تتعدد وتتنوع حكاياتهم, تختلف أعمارهم, لكل واحد منهم قصته وحكايته, لكنهم يقتسمون أشياء كثيرة, يفترشون نفس الغطاء ويحتمون بنفس الجدران داخل المركز الاجتماعي لرعاية المسنين والعجزة بالمحمدية. وأنا أقف, زوال يوم الجمعة الماضي أمام بوابة المركز الاجتماعي الموجود في فضاء بجانب حي النسيم المطل على مقبرة المسلمين بالمحمدية, شعرت بقشعريرة وأنا ألج مدخل المركز تلبية لدعوة من جمعية شباب نهضة زناتة, وأحضر حفلا أقيم على شرف نزلاء المركز بمناسبة الاحتفال بعيد المولد النبوي, وككل مثل هذه المناسبة, بدا المشهد مفعما بدفء أسري جميل, نزيلات المركز ارتدين أبهى اللباس, والنزلاء من المسنين اختاروا أجمل الجلابيب, وفوق مائدة كبيرة رصفت الهدايا وبجانبها الحلويات والمشروبات. ولإضفاء جو من المرح في المكان, جلس أعضاء لفرقة موسيقية يعزفون مقطوعات جميلة, وفي الصالون جلس أعضاء الجمعية المنظمة ومدعمو المركز وصحفيون وفاعلون يتوسطون النزيلات والنزلاء.. يقول حسن زيريت أحد الفاعلين الجمعويين المدعمين لكثير من مثل هذه المبادرات : «بكل صدق, إنها من أجمل لحظات حياتي عندما أكون وسط هؤلاء الناس.. هم منا وإلينا, هم أمهاتنا وآباؤنا, ولا يمكن أبدا أن نتأخر عن زيارتهم ومشاطرتهم الاحتفاء بمثل هذا العيد.. بكل صدق, أجد كل الراحة النفسية وأنا أرى الابتسامة في وجوه هؤلاء الناس الطيبين الذي إن حكمت عليهم الظروف بالعزلة والبعد, فالله سبحانه سخرنا لتعويضهم حرمان الدفء الأسري, والله يوفقنا في ذلك, ودون أن أنسى, أوجه شكري الجزيل لكل الجمعيات التي تهتم بهذا المركز ونحن دائما رهن الإشارة في أي عمل خير» نفس الملاحظة ونفس العبارات جاءت على لسان العديد ممن حضروا يوم الجمعة الماضي إلى المركز الاجتماعي بالمحمدية, نفس السؤال يطرح: إلى متى سيظل المجتمع المدني ينوب عن الدولة في حماية حقوق هذه الفئة من المواطنين أي المسنين والعجزة؟ صحيح أن الدولة تقوم بإحداث مراكز لإيواء المسنين والعجزة, ولكن, هل هناك استمرارية في رعايتهم والتكفل بهم؟ هل تحظى مراكز رعاية المسنين في كل المدن المغربية باهتمام متواصل ومستمر من طرف مؤسسات الدولة؟ في زاوية من قاعة الحفل, جلست بمفردها توزع نظراتها من حين لآخر على المشهد, أنيقة بدت, بثياب جميلة, لكن مسحة حزن كانت بادية على محياها. قارب عمرها السبعين سنة, مظهرها أثار مجموعة من الأسئلة, من أين جاءت هذه السيدة؟ وما هي حكايتها؟ ليس مهما ما هو اسمها أو عنوانها, سابقا, فعنوانها حاليا معروف, فهي نزيلة بالمركز الاجتماعي لرعاية المسنين والعجزة بالمحمدية. يحكي أحد ممن عرفوا في الماضي, أنها عاشت وسط أسرة ميسورة قبل ستينيات القرن الماضي, وعندما أنهت تحصيلها الدراسي, التحقت بشركة سامير في بداية الستينيات, وكان أول شابة تشتغل سكرتيرة أو كاتبة خاصة في مكتب المدير العام للشركة. مرت سنون عديدة, لتجد نفسها وحيدة في فيلا واسعة بالمحمدية, ولمحاربة العزلة القاتلة, استضافت فتاة من قريباتها, اهتمت بها وبدراستها, ولما كبرت الفتاة, وتزوجت, ظلت صاحبة المكان في الفيلا, إلى أن تغيرت الأمور, وبفعل فاعل انتقلت ملكية الفيلا للفتاة, وليحكم على السيدة بالطرد لتجد نفسها عرضة للشارع ولا من مغيث ولا من حماية.. حاليا, تعيش في المركز وسط دفء باقي زميلاتها النزيلات, تعد الأيام وتنظر للماضي بنظرات الحزن والأسى. للإشارة, أحدث مركز رعاية المسنين بالمحمدية في شهر غشت من سنة 2011, ويروم المركز الرعاية الاجتماعية للأشخاص المسنين، التكفل بهذه الفئة من المستفيدين ممن لا يتوفرون على موارد ولا سكن قار ولا دعم عائلي، من خلال تمكينهم من الإيواء والإطعام والرعاية الصحية و العيش الكريم. ويشتغل المركز على إدماج المستفيدين وحمايتهم وتحسين ظروف حياتهم مع مصاحبتهم خلال مساعيهم للإدماج السوسيو اقتصادي. وشيد المركز على مساحة 1553 مترا مربعا، عشر غرف بطاقة إيوائية تبلغ 48 سرير (24 للرجال و24 للنساء)، وغرفتين للمرافقين ومقصف ومطبخ ومقتصدية وغرفتين للتبريد ومستودع للملابس وقاعة للصلاة وقاعتين للتلفزيون وحمامين وعيادة للتمريض وبهو للاستقبال ثلاث مكاتب وقاعة للاجتماعات وغرفتين للتنظيف ومرافق صحية. وبلغت تكلفة بناء المركز 6ر5 مليون درهم بتمويل من مؤسسة محمد الخامس للتضامن ودعم مالي من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ومنذ إحداثه, استفاذ المركز من دعم كبير لجمعيات المجتمع المدني بالمحمدية.