لم تكن حكاية نائب وكيل ميدلت، الذي أرغم مواطنا على تقبيل حذائه كصيغة لإذلاله، غير فصل من بين فصول عدة عاشها المغاربة مع بعض رجال السلطة بمختلف مكوناتها وألوانها، الذين يعتقدون أن مهامهم تتيح لهم كل شيء وأن رمزية رجل السلطة، المستمدة من رجل المخزن بكل حمولة هذه التسمية، هي أن يطاع وتسمع أوامره، التي يطلق عليها » التعليمات«، ليس فقط بين زملائه ومرؤوسيه، ولكن مع المواطنين أيضا. فبدل أن تقوم مسؤولية السلطة، على حفظ الحريات، وصيانة الحقوق، وأداء الواجبات، وإتاحة الظروف اللازمة لذلك على النحو الذي تقتضيه دولة الحق والقانون، ورعاية المصالح العمومية، والشؤون المحلية، من خلال مكاتب إدارية مفتوحة في وجه المواطنين، وملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والملائمة، لقد ظلت السلطة مرتبطة بما يصطلح عليه العنف المشروع، الذي يحدده » ماكس فيبر« في » القوة التي هي طريقة أو فرصة الفرد بأن يفرض إرادته على الآخر، وجعل هذه الإرادة تنتصر في قلب العلاقة الاجتماعية «، ويحدد السيطرة بأنها فرصة مصادفة أشخاص مستعدين للخضوع والطاعة. في هذا الخاص استحضار لحكاية رجل أمن، موظف بالدائرة الأمنية الثانية الأطلس، ترك خلف ما يفرضه القانون، وراح يمارس شططه، ويعتدي على محمد بهى، الناشط الحقوقي، عضو جمعية مبادرات لحماية حقوق الإنسان، ومسير مجموعة "سيداو وحقوق النساء بالمغرب"، بالعنف اللفضي بالسب والشتم والكلام النابي واستعمال الأيدي وإجبار المعتدى عليه بعدم مغادرة البهو مهدده بالضرب إذا لم يلتزم هذا الأخير البقاء في الركن المجاور لمكتب الرئيس. وتعود تفاصيل الاعتداء، حسب مضامين الشكاية المرفوعة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس، إلى صباح يوم الجمعة 27 دجنبر 2013، عندما قصد الحقوقي رفقة ابنته رحمة إلى الدائرة الثانية للأمن الوطني بزنقة الحسن الدخيسي بمنطقة الأطلس بفاس، من الحصول على شهادة السكنى لفائدة ابنته المزدادة بتاريخ 13 غشت 1995، حيث كان المكتب المكلف بتسليم هذا النوع من الوثائق فارغا، مما جعل المشتكي توجه إلى مكتب مجاور والاستفسار عن الموظف أو الموظفة المسؤولة على هذا القسم، وهل يتعين عليه الانتظار أم العودة لاحقا، ليفاجأ بشخص بزي مدني يأمره بالخروج والانتظار بالبهو وهو يلاحقه ويصرخ في وجهه، ثم استشاط المشتكى به غضبا وصولا إلى الاعتداء عليه باستعمال يده ودفعه لمرات عديدة جهة الحائط مهدده بالضرب، دون أن يكون صدر عن محمد بهى ما يبرر ذلك الأمر، وتمادى رجل أمن في إذلاله وأجبر المشتكي بعدم مغادرة البهو وحجزه دون سند قانوني بالركن المجاور لمكتب رئيس الدائرة، حيث غير الحقائق واتهم الحقوقي بإثارة الفوضى بالإدارة متجاهلا بأن المتظلم يحمل تسجيلا بالصوت والصورة يفند ادعاءات رجل أمن وتؤكد موضوع الشكاية. خوفا من أي تسجيل بما وقع من اعتداء على محمد بهى، دفع أحد رجال الأمن بنفس الدائرة الأمنية، إلى استدراج بنت المشتكي إلى إحدى المكاتب لانتزاع الهاتف منها الذي ناوله أبوها إياه قبل أن يدخل إلى مكتب الرئيس، حيث تعرضت بدورها للإهانة والاعتداء بالسب وتهديدها بالضرب ومخاطبتها بعبارات نابية وساقطة (....)، كما جاء مضمون الشكاية، التي أكدها محمد بهى في تصريح للجريدة. وقد حاول رئيس الدائرة الأمنية إبرام صلح بين الأطراف وصولا إلى تقبيل وجه المشتكي أكثر من مرة، بعدما تعرفت رحمة بهى الشخص الذي اعتدى عليها بالتهديد والشتم، وواجهته وهي تبكي بالتهم المنسوب إليه، إلا أن المعني بالأمر تشبث بمقاضاة المتهمين بتعنيفه وتعنيف ابنته، حماية من أي شطط في استعمال السلطة أو الاعتداء أو الإساءة والإهانة بواسطة العنف والتهديد. هكذا، ارتبطت السلطات الأمنية في ذهن الكثيرين بالقمع والشطط خصوصا خلال ما سمي بسنوات الرصاص، وتحديدا على عهد إدريس البصري، وكثيرا ما ظلت أساليب الشطط طي الكتمان، قبل أن تفضحها اليوم شكايات المواطنين، بدعم من المجتمع الحقوقي.