تشاء الأقدار الإلهية أن تودع أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير في هذا اليوم المشهود، يوم الثلاثاء 27 صفر 1435 الموافق ل 31 دجنبر 2013 المشمول بعفو الله وكرمه المقاوم المرحوم الغالي العراقي، أحد رجالات هذا الوطن، وأحد أبنائه البررة ورموزه الميامين الذي اختطفته يد المنون من بين أهله وذويه ومحبيه ورفاقه على درب الوطنية والمقاومة والتحرير. رأى النور هذا الطراز الرفيع والنموذج الرائع في الوطنية الأصيلة يوم 27 فبراير 1924 بمدينة فاس، ونهل من معين الوطنية وتشبع بالقيم المثلى وبصدق العزيمة والمبادئ التي شب وترعرع في كنفها. انخرط الفقيد العزيز المقاوم الغالي العراقي في صفوف الحركة الوطنية وهو في ريعان شبابه، حيث شارك رفقة أصدقائه في حزب الاستقلال مع بداية شهر أبريل من سنة 1947م تاريخ زيارة السلطان سيدي محمد بن يوسف إلى مدينة طنجة لإلقاء خطابه التاريخي، في تهييء شروط الاستقبال، وتوعية المواطنين بمغزى هذه الزيارة الوحدوية. ومع توالي الأحداث وتأزم الأوضاع بعد اغتيال النقابي المغاربي فرحات حشاد في دجنبر من سنة 1952م أعقبها قمع وحشي للمظاهرات التضامنية النقابية يومي 7 و8 منه، وإيداع رموز الحركة الوطنية في غياهب السجون والمنافي، شارك إلى جانب لجنة مكونة من مناضلين ملتزمين تضم الأستاذ المجاهد عبد الرحمان يوسفي وعبد الكبير بن المهدي الفاسي ، والدكتور عبد اللطيف بن جلون، وعبد الكبير بن حفيظ الفاسي، والمختار الوسيني، ومحمد العربي الفحصي، في تكوين لجنة الاستخبار والتنسيق بطنجة لربط الاتصال الدائم والتنسيق المستمر بين مكاتب الحزب الخارجية وبين اللجنة التنفيذية السرية لعبت فيه مدينة طنجة دوراً طلائعياً لتوفر مجالها على مواصلات بريدية وهاتفية متنوعة. وبعد نفي جلالة المغفور له محمد الخامس في 20 غشت 1953، والدعوة الوطنية للانتقال من العمل السياسي إلى العمل الفدائي، وفي شهر أكتوبر بالتحديد من سنة 1953م، اتصل المقاوم المرحوم الحسن العرائشي مرسول المقاومة بالمرحوم الغالي العراقي وأبلغه رغبة المنظمة السرية انخراطه في صفوفها بتنظيم عمليات لإمداد المجاهدين بأسلحة خفيفة ومستلزمات الطبع والنشر، وخلال هذه الفترة التي دامت 6 شهور انتقل المرحوم الحسن العرائشي إلى فرنسا في رحلة تنظيمية انتهت بإلقاء القبض عليه في ظروف غامضة ونقل على إثرها إلى الدارالبيضاء لإخضاعه إلى استنطاق مكثف نتج عنه إصدار أوامر قضائية فرنسية بمتابعة عدد من المقاومين من بينهم المرحوم الغالي العراقي، وعبد اللطيف بنجلون، وعبد الرحمان يوسفي، وأحمد زياد ممن تعامل معهم الحسن العرائشي. وهذا ما حدا بالغالي العراقي إلى مغادرة مدينة طنجة في اتجاه مدينة تطوان بعد أن وصل أمر الاعتقال إلى إدارة الأمن الدولية في حقه شخصيا. قرر مع رفاق لجنة الاستخبار والتوثيق إجهاض مخطط الأمن الاستعماري، وانفلت إلى عاصمة الشمال بعد أن وفر له أحد رجال الأعمال المغاربة وظيفة بشركة إسبانية الجنسية حتى لا يخضع إلى المراقبة الإسبانية كلاجئ. بعد مرور خمسة شهور من الإقامة تخلَّلتها عدة محاولات إسبانية لتوثيق الخناق عليه، زاره في منزله محمد أجار سعيد «بونعيلات» والحسين برادة وحسن صفي الدين مقترحين عليه استئناف العمل الفدائي مع مجموعة اللاجئين المقاومين بتطوان. كم كانت تزكية عبد الكريم الخطيب على رأس مكتب القيادة المركزية لجيش التحرير مناسبة لانطلاق تنظيم جديد، حيث تشكل في البداية مكتب قيادي مركزي يضم خمسة أعضاء هم: عبد الكريم الخطيب، وحسن صفي الدين، ومحمد أجار سعيد بونعيلات، والحسين برادة والغالي العراقي. وكان له كامل الصلاحيات ويستشير في أعماله جماعة ممن أسندت إليهم بعض المسؤوليات بمثابة مجلس استشاري للقيادة المركزية لجيش التحرير لتتشكل منهم فيما بعد النواة الأساسية للمجلس الوطني لجيش التحرير، وقد تركزت أعمال ومهام الغالي العراقي في هذه الأثناء على الكتابة العامة لمكتب القيادة المركزية. وفي إطار عمله كمنسق لمكتب القيادة المركزية لجيش التحرير والتواصل الخارجي لجلب الأسلحة والمعدات وتمتين الروابط بين المجاهدين الجزائريين وغيرهم بالخارج ربط الغالي العراقي علاقات كثيرة مع شخصيات توفر أعمالا جليلة لجبهة الشمال من التراب المغربي أمثال التونسي الدكتور حافظ إبراهيم والسوداني إبراهيم النيل والملحق العسكري العراقي الكولونيل الحسيني بروما والكولونيل المصري رئيس مكتب علي صبري سابقا ممثل شركة سلاح «بريمشيا» والكومندار بيكوف اليوغوسلافي الجنسية والكولونيل عبد المنعم النجار ملحق الجمهورية المصرية بمدريد والكولونيل فتحي الديب والكولونيل عزت سليمان من المخابرات المصرية، كما تعرف على الدكتور فاضل وزير الخارجية السابق بالمملكة العراقية والذي قام بدور عظيم بأروقة الأممالمتحدة أثناء عرض القضية المغربية على جلساتها بتضامن مع الدكتور بدرخان وزير خارجية الدولة الإسلامية الباكستانية ووزير خارجية العراق باش الدين أعيان وكانت تجمعه تنقلاته بكل من الجزائريين أحمد بنبلة، ومحمد بوضياف، والعربي بلمهيدي، والحسين القادري، والدكتور لمين الدباغين، وفرحات عباس، والشيخ محمد خير الدين وغيرهم، وبالرغم من الخلافات التي طالت أعضاء القيادة المركزية لجيش التحرير بتطوان والقيادة الميدانية، تمكن الغالي العراقي من الاحتفاظ باحترام وثقة الجميع مما سهل مهامه داخل وخارج الوطن. وبعد الاستقلال، تقلد منصب أول عامل على إقليمفاس .ثم عُين «وزيراً مفوضاً بوزارة الخارجية». والتحق بعد ذلك من جديد بوزارة الداخلية وإدارتها العامة مكلفاً بمهمة خاصة بالديوان الملكي. كما حظي الفقيد المبرور بشرف تعيينه عضوا بالمجلس الوطني المؤقت لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير سنة 1973م ثم عضواً باللجنة العلمية الاستشارية المنضوية بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير. لقد ظل الراحل العزيز طيلة مسيرته الحياتية مثالا للوطني الغيور والمقاوم الأشم الجسور، وسم بجليل أعماله وسامق عطائه وموصول بذله مسلسل الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال. هذا، وقد كان السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير حريصا دوما على عيادة المقاوم المرحوم الغالي العراقي، بمعية السيد محمد آجار سعيد بونعيلات، رئيس المجلس الوطني المؤقت لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمجاهد الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، وذلك من منطلق العناية التي يحف بها الشخصيات الوطنية وأفراد أسرة المقاومة وجيش التحرير، عربون تقدير وعرفان بمكانتهم المتميزة والمرموقة، وبرورا بشمائلهم الجليلة ومآثرهم الخالدة في رياض العمل الوطني والمقاومة وجيش التحرير. وفي هذا الظرف الحزين، يتقدم السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بعبارات أحر التعازي وأصدق المواساة لعائلة الفقيد الصغيرة وعائلته الكبيرة في الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير ضارعا إلى المولى العلي القدير أن يلهمهم جميل الصبر والسلوان وأن يتغمد الراحل العزيز بواسع الرحمة والمغفرة والرضوان وجزيل الثواب وحسن المآب وأن ينزله منزل صدق عند مليك مقتدر مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا. «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي» صدق الله العظيم. إنا لله وإنا إليه راجعون