الكفيلة بالتكفل والمساعدة على التحمل والعناية بالمرضى, علما بأن المغرب لا يتوفر على مؤسسات اجتماعية كافية لتفي بالغرض وميزانية الدولة ومصحاتها ومستشفياتها وخدماتها في ميدان الصحة العمومية ولا تستطيع تلبية الحاجيات المتزايدة للمواطنين في العلاج والادوية والرعاية الإجتماعية. ومؤسسات اجتماعية مواكبة للعلاج والخاصة بالإيواء والترفيه والادماج. وبمناسبة ذكرى عيد المرأة, أقدم كلمة تقديرواعتزاز مشفوعة بكل تعابير الافتخار والاعتبار لأحد القلوب الكبيرة , والذي احتضن وحضن كل نساء الوطن، إنها الحاجة خديجة رئيسة جمعية جنات لإيواء مرضى السرطان بالمغرب. لقد مثلت الحاجة خديجة نموذجا انسانيا حيا لاشراقات مغربية, تدحض قاعدة طوماس هوبس وغيره من المفكرين الذين أقروا وشددوا على أنانية وعدوانية الإنسان في طبيعته الأولى، فتحول منزل الحاجة خديجة بالرباط الى مقر لجمعية جنات وإلى قبلة للمريضات بالسرطان في كل أرجاء الوطن، حيث يتم استقبالهن بالحفاوة والأحضان ويستفدن من الأكل والأودية ووسيلة التنقل, كما تعمل الجمعية على توفير كل الظروف المناسبة لحياة يومية عادية يسود خلالها الود والتفاهم والتواصل, وذلك رغبة منها في توفير سند نفسي سيشكل جزءا مهما من خطة العلاج، ولا تكف الحاجة خديجة عن التنقل بخفة ونشاط وارتياح بين مرافق المنزل كالأم التي هي مستعدة للقيام بأي شئء لارضاء أبنائها وتوفير الراحة والاطمئنان لهم والتخفيف من معاناتهم، فالمريضات الوافدات الى الرباط من مختلف أرجاء المغرب تتوجهن إلى مستشفى مولاي عبد الله ويتخذن المساحات القريبة من المستشفى أماكن للأيواء والمبيت لمحدودية امكانياتهن المادية و فقرهن، قبل أن يوجهن فيما بعد من طرف العاملين بالمستشفى الى منزل الحاجة خديجة ويستفدن من خدمات جمعية جنات الجليلة من أكل وبيت ودواء وتنقل, فضلا عن الأجواء العائلية,وبالاضافة الى الحاجة خديجة لابد أن نشير كذلك بالمناسبة، الى المناضلة الاجتماعية عائشة الشنا، التي قدمت خدمات إنسانية جليلة، طيلة 52 سنة للأمهات العازبات بالمغرب وأطفالهن، إنه قلب كبير، رمز للجرأة، ومثال للتضحية والتطوع والعطاء ونكران الذات، فالمسيرة الغنية للمناضلة الاجتماعية عائشة الشنا، حافلة بتضحيات و نضالات لفرض منظورها للأم العازبة في مجتمع تنخره المعتقدات الخرافية والغيبية و المفاهيم الخاطئة عن المرأة وعن الأخلاق وعن الرهانات الحقيقية للمجتمع و أولوياته، وهكذا قدمت الدعم والسند لجمعيات وجهات انشغلت بأوضاع النساء، ضحايا العنف المادي والجنسي والرمزي، كما اجتهدت وتحملت بمعاناة وصبر، حملات جمع مصاريف وتكاليف الاعتناء بالأمهات المقهورات في مجتمع ذكوري لا يتفهم ولا يرحم. وبمناسبة العيد السنوي للمرأة، لا يسعنا إلا أن نشد بحرارة على الأيادي الكريمة ونشيد بالقلوب الحريرية الكبيرة، ونقدم لها كلمات تقدير واحترام واعتزاز ونوشحها بنياشين الوطنية الصادقة والحس الإنساني النبيل، وهو وسام معنوي غالي سوف يسطع على صدر الحاجة خديجة وعائشة الشنا وأمثالهما. ولقد حصلت مؤخراً المناضلة الاجتماعية عائشة الشنا وبمقر السفير الفرنسي بالرباط على وسام جوقة الشرف من درجة فارس، وقُدم لها من طرف الجمهورية الفرنسية، وهو بمثابة اعتراف بما قدمته هذه المناضلة، طيلة مسارها في النضال الاجتماعي، كما يُعَد هذا التكريم استمرارا لمختلف التكريمات والجوائز التي نالتها من طرف مختلف الجمعيات والمؤسسات الوطنية والدولية، كما سبق لها أن نالت وسام جوقة الشرف الفرنسي سنة 2013. ولقد اعتبرت عائشة الشنا هذا التتويج والترشيح الفرنسي الأخير، بمثابة إعلان عن انطلاقة جديدة ومحطة أخرى في حياتها التطوعية لخدمة قضايا المرأة والطفولة، سيما أبناء الأمهات العازبات، ومتمنياتنا بالتوفيق والنجاح والصحة الجيدة وطول العمر للحاجة خديجة وعائشة الشنا لمواصلة مسيرتهما النبيلة ولخدمة أهدافهما الاجتماعية والإنسانية الجليلة، كما نترحم بالمناسبة كذلك على ماما أسيا، ذلك الغصن المنتمي لتلك الشجرة المتجذرة في تربة النضال والصمود والتضحية، على ما قدمته للعمل الاجتماعي وللعمل الجمعوي بالمغرب من خدمات اجتماعية وحقوقية ووطنية جليلة. أكادير