مباشرة بعد انتهاء الدورة 20 من المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدارالبيضاء، اختارت الاتحاد الاشتراكي استضافة مدير مديرية الكتاب الشاعر حسن الوزاني لتوضيح العديد من القضايا التي أثارت الرأي العام حول قيمة المعرض في دوراته الأخيرة، حول مشكلة القراء واقتناء الكتاب، حول دعم الكتاب، واستضافة بلدان غرب إفريقي كضيف شرف. o الأستاذ حسن الوزاني انتهت الدورة 20 للمعرض الدولي للكتاب، ما هو تقيمكم للحصيلة؟ n سأترك القارئ العزيز ليحكم على الحصيلة بأن أضع أمامه هذه المعطيات الرقمية التي أفرزتها الدورة، أولها عدد العارضين الذي قارب 800 عارض مباشر وغير مباشر مثلوا أكثر من 50 بلدا، عرضوا إلى جانب العارضين المغاربة أكثر من 3 ملايين نسخة بمختلف لغات العالم (العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والبرتغالية والألمانية والتركية والصينية..)، وثانيها عدد الفعاليات الثقافية التي تجاوزت 100 فعالية من ندوات ولقاءات وقراءات وورشات وتقديمات كتب، وساهم فيها أكثر من 400 مشارك، من المغرب وإفريقيا والعالم العربي وباقي العالم، بالإضافة إلى البرنامج الخاص بالأطفال، أما ثالثها فهو الحضور الكثيف للجمهور من مختلف مناطق المغرب. لقد كانت دورة 2014 عرسا مغربيا للكتاب والثقافة ساهم في إنجاحه المنظمون والشركاء والإعلاميون والكتاب والجمهور .. وحيث لا كمال إلا للخالق تعالى، فإننا متمسكون بطموحنا من أجل أن تكون دورة 2014 درسا لنا لتجاوز الهنات وتحقيق التراكم الإيجابي في قادم الدورات. o لكن رغم كل ذلك نجد العديد من الصحافيين والكُتاب انتقدوا سطحية البرامج . n أظن أولا أن حرص جميع المنابر الصحفية الوطنية تقريبا على تخصيص صفحة إلى صفحتين كل يوم لتغطية فعاليات المعرض الثقافية يعكس قوة البرنامج. من جهة أخرى أظن أن وصف برنامج ساهمت في صياغته لجنة مؤسساتية مكونة من أكثر من 16 مؤسسة ثقافية، هي الأبرز والأكثر تمثيلية والأقوى فعالية داخل المشهد الثقافي والأكاديمي والبحثي المغربي، بالإضافة إلى انفتاحه على اقتراحات عشر مؤسسات أخرى، بأنه برنامج مسطح، هو لا شك وصف كان يجب على أصحابه أن يتريثوا كثيرا قبل إطلاقه، لأني أتوقع أنه قد يصلهم نصيب مما أطلقوه عليه، لتوقعي أن كثيرا منهم ينضوون تحت عدد من تلك المؤسسات، وهذا ما يفقد تصريحاتهم حسها النقدي و يهددها بالوقوع في العدمية التي نربأ منها جميعا.. وليس على من يريد أن يتحقق من ذلك سوى العودة إلى مطوية البرنامج للاطلاع على الجدة والتنوع والثراء والراهنية التي تسم الموضوعات. o كما انتقدوا الضيف الإفريقي الذي حسب قولهم "لم يقدم قيمة مضافة". n اختيار دول غرب إفريقيا لتكون ضيف شرف هو اختيار يتساوق مع ما تشهده العلاقات المغربية الإفريقية من دينامية صارت حديث العالم كله. وفي جميع الأحوال، فإن الحضور الإفريقي في المعرض له ثلاثة أوجه: أولها ثقافي يمكن الوقوف عليه في الفعاليات الثقافية التي شهدها البرنامج، إذ خصصت للضيوف الأفارقة حصص زمنية مهمة، لا شك أن المختصين المشتغلين بالشؤون الإفريقية من المغاربة ممن شاركوا فيها أو تابعوها، قد لامسوا أهميتها. مع الإشارة إلى أن عدد الأنشطة المخصصة في هذا الإطار جاوزت العشرين لقاء، تميزت بمشاركة 40 كاتبا وباحثا من دول المجموعة، من بينهم عدد من رؤساء الاتحادات الإفريقية، بالإضافة إلى عدد من الباحثين المغاربة. كما تميز البرنامج، الذي تمت صياغته باستشارة مع مختصين في المجال ومع معهد الدراسات الإفريقية، بتنوعه وبجدته، وهو ما تعكسه ندوات ك"كتابات نسائية: الكلمة لنساء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا"، و"الآداب الوطنية: اللغات والحدود"، و"الإبداعات الثقافية وحضور المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في العالم "، و"من الأدب الشفوي إلى الأدب الإفريقي الحديث"، و"بين الزنوجة والزنوجة الجديدة"، و"آداب وثقافات جنوب صحراء في الجامعات المغربية"، "ثقافات وفنون غرب إفريقيا في مواجهة شمولية العالم". أما الوجه الثاني فهو مهني، حيث أردنا أن تتيح هذه الاستضافة للمهنيين المغاربة فرص نسج علاقات استثمارية مع مهنيي الكتاب والنشر الأفارقة، بما نأمل من ورائه أن يتيح لمقاولة النشر المغربية خلق فرص استثمارية في سوق واسع يعتبر واعدا بالكثير. وأما الوجه الثالث فهو المتصل بالدبلوماسية الثقافية، حيث حضر بمناسبة المعرض أكثر من 13 وزيرا إفريقيا بعضهم مسؤول عن أكثر من قطاع، (الثقافة والسياحة والرياضة) والتقى هؤلاء مع عدد من المسؤولين المغاربة وتدارسوا سبل تطوير التعاون والشراكة فيما بينهم، ومجموع هذه الأوجه الثلاثة في منظورنا هي ما يحقق القيمة المضافة التي سعينا إليها من وراء هذا الاختيار. o ألا تلاحظون أنه ينبغي وضع إخراج للمعرض، إخراج بالمعنى الفني للكلمة، ليس فقط دكاكين مفتوحة لبيع الكتب. n إن القدحية التي قد تستبطنها عبارة "الدكاكين" لا يجب أن تصرفنا عن التسليم بكون البعد التجاري لأي معرض للكتاب في العالم بأسره هو أول الأبعاد التي ينبغي تكريسها، وهو بعد لا يسيء إلى المعرض بل يصنع قوته و نجاحه، فالكتاب منتوج، يتم تداوله بطرق كثيرة، أهمها علاقة العرض والطلب الحاصلة بين الناشر العارض والقارئ الزبون، وحتى لا يقع معرض الكتاب في التجارية المحضة يكون على منظم المعرض إنجاز فعاليات مرافقة، من فعاليات ثقافية تتيح لقاء مباشرا بين المبدع الكاتب وجمهور القراء، بالإضافة إلى أنشطة فنية وتكوينية وترفيهية، وهو ما يسري على معرض الدارالبيضاء شأنه شأن باقي معارض الكتاب في العالم. o ظلت الوزارة وفية لشعار الدورة الماضية "لنعش المغرب الثقافي"، ما هي الأشواط التي قطعتها هذه الدينامية؟ n لأن شعار "لنعش المغرب الثقافي" يدعو إلى سيرورة متواصلة حافظنا عليها عن قصد، ليظل، في الوقت نفسه، التزاما قطاعيا من الوزارة بمتابعة تنفيذ مخططها العام في التنمية الثقافية وبلورة مزيد من العمليات والأوراش المندمجة مركزيا وجهويا وتشاركيا وحكاميا، مثلما يظل دعوة مفتوحة موجهة إلى كل المشتغلين والمنشغلين بالشأن الثقافي، أيا كانت حلقات إنتاجهم، سواء أكانوا هيئات أم أفرادا أو مقاولات، لتقوية أداء الوزارة بسديد اقتراحاتهم ورصين مبادراتهم ترسيخا وتوسيعا لورش المغرب الثقافي المتواصل والمتكامل. o لاحظنا في السنتين الأخيرتين بروز عدة مبادرات للقراءة في العديد من مدن البلاد،تُرى ما هو الحيز الذي خصصتموه للقراء في برمجة المعرض، وما هي السياسة المعتمدة من طرف الوزارة لتطوير هذا النشاط؟ n المعرض برمته مُهدى للقراءة والقراء. والهدف الرئيسي من تحريك هذه العملية الثقافية الكبرى، واستقبال دور النشر من داخل المغرب وخارجه، واستقدام الأسماء الإبداعية والفكرية من جغرافيات مختلفة، إنما هو تمكين القارئ والقارئة من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية والتعليمية من اللقاء المباشر بالكتاب والاقتناء الأمثل للعناوين التي لا يتيسر العثور عليها مجتمعة في فضاء واحد خلال السنة. فرغم ضعف مؤشرات القراءة بوجه عام، إلا أن هناك طلبا اجتماعيا للمعرفة يتعين علينا جميعا، وزارة وقطاعات تعليمية وفاعلين، تحفيزه. ولذلك اعتمدت الوزارة مبدأ القرب الثقافي من خلال تفعيل وتحديث وتنشيط العديد من الخزانات ونقط القراءة العمومية الموزعة على مختلف جهات المغرب والمزودة بأرصدة وثائقية هامة وغنية ومستجيبة لكل الفئات العمرية، كما اعتمدت الوزارة مبدأ المقاربة التشاركية من خلال دعم الجمعيات الجهوية الحاملة لبرامج رصينة على مستوى النهوض بالقراءة وتحفيز الإبداع. o كيف ترون سؤال القراءة بالمغرب ؟ n الأكيد أن هناك عوامل عديدة تتداخل في الحد من مستوى القراءة بالمغرب. ويأتي على رأس هذه العوامل دور الأسرة في التربية على القراءة باعتبارها سلوكا يتعيّنُ أن يُغرَس في فترة مبكرة من العمر، فالجميع متفق بأن من يقرأ صغيرا يقرأ كبيرا، ولعلنا نتفق أيضا، وكما تؤكد ذلك نتائج الأبحاث الميدانية، أن نفقات الأسرة المغربية المخصصَة للثقافة عموما وللكتاب بشكل خاص تأتي في آخر السلم، مع العلم أن لضعف القدرة الشرائية أيضا أثرا على ذلك. أما العامل الثاني، فهو يتَّصِل بمحدودية التربية على القراءة على مستوى المدرسة المغربية وبرامجها التعليمية التي تُرَسِّخ في ذهن التلميذ أن الكتاب الوحيد هو الكتاب المدرسي ولا تشجع بالتالي على دفعه إلى الإقبال على القراءة كسلوك إنساني يتجاوز الواجباتِ المدرسية. مع العلم أن مراحل التمدرس الأولى تشكل اللحظاتٍ التي ينسج خلالها الطفل علاقاتِه بالمعرفة ومصادرها، ومن ضمنها الكتاب، ويتعلم خلالَها أيضا كيفية الاستفادةِ والانتفاعِ من الكتاب والمكتبات. ويزيد من استفحال ذلك وضعية المكتبات المدرسيةِ، التي ينتظر منها أن تساهم في سد الفجوة التي تحكم العلاقة بين التلميذ القارئ والكتاب. وهو ما يفرض النظرَ بجدية لهذه البنيات، من خلال العمل على توسيع تغطيتِها الجغرافية وتأهيلِ أرصدتِها الوثائقية ووسائلِ اشتغالها وتنشيطها الثقافي . من جهة أخرى، هناك ضعفٌ على مستوى شبكة بنيات المكتبات العمومية من حيث عددُها ونوعيةُ الخدمات التي تقدمها. وللإشارة، يتوفر المغرب على حوالي مكتبة واحدة لكل 100.000 نسمة في أحسن التقديرات. مع معدل تغطية قَلَّما يبلغ أو يتعدى 1 في المائة. ويصل العجزُ حسب معايير اليونسكو لحوالي 4000 مكتبة عمومية دون احتساب المكتبات المدرسية، في حين أن العددَ الحالي للمكتبات لا يتعدى 400 وحدة، لا تعرف نفس المستوى من حيث تدبيرها وأداؤها. ولا يجب أن ننسى أيضا قصور الإعلام، وخصوصا السمعي والبصري منه، في التشجيع على القراءة، وهو ما يعكسه محدودية عدد وأداء البرامج المخصصة للتعريف بالكتب. تتداخل مع هذه العوامل عوامل أخرى تتصل بوضعية قطاع الكتاب بالمغرب، في سائر حلقاته، سواء تعلق الأمر بالطبع أو النشر أو التوزيع. وهو ما يعكسه على سبيل المثال معدلُ العناوينِ الصادرة سنويا بالمغرب والذي لا يتجاوز 2400 عنوان سنويا، في حين يتجاوز هذا المعدل في بلد كفرنسا 60.000 ألفَ عنوان. إن كلّ هذه المؤشراتِ والعوامل وتداخلَها يجعل من حل إشكاليات القراءة بالمغرب رهانا مجتمعيا لا ينحصر في مجال تدخل وزارة الثقافة وحدها، بل يحتاج إلى مقاربة تشاركية في بلورة الحلول الاستراتيجية الكفيلة بإحداث تغيير نوعي وملموس على المجال. وهو الأمر الذي نعمل على بلورته على أكثر من مستوى. o يندرج في هذا الإطار مشروعكم حول دعم الناشر والكتبي، ماهي رهاناته؟ n لأن السياق السوسيوثقافي والعامل الاقتصادي هما المرتكزان الأساسيان لنهوض كل صناعة ثقافية وانطلاقها نحو ما يستجيب لقدرات البلاد وانتظاراتها الكبيرة في هذا الجانب، فإن أمام الصناعة الثقافية في المغرب تحديات بنيوية يتعين على كل الفاعلين الثقافيين، والوزارة في مقدمتهم، أن يتعاطوا معها برصانة وتدرج وواقعية. وقد انكبت الوزارة على هذا الملف الحيوي وشخصت مكامن قوته وضعفه، وهي بصدد تنزيل وأجرأة جملة من التدابير لضخ حيوية جديدة في مفاصل الصناعة الثقافية بوجه عام، ومن ضمنها طبعا قطاع النشر والكتاب، من خلال اعتماد صيغة عقلانية للدعم وتقوم على طلبات عروض مشاريع. وقد أعلن السيد محمد أمين الصبيحي وزير الثقافة في الندوة الصحافية التي عقدها للإعلان رسميا عن الدورة العشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب أن هذا القطاع الهام سيحظى بغلاف مالي قدره 10 ملايين درهم (من إجمالي 40 مليون درهم مخصصة لدعم المشاريع الثقافية والفنية في مجالات الكتاب والموسيقى والكوريغرافيا والمسرح والفنون التشكيلية)، والمجالات المستهدفة بالدعم في قطاع الكتاب والنشر هي: نشر الكتاب، نشر المجلات الثقافية، إطلاق وتحديث المجلات الثقافية الإلكترونية، المشاركة في معارض الكتاب الوطنية والدولية، مشاركة الكتاب المغاربة في إقامات المؤلفين، إحداث وتحديث وتنشيط مكتبات البيع، والقراءة العمومية والتحسيس بها. بالطبع هذه الرزنامة من وسائل الدعم هي جزء من مشروع أكبر، يضم المشروع الحالي، الذي حددت له أهداف في المدى القصير، بينما سيتم إطلاق المخطط الوطني للكتاب والقراءة العمومية خلال السنة، وهو العمل الذي ينطلق من وعي الوزارة بكون حل مشاكل القراءة يرتبط بمشروع مجتمعي فهوليس فقط منحصرا على الوزارة ليقترح عددا من الإجراءات التي تقوم على إشراك مختلف القطاعات الرسمية وغيرها والمعنية بالقطاع، وذلك في إطار تصور يحدد أهداف كل إجراء والإمكانيات والوسائل المطلوبة لتحقيقه والبرنامج الزمني وتكلفة تنفيذه.