من حسنات النقاش الذي ترتّب عن المقترح الطبيعي للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي حول مسألة حقّ استفادة المرأة من التوزيع العادل لإرث، أنها أخرجت بعض الجرذان التكفيرية التي تختبئ وسطنا متدثّرة برداء الدين. ولعلّ في ما نشرته بعض المواقع من كلام تكفيريّ وظلاميّ ولا حتى إنسانيّ لينمّ، بصورة لا تقبل الجدال، عنْ أنّ القنافذ العدوانية لا زالتْ تتربّص ببلادنا. فلا هي تعيش في ما يعرفه المغرب من مخاضات ونُقولات تجعله مختلفا عن العديد من البلدان العربية الإسلامية التي ما فتئت تتخبّط في اختياراتها المجتمعية والاقتصادية والسياسية والدينية، ولا هي فهمت الدرس الذي تولّدت عنه مدوّنة الأسرة، وما تلاها من إصلاحات واجتهادات دينية وفقهيّة على مستوى تعدّد الزوجات والطلاق وشروط الزواج الخ، ولا هي تعيش معنا فعليّا لتعرف أنّ المجتمع المغربي يسير بإيقاع نسويّ وذكوري بلا أدنى تمييز. أمّا رابعة الأثافيّ فإنّ ما يثير الغيْض والأسى في الوقت ذاته، هو أنّ هؤلاء التكفيريّين، الذين لا ثقافة لهم ولا تكوين، والذين يتحدثون باسم شريعة دينية لا ندري من أيّة مجرّة جاؤوا بها، يعانون من جهل مطبق لا مثيل له في تاريخ البشرية: جهل بتاريخ الدين الإسلامي، وجهل بتاريخ الأديان عموما، وجهل بالفكْر الفقهيّ والتفسيريّ بكل أطيافه، وجهل بالفرق الإسلامية، وجهل بفكر قريب منّا تاريخيا هو الفكر السلفي المتنوّر في المشرق، بقيادة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والعبد الرحمان الكواكبي، وفي المغرب العربي بقيادة الطاهر بن عاشور في تونس وعلال الفاسي والشفشاوني بالمغرب. غير أننا نحمد الله أنّه رغْم وجود هؤلاء التكفيريين، الذين يختبئون بيننا، والذين لا يفهمون من آيات مثل: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ»، أو»وليس الذكر كالأنثى»، سوى الإيحاءات الجنسية، ولا قدرة لهم على النقاش العقلاني الهادئ، والقائم أساس على مفهوم الاجتهاد المنفتح، هناكَ في المغرب علماء دين وفقهاء أجلاّء يجعلون نفتخر بأنّ المستقبل هو للفكر الحرّ والواقعي الذي يضع ضمْن أولوياته المصلحة الإنسانية التي لا تتعارض في شيء مع الفكر المقاصدي الذي أسسه وثابر في تطويره كبار الفقهاء والفلاسفة والمفكرين العرب المسلمين منذ الشاطبي الذي أشكّ في أنّ الكثير من الإسلاميين التكفيريين رأوا غلافَه يوما ما. إنّ الإسلام الحقيقيّ أنصف المرأة وكرمها، كما يعلم الجميع. فقد كانت في المجتمعات والأديان ما قبل إسلامية محتقرة ومهانة، حتى سموها رجساً من عمل الشيطان، وكانت عندهم سقط المتاع تباع وتشترى في الأسواق ، مسلوبة الحقوق، محرومة من حق الميراث وحق التصرف في المال، تُكره على الزواج وعلى البغاء وتدفن حية. فجاء الإسلام ورفع من شأنها، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام ، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة ، ومساوية له في جزاء الآخرة، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله ، ولها حق التملك ، تبيع وتشتري، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها. ومن إكرام الإسلام لها كذلك أنْ جعل لها نصيباً من الميراث ومن تمام العدل أن جعل لها من الميراث نصف ما للرجل. لأن الإسلام جعل نفقة الزوجة واجبة على الزوج، وجعل مهر الزوجة واجباً على الزوج أيضاً. فقد كانَ حريّ بهؤلاء شكْر الاتحاد الاشتراكي على تحريكه المياه الراكدة، وفتحه لنقاش هو أولى بفتحه باعتبارها حزبا يتبنى قيم الدين الإسلامي السمحة التي لا تتعارض مع قيم الحداثة والمساواة والحرية الإنسانية. هذه القيم الحقيقية التي تتعارض مع، وترفض ربْط الإسلام بالتخلف والتحجّر وعقلية الخيْمة والحريم التي عفى عليها الزمن. فلْتَعُدِ الجرذان إلى جحورها في انتظار فرْصة تكفيرية ألْيق وأجدر.