من يكون هذا النكرة؟ وأين كان قبل اليوم؟ ومن أيقظه من نومته الطويلة والمزمنة، من بَيَاتِه الممتد؟ من أخرجه من ظلمات الكهف، وصدأ الأسلاك التي تلتف به، ويلتف بها؟. لاشك أن هناك من نخسه، ومن حركه، ومن أومأ إليه أن يقول ما قاله، بعد أن حَبَّرَ له عَفَنَهُ، وأطلق صوته المنكر في المواقع الإلكترونية، والشبكة الاجتماعية؟ وإذا كان الخروج من عندياته، ألا يخجل من جريرته، ومما فاه به، وتفوه، وهو المتثائب دوما في حق شرفاء أفذاذ، يفخر بهم الوطن، ويتيه من زعماء سياسيين، ومفكرين مستنيرين، ونشطاء حقوقيين، وديمقراطيين أفنوا الغالي والرخيص من أجل أن يكون هذا النكرة، وأن يجد الهواء الطلق، والفضاء الوسيع، والحرية الجذلى، ليتكلم بالسوء والقذارة، ويرمي ثلة خَيِّرَة، وزُمرة رفيعة، بما رماها به من هراء، وسباب، وشتائم تَنْضَحُ غِلاًّ أسود، وحقدا بلا ضفاف، وتعالما صفيقا يفضح جهالة جهلاء، وتكالبا قمينا بالمفترسين، والجوارح والعقبان، وحقيقا بمن لاَ حَظَّ له من التقدم والتحرر، والانتماء للعصر والزمن الحالي. إذ ينبغي أن نذكر هذا الشيخ الذي تأكل اللحية وجهه، وبعضا من بشريته، بأننا نعيش القرن الحادي والعشرين وقد جُزْنَا العقد الأول من الألفية الثالثة. ما يعني أنه خارج منطق التحولات، وقانون التقدم، وحركية التاريخ، ومنظومة التبدلات والقطائع والحتميات. فماذا طرح الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي حتى يكون ما طرحه مدعاة لخروج «أبو النعيم» من جحره؟ أليس ما قيل في مؤتمر سياسي تنظيمي لمناضلات اتحاديات شريفات، جمعهن النضال، وأنطقهن - وهن المسؤولات تنظيميا وتأطيريا- غيرتهن على وطن يروم بعضهم - ومنهم الملتحي الفكرة- جَرَّهُ من أَرْدَانِهِ إلى الوراء، وشده من تلابيبه إلى الخلف، إلى زمن الحِجْر والوصاية، زمن الظلام والقهر، وتكميم الأفواه، وتحقير المرأة باعتبارها، -في عَمَاهُم- مخلوقا دونيا، ناقصا في حاجة إلى من يكمله، ويرفع عنه هذا النقص، وهي التي خلقت من ضلع أعوج، إلى آخر الخزعبلات والترهات، والنظرات البائسة المتحجرة. اجتمعت النساء الاتحاديات في محفل ديمقراطي كبير وبهيج، ليقلن كلمتهن في الديمقراطية، والحرية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية في ظل استيحاء، وإعمال قوانين وأدبيات المواثيق الدولية التي تعلو وتسمو على المواثيق الوطنية، وعلى الخصوصية المفترى عليها، التي يثيرها خصوم النساء، وخصوم الديمقراطية على نحو يسمح لهم بتمرير قوانين تشريعية معلبة يغالبون بها الحقوق الإنسانية المشتركة كونيا. فهل اجتماع هؤلاء النسوة اللاّتي نعتز بهن، وفيهن الأخت والبنت والأم، والصديقة، العاملة، والموظفة، والمبدعة، والمفكرة، و الحقوقية، والمسؤولة في مواقع اجتماعية وسياسية مختلفة، هل اجتمعن من أجل تزجية الأيام في التفاهة والبذاءة والسفالة ما جعل النكرة المتحجر، يرميهن بالبغي؟ وهل كلمة الكاتب العام التي نبشت - خَطْفًا- في الإرث، ومنع تعدد الزوجات، وتجريم زواج القاصرات، توصف بالمروق، وتنعت بالكفر، والردة، وغيرها من ساقط الكلام، الكلام اللامسؤول، النابع من الكراهية الفائضة، والحقد الذي تَجَاوزَ كل حد. والحال أن نبش قضية الإرث والإجهاض، ليست وليدة اليوم، ولم تكن لحظة سائبة تمخض عنها المؤتمر النسائي الاتحادي، بل هي قضية تطرح بين الفينة والأخرى، وَفْق «بندول» الساعة، وعقارب التطور المجتمعي، وَتَبْعًا للمستجدات، وتطور الوعي العام لدى النساء كما لدى الرجال، إذ أصبحت مشاكل الحال، ونظام العمل، وأشراط الشغل، وبناء الأسر ونَنَويَتُها، وتنامي الحاجيات الإنسانية الملحة من ضروريات وكماليات، عوامل مشجعة وضاغطة من أجل فتح ملفات وقضايا حتى ولو كانت مقمطة ومغلفة بقماط ودثار المقدس، ووردت فيها آيات قرآنية قطعية الثبوت والدلالة في الأحكام، بما لا يترك مجالا للخوض أو الاستئناف، وإعمال الفكر والتمحيص. مع ذلك، فليس مروقا ولا خروجا عن جادة الدين، الخوض في مثل هذه القضايا، ولنا في الصحابة وعلماء النور عبرة، ودرس وذكرى. إذ غَلَّبُوا - ضمن سياقات معدودات- العقل على النقل والمصلحة على النص، وانتصروا للسياقات الاجتماعية، وواقع الحال ضدا على آيات حكمها قطعي بما لا يقاس. أما تعدد الزوجات، فوجب إيقافه، ومنعه، وعدم إثارته حتى، لِما فيه - باختصار- أذى وإذاية للمرأة، واستباحة لشخصها، وكينونتها، وإنسانيتها. فكل دعوة إلى تعديد الزواج، سباحة ضد التيار، وخروج حقيقي على الكرامة الآدمية، وتهشيم صريح للمودة والمحبة والوفاء والإخلاص للمرأة. التعدد - تاريخيا- كان لأسباب سياسية، واجتماعية، وحربية، وديموغرافية، فالغزوات والحروب، و»الفتوحات» الإسلامية، استوجبت التكثير، والتعديد لتوسيع الإمبراطورية الإسلامية عدديا ورقميا. جاء في الأثر: (تناكحوا تناسلوا، فإنني أباهي بكم الأمم يوم القيامة). فهل من داع للتعدد الآن؟ ما نفع التعدد، والتكثير الآدمي، والتنسيل الإسلامي لإغراق الكون؟ ما نفعه، ونحن ما نحن فيه من تخلف، وتقهقر، وشرود، وذهول عن مسير، ومنجز البشرية في آسيا، وأوروبا، وأمريكا؟. وكان الذكر الحكيم واضحا وصريحا في تبيان عدم قدرة الرجل على العدل بين «نسائه». ما أثقل هذا الجمع: (نسائه) ! كأنه الفحل ابن الفحل، وسط قطيع من نعاج تثغو، وتطلب النُزُّوَ وَالمُوَاقعة!. قال الحق سبحانه : (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة..)، منطوق الآية صريح، لكن بعض «الشبقيين» يريد، بكل ما أوتي من تعالم، وشقشقة لفظية خاوية وطنانة، أن يلوي المعنى، ويتأوله بما يخدمه ذاهبا به إلى ما يريح شبقيته، وشهوانيته. فهذا الرجل الذي يُدْعى : (أبا النعيم)، والرهط الذي شايعه ويشايعه، عن جهالة وتعالم فقهي صفيق، ومتهافت، لا يمكن أن يرتفع / يرتفعوا إلى مستوى الشرفاء الذين «سلقهم» بلسانه المريض، ونفسه الأمارة بالسوء، وطويته الكارهة للآخر المخالف وللفكر الحر القوي بالحجة العلمية . فكيف سَوَّلَتْ له نفسه هذه، ذكر الشهيد المهدي بن بركة (فهذا القائد التاريخي الفذ يتعرض منذ فترة للنبش، والتكفير، والتشكيك في فذاذته واستثنائيته، وكأن في الأمر أمرا، كأن يدا آثمة تخطط في الظلام، وتضع على أفواه البعض ما يقولونه في شخصه رحمة الله عليه)، وذكر المفكر الكبير المرحوم محمد عابد الجابري الذي لم يبخل بعلمه وثاقب نظره وفكره في الإعلاء من شأن الفكر الإسلامي، وإماطة اللثام عن وجهه المشرق والعقلاني. وذكر المفكر والمؤرخ الألمعي عبد الله العروي مفخرة البلاد، ومفخرة العلم والفكر المستنير، وادريس لشكر المناضل الحقوقي، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، وأحمد عصيد الناشط الحقوقي، والباحث اللغوي والاجتماعي والسياسي. هي نعوت ظلامية، وتوصيفات تكفيرية توصل إلى الردة، والفتنة، وخلخلة الأمن العام، وتحاول - يائسة- لجم المسير، وفرملة التغيير، وكبح التطور، والتقدم، وإيقاف عجلة الحرية، والديمقراطية، وتأليب البسطاء والسُّذج، وضعاف النفوس، على الكبار، على الديمقراطيين، والمناضلين، والديمقراطيات والمناضلات، للنيل منهم، ولم لا المس بسلامتهم الجسدية، وسلامة ذريتهم. ومن ثم، فمسؤولية ما يجري، وما يحدث، وما نقرأ، وما يَتْرى، من محاولات لِلْفَتِّ في العضد الديمقراطي، وتنكيس لراية الأمل، والغد المبتغى، وجرنا إلى أزمنة وَلَّتْ، لازالت أوهام استرجاعها وإنباتها تُعشش في عقول مُصْمَتة، وأدمغة مبرمجة، مسؤولية ما يجري هي من مسؤولية الدولة. فهي المسؤولة عن إيقافه، وتقديم أصحابه إلى العدالة لتقول كلمتها فيهم، إذ لا يعقل أن يسير المغرب وَرَاء وأمامًا لما في ذلك من ضياع، وهدر للزمن والتاريخ، والمضي قُدُمًا نحو غد العلم، والمعرفة، والديمقراطية، والحداثة، والانخراط في أسئلة العصر. لقد عَوَّلْنا، وشمرنا - منذ أمد- على المضي إلى أمام، إلى ما يرفعنا، ويعلي من شأننا، ويحثنا على التكافل الخدماتي الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي في إطار من المواطنة، والحرية، والمحبة، والحوار، واحترام الرأي ، والحق المبدئي في الاختلاف . من هنا، بات من الضروري، واللازم اللازب، الإسراع في تكوين جبهة ديمقراطية حداثية تضم كل الديمقراطين/ ات، والوطنيين/ ات الشرفاء، وكل أطياف المجتمع التي تحمل هم التغيير، والتجديد، والتحديث، صَوْنًا وحماية للمكاسب التي تحققت، وَنَنْعَمُ بنواتجها بفضل نضالات رجالاتنا، ونسائنا المتنورين، ودفاعا عن قيم الحرية والعدالة، والحق والجمال.