في إطار فعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر، قدّم الناقد إبراهيم الخطيب، مساء الجمعة الماضي، رواية «بعيدا عن الضوضاء قريبا من السكات» للكاتب المغربى محمد برادة. وقد ركّز الخطيب في مداخلته على عنصر الاستمرارية على مستوى الكتابة الروائية عند محمد برادة. ويتجلى ذلك، أوّلا، في اختيار شخوص وعالم روائي تخييلي يمتح من التاريخ دون أن يكون شهادة مباشرة عليه. ومن ثمّ فإنّ رواية «بعيدا عن الضوضاء، قريبا من السكات»، وهي العبارة التي ترد، حسب الخطيب، مرّتين في النّص، كما يتجلى في قدرة برادة على التقاط الكثير متن التفاصيل الحياتية المضطربة وتحويلها إلى نماذج روائية دالة. فخلال الفترة الممتدة ما بين فترة الحماية الفرنسية ونصف قرن من الاستقلال، تبدلت السلوكيات والقيم، وامتزجت أسئلة الهوية والسيادة بالتطلع إلى مجتمع العدالة والتحرر، فيما احتدم الصراع بين سلطة المخزن الماضوية، وتيار الحداثة المعطوبة. الرواية تتناول أربع شخصيات من أجيال متباينة تستعيد مسارها، على خليفة أكثر من خمسين سنة مرت على استقلال المغرب. ومن ثم فهي رواية، يقول إبراهيم الخطيب، نتيجة تجربة عاشها الشاب «الراجى» العاطل عن العمل، والذى كلفه مؤرخ بتجميع عينات من آراء الناس حول مستقبل المغرب. أثناء قيامه بمهمة «مساعد مؤرخ» انجذب الراجى إلى كتابة رواية من خلال مسار ثلاث شخصيات: توفيق الصادقى المولود سنة 1931، والمحامى فالح الحمزاوى، والدكتورة نبيهة سمعان. كما أبرز الخطيب بعض المكونات اللافتة على مستوى الكتابة، كالسخرية والتهكم واعتماد لغة البوْح الذاتي. وأوضح برادة أن الرواية ليست تاريخية، رغم أنها تستعيد أكثر من خمسين سنة من تاريخ المغرب، بل هي ?رواية تستثمر التاريخ من أجل تقديم رؤية نقدية عن هذه المرحلة المهمة من تاريخ المغرب، التي تبدأ من استقلال المغرب إلى الآن، والتي عرفت تحولات رهيبة. ومن جهته شدد برادة على وجود فرق بين التاريخ العام، تاريخ الحوليات، والتاريخ الفصيلي الجزئي، والذي تساهم الرواية في كتابته عبر ملء ثقوبه. فبين التاريخ والتخيل، تبتدع الذاكرةُ شرفةً للتأمّل ومزجِ الكلام الحواريّ المبلوِر لوعي جديد، وعيٍ ينبت بعيدًا من الضوضاء، يسعفه السكاتُ على التقاطِ ما وراء البلاغة الجاهزة ويقوده إلى استشراف ربيعٍ في المخاض. وأشار إلى أن التأريخ ليس هدفا للرواية، وإنما البحث في تفاصيل الحياة واندفاعات المشاعر والنزوات، وملامسة أسئلة الوجود، حيث يكتسي صالون نبيهة سمعان، طبيبة الأمراض النفسية، رداء الاستعارة، لأنه يجمع عينات من كل الأجيال لتناقش مشكلات الحاضر، انطلاقا من تجلياته الراهنة.