قضية احتلال الملك العمومي ببلدية تولال أضحت «وباء» يستشري يوما بعد يوم أمام أنظار المسؤولين المتواطئين بصمتهم عن استفحالها ! الحقيقة أن المسؤولين لا يرخصون له ولكن يزكونه بلا مبالاتهم وبعدم تحملهم المسؤولية لتحريره بما يخوله لهم القانون كل من موقعه. فمن يا ترى يتحمل المسؤولية المباشرة و غير المباشرة في استشراء هذا الداء على مستوى بلدية تولال؟ وهل السلطة الوصية لها إرادة حقيقية لمحاربة هذه الظاهرة؟ هل يتوفر المجلس البلدي على خطة للقضاء أو التقليص من هذه الظاهرة بأقل الخسائر الممكنة، علما بأن الخسائر والأضرار في خط تصاعدي يوما بعد يوم؟ من الظاهر أنه لحد الساعة لا تتوفر أية بوادر تعبر عن رغبة حقيقية لتحرير شوارع وأزقة ودروب بلدية تولال. فعدم تنفيذ المساطر وإعمال القوانين لاعتبارات مصلحية وانتخابية في حق المخالفين، يعد من الأعطاب التي ترعرعت في ظلها هذه الظاهرة التي شوهت جمالية المعمار وطمست معالم الشوارع والأزقة، وعرقلت عملية التنمية محليا. فبلدية تولال بأكملها أضحت سوقا عشوائيا يأتيه الباعة الجائلون من الأحياء المجاورة (البرج المشقوق ودوار اجبالة...) لعلمهم بأن في بلدية تولال لا تؤدى الرسوم على البيع بالتجوال والفراشة(الصنك) ، وفي بلدية تولال لا أحد يزعجك من المسؤولين، كل هذا الصمت المطبق للهيآت المنتخبة وبقاء السلطات الوصية في موقف المتفرج إزاء ظواهر بشعة وتجاوزات أخرى متعددة، أهمها مسألة الاحتلال العشوائي لأرباب المقاهي للطوار، والتي تعتبر أكثر المظاهر التي تؤرق الساكنة، من الأعطاب السالفة الذكر. هل صعب على رئيس المجلس البلدي بصفته رئيس الشرطة الإدارية إرغام أصحاب المقاهي على الاكتفاء بالأماكن المخصصة لهم واحترام جزء من الطوار المخصص للراجلين؟ كيف يصعب عليه هذا، وهو الذي يخول له القانون منح الرخص وسحبها كلما اتضح له أن هناك خرقا للقانون وتطاولا على الملك الجماعي؟ لماذا يفرط المسؤولون في صلاحياتهم القانونية، ألهذه الدرجة تفوق قوة الباعة الجائلين وأرباب المقاهي قوة القانون؟ وهل مصلحة أرباب المقاهي فوق مصلحة الساكنة التي تقدر بالآلاف، علما بأن ظهير فاتح يوليوز 1914 ركز على خاصيتين مهمتين هما: كون الملك العمومي موضوع أساسا رهن تصرف العموم، وكونه غير قابل للتفويت ولا للتفريط فيه، كما أنه يعتبر الاستعمال الجماعي للملك العمومي هو الأصل، ذلك لأن طبيعة الملك العمومي لا تتوافق من الناحية المبدئية إلا مع وضعه رهن تصرف العموم وليس رهن تصرف فئة من الانتهازيين وسماسرة الانتخابات. لا ننكر أن في مناسبات قليلة، وتحت ضغط المجتمع المدني المحلي قامت السلطات الادارية والأمنية بحملات محتشمة ضد احتلال الملك العمومي على مستوى ساحة المسيرة، لما يسببه الباعة المقيمون عنوة (الفراشة - وعلى عينيك أبن عدي) من عرقلة للسير وإزعاج المصلين بالمسجد الفوقاني، بيد أن الوقائع أكدت بالملموس أن هذه الحملات ما هي إلا وسيلة لذر الرماد في عيون المحتجين والمتتبعين لتفشي ظاهرة الترامي على الملك العمومي داخل تراب البلدية. حيث كانت مكونات المجتمع المدني تتوقع أن تكون هناك مواكبة للحملة واستمرارية العملية التطهيرية، لكن هذا لم يحدث، ما جعل الباعة الجائلين يعودون من جديد وبقوة، ليفرضوا حالة حصار على ساحة المسيرة رغم قيام أشغال البناء بها. فاختلطت السويقة بورش البناء وبموقف سيارات الأجرة وموقف الحافلة العمومية في مشهد كارثي لا يمثل الجماعة الحضرية لتولال التي لا تحمل من «التمدن» إلا الإسم. فإلى متى سيترك المواطن التولالي في جحيم المعاناة اليومية؟ وكثيرة هي أشكال هذه المعاناة المرتبطة باحتلال الملك العام، نخص بالذكر لا الحصر السويقة العشوائية بشارع3، حيث يعاني القاطنون على امتداد هذا الشارع من سماع الكلام النابي والجارح ومن المشاجرات بين أصحاب الدور السكنية والباعة الجائلين الذين استولوا على واجهات وأبواب، هذه المنازل التي يجد مالكوها صعوبة للمرور نحو سكناهم، ناهيك عن استحالة ولوج سيارات الإسعاف والوقاية المدنية في مناسبات عدة، كذلك استحالة مرور المواكب الجنائزية في اتجاه المقبرة، وتشويه واجهات المنازل بربط الخيام البلاستيكية بشرفات ونوافذها عنوة، والضجيج الصادر من حناجر الباعة، والشجار اليومي والدموي على الأماكن بين الباعة، هذه المشاجرات التي تطورت في مناسبات عديدة إلى معارك استعملت فيها الهراوات والسكاكين روعت سكينة وأمن السكان الذين اضطر البعض منهم إلى الرحيل وتغيير محلات سكناهم جراء هذا الوضع المقلق. ناهيك عن كون العديد من الساكنة لم تعد قادرة على الخروج إلى الشارع (3) خاصة النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة بسبب وجود العشرات من عربات الباعة أمام منازلهم وفي الطرقات في منظر مقرف وسلوكات مستفزة، أضحت تشكل خطورة ليس على الكبار فقط بل حتى الصغار من أطفال المدارس الذين لم يعودوا قادرين على المشي فوق الطوار، مضطرين إلى استعمال طريق السيارات معرضين بذلك للخطر. دون أن ننسى اللوحات الإشهارية التي يتفنن أصحابها في اختيار الأماكن الإستراتيجية ضاربين عرض الحائط حق مستعملي الطوار. ألم يحن الوقت بعد لخوض حملة مستمرة ضد محتلي الملك العمومي بهذه البلدية وتفعيل المساطر الإدارية والقانونية دون انتقائية أو تمييز، ودون تخوف من فقدان بضع أصوات انتخابية غير مسؤولة، علما بأن الهاجس الإنتخابي من العوامل المؤثرة في هذه الظاهرة التي رهنت أزقة البلدية للباعة الذين يسمون جائلين في حين أنهم قارون بخيامهم البلاستيكية البشعة. فما الجدوى من وضع قوانين لا تفعل؟ ولماذا يدوس المسؤولون على منظومة القوانين المتعلقة بحماية الملك العام؟ إن قضية احتلال الملك العمومي ببلدية تولال التي عرفت اختناقا على مستوى المركز بساحة المسيرة الخضراء والشارع الرئيسي رقم 1 وشارع 3 ، أمر لم يعد من المقبول السكوت عليه، و «استعمار» الملك العمومي أمر خطير جدا، وتكمن خطورته في صعوبة تحريره التي يعيها المسؤولون جيدا، في حين مازالت الظاهرة تستفحل يوما بعد يوم دون أن يرف لهم جفن. ومن غير المقبول كذلك أن يترك بعض الباعة محلاتهم التجارية ويعرضون بضاعتهم في الشوارع والأزقة في تنافس محموم مع الباعة الجائلين المعفيين من الرسوم الجبائية في حين يكتوي أصحاب الدكاكين بها وبسومة الكراء ناهيك عن فواتير الماء والكهرباء، فالقطاع المهيكل أصبح مهددا بالإفلاس. هل لمرشحينا الذين يعتبرون نواب الساكنة، الجرأة لطرح هذه النقطة بشكل مستعجل في الدورة المقبلة لمجلس البلدية لوقف الوباء المستشري؟ وهل لهم حسن النية في قبول إدراجها في جدول الأعمال والإستجابة لهذا المطلب الذي يظل مطلبا لكل الساكنة الذين هم يمثلونها؟.