يستمد الكتاب الفائز بجائزة ابن بطوطه للدراسات حول أدب الرحلة هذا العام- المرأة في الرحلة السفارية المغربية- أهميته من خلال سمتين اثنتين، أولاهما منهج البحث الأكاديمي الحديث الذي استخدمته الباحثة المغربية مليكة نجيب في دراستها الهامة وناقشت من خلاله مجموعة من المفاهيم كمفهوم الصورة والتمثل والإدراك. وثانيتهما المرحلة الزمنية الواسعة التي تمتد على مدى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والتي شهدت نشاطا رحليا وسفاريا كبيرا باتجاه أوروبا، وتجلى في كثرة المدونات الرحلية والسفارية التي دونها هؤلاء الرحالة والسفراء، حيث اختارت منها ست رحلات لتكون موضوعا للبحث عن صورة المرأة تمثلا وتمثيلا في تلك المدونات بغية الوصول إلى ما استحوذت عليه صورة المرأة من صفات وعلامات، وما عكسته من وعي نمطي ونظرة تقليدية أطّرت تلك الصورة، وجعلتها سمة تطغى على جميع المدونات الرحلية دون استثناء. تكشف الباحثة قبل الخوض في متن البحث الدوافع التي قادتها لاختيار هذا الموضوع وتجملها في دوافع ذاتية تنبعث من اشتغالها على مقاربة النوع الاجتماعي بهدف مأسسة مبدأ المساواة بين الجنسين وتحديد تمثيلية النساء بمراكز المسؤولية في الإدارات العمومية. أما العامل الموضوعي فيكمن في الرغبة في الاطلاع على محطات وأحداث تاريخية لمغرب القرن الثامن والتاسع عشر لا سيما ما يتعلق منه بالصراع بين الإسلام والمسيحية إلى جانب الرغبة في ملامسة الثراء الرحلي المغربي والمساهمة في عملية ضبط ومعرفة طبيعة الوجوه النسائية نظرا لحجم الفراغ الذي يلف الاهتمام بهذا الموضوع والمساهمة في خدمة التراث المغربي من خلال الاشتغال على جنس الرحلة. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تستعين بمناهج تمكنها من الدقة والتحديد وتساعدها في القبض على المعاني الخفية وهذه المناهج تتوزع على النقد التاريخي والنقد البنيوي والتأويلي والمقارن الذي يهدف إلى القراءة والتحليل والتحري سعيا وراء فهم القضايا المطروحة في هذا البحث، والتي تخصُّ المرأة كموضوع مثل مظهرها وسفورها وسلوكها واختلاطها واقتسامها مع الرجل للمجالات العامة وعلاقتها بالرجل وتفوقها في بعض الفنون. قراءة المفاهيم قبل الخوض في قضايا البحث تتناول الباحثة الإشكالية التي تطرحها الدعوة إلى المساواة بين المرأة والرجل مبينة أن تناول هذه القضية التي تأتي في سياق الإشكالية التاريخية يرتبط بطبيعة الجهة التي تطرحها دينية كانت أم سياسية أو اجتماعية الأمر الذي يجعل تناولها مركبا ومعقدا ومتشابكا، وهو ما ينسحب على تيارات حركة التحرر النسائية ذات الأطروحات والمواقف المتباينة. ويتوزع البحث على أربعة فصول وخاتمة استهلتها بفصل خاص يبحث في الأطر المفهومية وأولها الصورة وما يميزها وتحولاتها حيث يتخذ مفهوم الصورة بعدين اثنين يرتبط الأول بعملية الإدراك والثاني بالبعد الذي تتحول فيه الصورة إلى بنية سردية تحاول تجسيد الواقع المشاهد وهو ما ساعدها على إعادة قراءة نصوص الرحلة السفارية والخلوص إلى أن الرحّالة لم ينقلوا واقعا شاهدوه بل عملوا على إعادة تشكيله من خلال تمثّلات تحكمت في رؤيتهم إليه. وتعالج الباحثة في هذا السياق المفهومي موضوعات تتعلق بطبيعة الصورة النصية وكيفية فهم علاقتها بالتمثّلات لتصل بعد ذلك إلى البحث في وظائف حواس العين والأذن والإدراك كمدخل للكشف عن الكيفية التي أنتج فيها الرحالة نصوصهم الرحلية. وبعد أن تبين أن النص الرحلي يقوم على علامات ثلاث هي رأيت وسمعت وكتبت، تبحث في العلاقة القائمة بين الخطاب الرحلي والأيديولوجيا مبينة أن وظيفة الأيديولوجيا ليست معرفية لأنها وسيلة للتجهيل أكثر منها وسيلة للتعليم بسبب ما تقوم به من تنميط للفكر. وإذا كان السارد الرئيسي في كتاب الرحلة هو الذي يحتل مواقع الخطاب ويقوم بترتيب طبقات الحكي وفقا لقدرتها وفعاليتها على توليد الصدق لدى المتلقي، فإن الرحالة المغاربة كما تراهم في ضوء ذلك قد سقطوا في سذاجتين اثنتين هما الشيئية والمثالية من خلال ما كانوا يقومون به من تسجيل سلبي لواقع خارجي، الأمر الذي يقودها إلى العمل على تفكيك الصور والبحث في التمثّلات الذهنية التي تدعوها إلى القول بأن الرحلة صورت ما تمت مشاهدته حيث عوّض النص غياب الواقع المشاهد في الماضي بكل خصوصياته. لكن غياب هذا المماثل وحضوره في صورة مغايرة كان له جوهر وطبيعة سيميولوجية، وفي ضوء ذلك فهي تستبدل مفهوم الأيديولوجيا بمفهوم التمثل لأن الأخير له موضوع في حين أن الأيديولوجيا تعالج قسما من الموضوع. الأنا والآخر في بحثها تناقش مليكة نجيب مسألة الوعي بالذات في هذا البحث تناقش مليكة نجيب أولا مسألة الوعي بالذات والذي لا يتأتى إلا عبر الاحتكاك مع الآخر لأن الإنسان لا يكتشف نفسه وهويته إلا عندما يقف أمام شخص مختلف. أما الآخر فهو عندها حمَّال أوجه متعددة ومختلفة في سردياتنا إذ اتخذ صورا عبر مسارات ومحطات وأحداث تاريخية طويلة. وفي هذا الصدد تشير الباحثة إلى أن مقاربة ثنائية الأنا والآخر تستوجب الأخذ بعين الاعتبار الامتدادات الحضارية للثقافة العربية وما حققته من تواصل ومثاقفة بين ثقافات مختلفة مما أدى إلى تشكل منظومات الحضارة الإنسانية في تمثّلات الثقافة العربية حيث جعله ذلك يرى من خلال ذلك مجالات الآخرية وأكثر الآخرين تعددا وتنوعا لكن ثمة إشكالية بدت في العلاقة بين الأنا المنبهر أمام الآخر القوي تلك الأنا التي ترتكز على ذاتها وترى فيها الخير المطلق والدين القويم في حين يفتقر الآخر لكل فضل. وتوضح الباحثة أن المقصود من تناول الأنا والآخر هو الوقوف على ظروف وملابسات إرسال رحّالتنا سفراء في مهام خاصة إلى أوروبا. وتتناول الباحثة السياق التاريخي للرحلات السفارية التي سمحت للذات المسلمة أن تكتشف الآخر الأوروبي المسيحي حيث أملت الظروف السياسية كثرة تلك الرحلات بعد أن قوي الآخر وزادت قوته وصار يتأهب للسيطرة على الدول التي كانت دونه قوة وتقدما. على مستوى آخر تبحث مليكة نجيب في شروط إنتاج النص الرحلي السفاري للرحالة المغاربة الذين التزموا بتنفيذ تعليمات السلاطين وتعلّق على الدور الذي قاموا به إذ أن القول بأن من بعثوا إلى أوروبا كانوا سفراء هو قول مبالغ فيه والأصح هو وصفهم بالرسل. وعندما تتناول الرحلات السفارية تمهد لها بالحديث عن الدواعي التي استوجبت القيام بها وكذلك الوجهة التي اتخذتها ومدى شرعيتها من الناحية الدينية إضافة إلى زمنها القصير، لتبدأ بالبحث في العلاقة بين الخطاب وبين من يقوم به والمؤسسة التي تسند له إنتاج الخطاب كتمهيد لمناقشة دور العين التي لا يمكنها أن ترى الواقع بصورة موضوعية بل من خلال رأسمال الرائي والتي تعرف ما يجب أن يقال وهي تجمل هذه العيون المحدّقة في العين التي تمثل سلطة المخزن باعتبار الرحالة مبعوثين ومكلفين بكتابة تقرير عن الرحلة إلى السلطان وعين الدين المتمثلة في الثقافة الفقهية لهؤلاء الرحالة. وتجمل الباحثة حضور المرأة في المتن الرحلي بعد ذلك في عدد من التيمات أولها ظاهرة وجود النساء في الفضاء الخارجي والاختلاط بالرجال ثم عمل النساء خارج البيت وممارسة النساء للكوميديا والغناء والرقص إلى جانب وصف النساء. وتخلص الباحثة إلى القول إن اللقاء الإسلامي مع الحداثة قام على منطق الانفصال والتقابل وليس على التكامل بعد أن ركز على الفقه التقليدي الأمر الذي جعل الرحالة تغيب عنهم الدعوة إلى مشاركة المرأة المغربية في صنع القرار والتحكم في الثروات، ذلك أنهم لم يعوا أهمية فك عقدة الأنثوية والذكورية.