يقول ابن تيمية في الحكمة من قتل المرتد : "... فإنه لو لم يُقْتَلْ، لكان الداخل في الدين يَخْرُج منه. فقَتْلهُ حِفْظٌ لأهل الدين، وللدين، فإن ذلك يمنع من النقص، ويمنعهم من الخروج عنه" [مجموع الفتاوى]. لَمْ أتَفَاجَأْ لحظة واحدة مما أصدره المجلس العلمي الأعلى، مؤخرا، من أحكام شرعية تحت جبة فتاوى فقهية، بخصوص جملة من القضايا الإنسانية المرتبطة بالحريات الشخصية، والمدنية، والاجتماعية، والحقوقية.. كما لم أشعر بالإحباط أيضا، من منطلق أنني أعرف أن مثل هذه المؤسسات الدينية –ولو وُصِفَتْ بالمجلس العلمي الأعلى، وَدُسْتِرَتْ، تقع خارج التحولات والتغيرات، بعيدا عن شؤون وشجون الناس اليومية، تلك التي تَمَسُّهُمْ في صميم معاشهم، لاَ مَنَازِعِهْم و"ميتافيزيقهم" هذا إن كانت لهم ميتافيزيقا أصلا. وتقع بعيدا عما يعتمل في أحشاء اليومي، من ضروريات وحاجيات، و"كماليات"، وما يَطُولُ الإنسان في فرديته وذريته، واجتماعه. لكنني، أريد أن أسجل –منذ البدء- اندهاشي من الإزدواجية الغريبة التي نعيش في الوطن، فنحن كدولة نعلن انحيازنا في خطبنا الرسمية، من دون مداورة، إلى الحداثة والديمقراطية، في الوقت الذي تعلن فيه مؤسسة دينية دستورية، انحيازها السافر إلى القدامة والتقليدانية، والانتكاس، والإرتكاس، والظلام. فإذا كانت إمارة المؤمنين في رؤيتها، وسياستها، ومسلكيتها، وخطابها الديني، تفصح عن مسايرة للعصر بما يعني من تقدم، وثقافة حديثة، وفكر تحديثي، وسلوك حضاري بالمعني الأنتربولوجي العام، علاوة على كونها القَيِّمَ على شؤون الدين، وقضايا المسلمين، والمواطنين المغاربة بعامة، فكيف تنفلت فتاوي من مؤسسة تابعة، فتاوى منقوعة في مهيمنات الظلام، مشدودات إلى اشتراطات إيديولوجية وثقافية نبتت في زمنية ومحطات تاريخية معينة، اتَّسَمَتْ بالمحافظة والتقليد، والانكماش، والإنكفاء، والصراع الدموي على الشهوات، وملذات الدنيا، واتسمت بالقمع، والإقصاء والقتل؟ من هنا .. من هذه الإزدواجية غير المفهومة، تنبع الدهشة، وينبثق العجب والاستغراب. ولماذا هذا التوقيت بالذات؟ في سياق زمكاني يغلي بتصفية الحساب مع عقود من الفساد والاستبداد، وينزع نحو إرساء العدالة الاجتماعية، وإطلاق الحريات من إسارها : حرية التفكير والتعبير، والاعتقاد، والاختيار.. حرية أن تكون أو لا تكون. لماذا اختار المجلس العلمي هذه اللحظة الجياشة بالآمال، الحبلى بالدعوات إلى إقرار حقوق الإنسان كاملة غير منقوصة، وحق المرأة في المساواة التامة، والحق في الديمقراطية بما يفيد المواطنة والتمدين، وتغييب الفوارق الاجتماعية، وشرعنة المحبة الإنسانية لتينع الهوية المغربية، مُزْهِرَةً وَمَزْهُوَّةً بمكوناتها اللغوية، والثقافية المختلفة الغنية؟ قد يُفَسَّرُ الأمر بالخوف من زحف الحقوق، واحتلالها المكانة المطلوبة في نفوس الشرائح والفئات الاجتماعية، والإرتباك من تنامي الوعي الفردي بالوجود الكينوني، والإنوجاد في عالم يصغر، ويتضاءل، ويجعل الإنسان على بينة من تقدم دول أعلت من شأن آدمية الإنسان، ودول نالت منها، فَدَجَنَّت الفرد، وألحقته بمؤسساتها البالية، يردد ما تواطأت عليه القرون، وما تداولته المتون الصفراء، والمظان المتآكلة المترهلة. كان الخروج بمثل هذه الفتاوي التي تُشَرِعُ التقتيل، وتحرض على الموت، ضدا على ناموس الحياة، وغصبا للحرية الإنسانية، ومصادرة على حق المرء في الاختيار.. في أن يكون هنا أو هناك، يتكيء يسارا أو يتكيء يمينا، أو يقف كلقلاق –في المابين، كان الخروج بمثابة نعيب في وقت تغرد فيه الطيور. وهي الفتاوى التي تعيدنا إلى زمن الحروب، حيث التقتيل، وتناقص عدد الرجال ما يدعو إلى تعديد النساء في الزواج، والدعوة مجددا- إلى الحق في الأربعة، ضاربة عرض الحائط، بالمدونات الأسرية، وسلسلة من الاجتهادات والشد والجذب، والمسيرات، والخلوص –كما هو معلوم- إلى إحقاق الحق المدني أي : الانحياز إلى المرأة بما هي إنسان كامل لا حَقَّ لأحد في أن يَحْجر عليه، على رغم بقاء أشياء كثيرة تتعلق بكينونة المرأة، في الظل والعتمة. لقد ظل العقل الإسلامي مضطهدا، معتقلا، مزندقا، مرجوما. ولو أتيح للمعتزلة، والعلماء العقلانيين أن يربحوا المعركة، ويسودوا فكريا، ومعرفيا، وثقافيا منذ المأمون العباسي – الخليفة المتنور، لكان شأن الأمة الإسلامية غير شأنها اليوم. لكان شأنها في العَيُّوقِ بتعبير الجاحظ، أي في الذروة بين الشعوب، وفي مقدمة الأمم والملل والنحل. لكن أراد التقليد غير هذا، وأرادت السُّنَّة والجماعة تأبيد المؤسسة-الدينية، التي وصمتها بالمؤسسة-الإله، بدعم –طبعا- من خلفاء الدم والشبق عبر العصور. إذ أن الفقهاء المأجورين الذين أصبحوا سلطة قاهرة تستمد قوتها من النص المقدس، لَوَوْاْ منطوق الآيات، وتلاعبوا في البسط والتفسير، وَتَأَوَّلُوا، وأغرقوا في التأويل خدمة للسياسي، والإيديولوجي، خدمة للسيف، وقهرا للحرية والرأي والفكر الطليق، بل إن بعضهم ممن اقْتُطِعَ لهم من دونمات عريضة من الأراضي، والإقطاعات والضيعات، والخيول المُسَوَّمة والأنعام، كتبوا الأحاديث ونسبوها إلى النبي الكريم، في مسعى صفيق لتشغيل "ماكينة" الإقصاء والقتل، وفرض واحدية الرأي، وطاعة الخليفة المطلقة التي هي من طاعة الله !! إذًا، لهذا الترهيب، والتخويف، والترويع، تاريخ مسطور، ومتواتر، وموتور، في امتشاق السيف، وتهديد كل ذي ضمير حي متحرك، حر، يُغَلِبُ العقل على السمع والنص، تهديده بالويل والثبور، والقتل خدمة لمآرب سياسية تصفوية حتى يخلو الجو للمؤسسة الحاكمة الطاغية، وتنتشي وهي مسربلة بالنصوص المقدسة، تُلَوِّحُ بها متى شاءت، وكيف شاءت، وَأَنَّى شاءت، مُعَوَّلَةً على السذاجة العامة، والفقر الوبيل، والأمية المتفشية السرطانية، والإيمان الفطري، ومُمَاهَاة هذا السواد من الأمة، الذي يسميه الفقهاء ب: (الدَّهْماء والبَهْماء)، المؤسسة إياها بالسماء، بالفوق، بالخالق تستمد منه الإلهام والوعظ والإرشاد، والدعوة إلى السبيل الأقوم ضدا على "الكفرة" "الزنادقة"، أبناء الأفاعي، وممثلي الصهيونية العالمية، و"الماسونية" الكونية المُنْدَسَّة. قد نجد الأعذار لفتوى إقامة الحد على مبدل دينه في تلك الأعصر الغابرات أيام كان الإسلام يبحث له عن الصدارة بين الديانات "السماوية" السائدة كاليهودية والمسيحية، وأيام أَنْ عَجَّتْ مدائن الإسلام المفتوحة بأعراق، وأقليات، وملل أخرى، خيف منها على مصير الإسلام، إذا ما تم الإرتداد عن دينه، وفطرته السمحة. علما أننا نقولها بصوت عَالٍ: لا للقتل، لا لغصْب الحياة كيفما كانت الدواعي، ومهما كانت العلل والأسباب والمعلولات. فالإنسان أعلى من الإيمان، و الحياة مقدسة بما لا يقاس، والحفاظ على استمرارية الجنس الآدمي في الكون، كان ولا يزال رهان الديانات السمحة والفكر المتمدن الحضاري، والثقافة الديمقراطية الإنسانية. لكن، بأي معنى، نفهم فتوى المجلس العلمي الأعلى، وهو مؤسسة؟ ألم يفكر المجلس في خطورة فتواه ودعواه، التي عملت على سفك الدم.. دم الإنسان رمزيا ومعنويا ما دامت الفتوى قد أطلقت؟ وهل استشار – قبل أن يقدم على فعلته – أطرافا أعلى؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فالأمر أدهى وَأَمَرُّ، والمسؤولية أجسم وأعتى؟ إن فتوى القتل، وهدر الدم، وخطف الروح، واغتصاب الحياة؟ ليست لَعْبَةً تُلْعَبُ، وَأُلْهِيَّةً يُمَرَّرُ بها الوقت، وَفَزَّاعةً فارغة تنشر الذعر عبثا؟ إنها جِدُّ وكل الجد على أساس ارتباطها بالدين الذي هو الإسلام، ما يعني أن أي مُتَلَقِّف للفتوى من "الرعاع" سينفذها على التو، ويصفي حسابه مع من يعتقد فيه المروق، وقلة الإيمان، وعدم تأدية العبادات، و"قضاء" الدين؟ لم تكن نُعْطي الأمر أكثر من حجمه عندما كان السلفيون الاستئصاليون، ينتصرون في نواديهم ومجالسهم ودعاواهم في الإعلام – لإقامة الحد على مبدل دينه انطلاقا من حديث مطعون في حجته وصدقيته، ونسبه إلى الرسول الكريم، وهو الذي تواتر عن ابن عباس : "من بدل دينه فاقتلوه"، وكذا ما رواه ابن مسعود عن النبي: "لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث : "الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". لكننا –الآن- نقدر الأمر حق قدره، معبرين عن خوفنا على أنفسنا من النبش في أمورنا الخاصة، وطبيعة فكرنا وعقلنا وإيماننا، والتفتيش عن صدقنا وإسلامنا من عدمه؟ نقدر الأمر حق قدره، ذلك أن الفتوى بالقتل خرجت كاشفة مكشوفة- من مؤسسة، لا من فرد، ولا أفراد، وهذا يتطلب الحسم في تداعيات هذه الفتاوى الخطيرة، على مستوى إصدار قرار أعلى، يُلْجِمُ الفتوى، ويعتبر الأمر انفلاتا من عقال، وخروج عن السوية والمضمار؟ ولحظة شرود ليس إِلاَّ. فهذه الفتوى تتعارض بالمطلق مع المواثيق الدولية، والمعاهدات الكونية ذات الصلة بالحريات، والحقوق الإنسانية المختلفة، وتتماهى بالمنزع الوَهَّابي الديني المتخلف، والانغلاق الفكري، والتعصب المذهبي، والخروج على منطق وإيقاع العصر والتحديث. فأين "الإتجاه المقاصدي في التشريع الذي ينزع إلى تحرير المبحث الفقهي من أسر الأطر المغلقة للثقافة التقليدية من جهة، وإتاحة المجال أمام الاجتهاد، وإعمال العقل والانفتاح على مكتسبات الفكر الإنساني"؟ أليس تأصيل الشيء، وليكن هنا حكم المرتد، واعتباره نافذا لا رجعة فيه، لا يمكن أن ينبني على شق تشريعي فقط – وهو هنا : "السنة" بغض النظر عن حقيقة الحديث من عدمها وصنعته؟ بل وجب أن تتعاضد الأصول الثلاثة – فيما نقدر- وهي: الكتاب والسنة والإجماع. فأما الكتاب، وهو الأصل والمصدر والمنبع، فلم يشر إلى إقامة الحد على مبدل الدين، قصارى ما ذهب إليه : إرجاء العقاب إلى يوم القيامة فضلا عن أو الأمر يتعلق، بالمنافق والنفاق. وكذلك الإجماع، فهناك خُلْفٌ وتخالف، وسكوت، ما لم نَسْتَثْنِ أعداء الاجتهاد والتجديد الدينيين- حتى في القرون السالفات، وعلى رأسهم ابن تيمية". إن الأمر فيه اسْتِرَابَةٌ، وتشكيك، واضطراب. وما قول "الإمام مسلم" في راوية- صانع الحديث : " الأوزاعي"، والطعن في تقواه، إلا تأكيد على بطلان، وخلو الحكم من أركان الدعم والقوة، والحجة والتنفيذ. ومع ذلك، لا نمل من القول : بئس الفتوى التي تَحُضُّ على القتل، وإراقة الدم. فكيف يُشْرَعْنُ القتل هكذا –بهدوء- كأننا نُمَصْمِصُ "آيْسْ كْريمْ"، بالتذاذ وشرود؟ والحال أن الإسلام دين يُسْرٍ وعلم وعقل ورحمة وتدبر؟ كيف يُسْتَبَاحُ دم رجل أو امرأة لأنه/لأنها لم تقتنع بدين معين، وليكن الإسلام؟ أليس في الأمر عدوان على الحرية الشخصية، وانتهاك للحق في التعبير والتفكير والاختيار، وهجمة شرسة على حياة الإنسان؟. وهل خروج إنسان ما عن دينه، وعدم إيلائه الاهتمام، أو إعلان "لاَ أَدْرِيته"، ولا تَدَيُّنه مطلقا، مدعاة إلى قتله من حيث هو خطر مَاحِقٌ على المجتمع والإنسانية وعلى الأمن والسلم العامين، وإخلال بنظام الكون، واضطراب فلكي، وزعزعة للمجرات والكواكب؟!!. وكيف يتضرر الإسلام بهكذا موقف أو سلوك أو خروج؟ هل الإسلام بهذه الهشاشة والرخاوة، هل بالإنقاص من عدد المسلمين في العالم الذي يربو على المليار؟ ففي نظر ابن تيمية –كما سجلنا في عتبة المقالة- نعم، إن قتل المرتد يمنع من النقص العددي؟ يا سَلاَمْ ! على بَرْهَنة رياضية وعِلْمٍ مكين !! ولماذا يفرح الفقهاء والعلماء و"الرعاع" وهم يسمعون عن دخول "نصارى" و"مجوس" في دين الإسلام؟ هل لأن الإسلام آخر الديانات؟ ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين؟ أليس في الأمر تطاوس وغطرسة، وتفاخر بالإسلام من حيث هو دين كوني يَجُبُّ اليهودية، والمسيحية بِمَا هُمَا رسالتان توحيديتان عَرَفَتا –في نظر المسلمين- التحريف والتزييف، والتعديل والتبديل. عرفتا التبديع، وَدَاخَلَتْهُمَا الأساطير والخرافات؟ لماذا نقول هذا عن ديانات الآخرين، ونبريء ديننا من ذلك؟ هل يُعَدُّ قوله سُبحانه : "إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، كافيا ليزرع الطمأنينة في أنفسنا، ويملأنا بثلج اليقين؟ وما السبيل لشطب مواقف تاريخية شككت في الجمع والتدوين، وفي صنيع عثمان بن عفان عند جمعه المصحف، من انتخاب وتنخيل وإحراق وغيرها؟ وماذا عن ترتيب السور والآيات، والتنقيط والشكل؟ والناسخ والمنسوخ؟ وما نسخ حكمه وبقي خطه؟ وما نسخ خطه وبقي حكمه؟ والمنسوخ حكما وخطا؟ وسقوط آيات من سورة الأحزاب؟ ومن سورة "براءة"؟ وآية الرجم..؟ الخ. "أمامنا، كتب موثقة، أصحابها شيوخ معتبرون ومحترمون في الثقافة الإسلامية، مثل السيوطي، والزركشي، والنيسابوري وغيرهم، يوردون أحاديث عن صحابة لهم وزنهم في الفكر الإسلامي مثل عائشة زوجة الرسول الكريم، وابن عمر، وَأُبَيَّ بن كعب وغيرهم، يُقِرُّونَ حقيقة ترددها كتب التراث المعروفة، والموثقة في التراث الإسلامي، بأن آيات قرآنية سقطت بعد وفاة الرسول، وبالضبط بعد أن جمع عثمان القرآن. ولم نسمع أن أحدًا كَفَّرَ أصحابها، وأتَّهَمَهُمْ بالزندقة، والكفر، والخروج عن الدين، على كتابة هذه النصوص، ولم نسمع أن مرجعا دينيا مسؤولا، طلب بشطب هذه الأقوال، ومنع طبعها". بينما عرف زمننا الرديء في القرن العشرين، وفي أثناء هذا القرن الذي نحن فيه، إجهازا على حق مفكري الإسلام المتنورين في الصَّدْع بآرائهم ومواقفهم، سعيا منهم إلى التقدم، والخروج من شرنقة التخلف، ونشدانا لموطء قدم نظيف تحت شمس ساطعة. ولعل في إيراد من تعرض للمحنة والقتل والنفي، أكثر من أن تجمعه هذه المقالة المحدودة، غير أننا نشير خَطْفًا إلى بعض مِنْ سادة الفكر الإسلامي الحر، وأصحاب العقل المتنور، وهم: علي عبد الرزاق، جُرِّدَ من شهادته الأزهرية نتيجة كتابه (الإسلام وأصول الحكم). طه حسين، أحرق كتابه "في الشعر الجاهلي" وفُصِلَ من الجامعة. مقتل المفكر الإيراني أحمد كسراوي –إعدام محمود محمد طه السوداني على يد جعفر النميري وعصابته. مقتل حسين مروة و مهدي عامل في لبنان من قبل حركة إسلامية متطرفة – اغتيال فرج فودة بناء على فتوى صدرت عن لجنة علماء الأزهر. طعن نجيب محفوظ بعد مقولة عمر عبد الرحمن: "لو نفذ قتل نجيب محفوظ في "أولاد حارتنا" لَتَأَدَّبَ سَلْمَانْ رشدي". المطالبة بسجن الأديبتين الكويتيين ليلى العثمان وعالية شعيب، مِنْ قِبَلِ إسلاميين أصوليين. تفريق نصر حامد أبو زيد عن زوجته، وهربه إلى هولندا-. رفع دعوى قضائية ضد المخرج يوسف شاهين، والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، لنيلهما من الإسلام في تقدير السلفيين المصريين. تهديد التونسي العفيف الأخضر بالقتل، وكذا مواطنه محمد الطالب، ومواطنته الباحثة رجاء بن سلامة. إقامة دعوى التفريق بين الكاتية نوال السعداوي وزوجها شريف حتاته. وفي يوليوز 2005، انْسَحَبَ سيّد القُمْنِي، وامتنع عن الكتابة بعد أن تلقى تهديدا جديا بالقتل".. هذا قليل قليل من كثير.. كثير. فأية شريعة غابوية هذه؟ وأي دغل جاهلي يحف بنا، و"يظللنا" إلى حين؟ فهل بقتل ونفي، وطرد، وتخويف هؤلاء وغيرهم، نعيد للإسلام بريقه وإشراقه، وكونيته، ودفاعة عن الإنسان وحقه في التعبير والحياة؟ ألا يتعارض هذا –جملة وتفصيلا- مع القوانين المدنية و الديمقراطية، وحقوق الإنسان؟. ماذا ربح المتطرفون والغُلاة، من قتل بعض رموزنا المضيئة؟ إِنْ لم يكن إظلام كثيف بعد إظلام كثيف؟ ماذا ربحوا من إطفاء هذه المصابيح الملتمعة، سوى طبقة من ظلام زيدت على طبقات أخرى تنذر بالهول، والعودة إلى الكهوف، بعد الخروج من التاريخ؟ أفي بدايات الألفية الثالثة.. في القرن الحادي والعشرين، وفي ظل دساتير عربية وإسلامية، تنتصر في عمومها – لحقوق الإنسان الشخصية، والمدنية، والسياسية، والاقتصادية.. الخ، وضمن هذه الحركية العامة، حركية التطورات والتغيرات، والعولمة والانفتاح والحوار، والحض على السؤال المعرفي، والشك العلمي، وغيرهما؟ يجيء الآن –من يرى في إقامة الحد على حرية المعتقد، إعمالا للشرع، وتطبيقا لحكم "الله" وينبش في الزواج والطلاق والإرث، والحال أنها أحكام لم يعد يتحدث عنها عاقل راهنا ما لم يَدْعُ دَاعٍ إلى ذالك، ويقتضي الأمر هذا المقتضى؟ لكني أسأل بِدَوْري، فقهاء المجلس العلمي الأماجد؟ ما رأي المجلس العلمي السديد في من يكنز الذهب والفضة ب "العَرَّامْ"؟ وفي من يملك حصص "هَامَانْ" من دُور وقصور وحُور وبحور، بينما السواد الأعظم من الشعب لا يملك شبرا، بل لا يملك قبرا بالمعنى الحقيقي للكلمة؟. وما فتواه في الظلم المستشري في المجتمع؟ وفي الإذقاع والإملاق، وانحشار الأطفال والنساء والشيوخ في مضايق الجبال والشعاب الوعرة والمقرورة؟ وفي من يدعو إلى اغتصاب الطفولة كمثل مناكحة طفلة لا يزيد عمرها عن تسع سنوات؟ ومن يدعو إلى مضاجعة الزوجة المتوفاة؟ وإرضاع الكبير في العمل؟ والخادمات الصغيرات في البيوت؟ واليتامى؟ وأطفال الشوارع؟ والمتخلى عنهم؟ والعنف ضد الطفولة؟ وضد المرأة؟ وضد العمال المياومين، والمأجورين؟ والإجهاض، أَخْذًا في الاعتبار، زِنَا المحارم المسكوت عنه المَخْفي؟ وَأَخْذًا في الاعتبار، فرار الرجل، أو التنكر لفعلته كما سمعنا عن أحد "الأباطرة" رئيس مجلس ما بوطننا العزيز؟ وَأَخْذًا في الاعتبار طابور الأطفال المتخلى عنهم في حال قسر المرأة على الولادة والوضع كيفما كانت الظروف؟ فاتقوا الله في البلاد والعباد، اِتقوا الله في دينه السمح، اتقوا الله في الإنسان. وتعاطوا للاجتهاد، وتنادوا بالصلاح والإصلاح، والتربية والتقويم، والوصية النصوح، واضربوا المثل الرائع في المحبة والسماحة، وَمَتِّنُوا الحبل الموصول بمؤسسة أمير المؤمنين، فهي المؤسسة الأعلى بحكم التاريخ والشرعية، والإلتفاف الشعبي.. فمن شأنها تمتين الحبل بها، أن يَدُلَّكُمْ على الطريق التي ينبغي أن تُسْلَكَ لما فيه صالح الإنسان والوطن، طريق الحداثة والديمقراطية والتفتح والاجتهاد المقاصدي، والعلم والعقلانية؟