من احتفال إلى احتفال ، ذلك ما يصلح عنوانا لما تعيشه مراكش خلال دجنبر الجاري . فبعد احتفالية السينما التي دامت تسعة أيام متواصلة من خلال الدورة 13 من المهرجان الدولي للفيلم بكبار نجومه العالميين الذين رصعوا سماء المدينة ، تعيش مراكش هذه الأيام احتفالا آخر بنكهة عالمية و بنبض وطني صادق ، و باستعدادات فائقة، في ظل احتضان أطوار كأس العالم للأندية، ليسلم مشعل الاحتفال بعد ذلك مباشرة لأجواء الفرح المصاحبة للاحتفاء بنهاية السنة . و المناسبات الثلاث تتقاسم فضاءات المتعة و استقطاب النجوم و الحماس و الزيادة في جاذبية مراكش ، مثلما ترفع من الثقل الذي يتحمله المسؤولون لتوفير شروط الأمن و السلامة و الراحة للزوار و الضيوف . مشجعو الفرق المشاركة في تظاهرة كأس العالم ، ملأوا بتحركاتهم فضاءات مراكش ، و في مقدمتهم مشجعو الفريق البرازيلي أتليتيكو منتيرو ، الذين لفتوا الانتباه بتجوالهم الجماعي مرتدين أقمصة فريقهم، و تحركهم الحماسي ، و نزوعهم الاحتفالي الذي أضفى على المدينة الحمراء ، نكهة عالمية مبهجة ، توفر اسباب التلاقي بين أجناس و ثقافات متنوعة . أنصار الفريق البرازيلي ، حجوا بقوة إلى مراكش منذ الأربعاء الماضي ، و تعزز عددهم يوما بعد يوم ، مظهرين سلوكا جميلا في التفاعل مع ساكنة المدينة التي استغلوا فرصة وجودهم بها للاقتراب أكثر من ثقافة الناس بها ، حيث انتشروا في أسواقها العتيقة ، و جالسوا سكانها في المقاهي ، و تناولوا إلى جانبهم وجباتهم ببعض المطاعم الشعبية ، دون الإحساس بأي حاجز ثقافي أو حضاري أو لغوي . أنصار الرجاء البيضاوي ، الفريق المغربي الذي حقق بتأهله إلى نصف نهاية كأس العالم للأندية ، لحظة انتشاء جماعي لكل المغاربة الذين ملوا طعم الهزائم و الخيبات ، تدفقوا على المدينة الحمراء ، حاملين أعلام فريقهم الخضراء . و منذ صباح الأحد ، رددت شوارع مراكش المتخففة من اختناق حركة السير ، صدى شعارات سيارات يركبها شباب متحمس يهتف بأمجاد الرجاء.وكثير من هؤلاء ، ليسوا بيضاويين، و إنما من عموم محبي كرة القدم من مدن مختلفة، أجج فيهم أداء الفريق الأخضر مشاعر الوطنية . تظاهرة كأس العالم للأندية بمراكش ، هي أيضا عين كاميرات القنوات الدولية التي تستغل فرصة تواجدها ، لاستثمار فضاءات المدينة في مواد إعلامية. و هكذا لوحظ التحرك الكثيف لفرق التصوير التابعة لقنوات فرنسية و ألمانية و برازيلية و مصرية و صينية و إسبانية، في ساحات مراكش و شوارعها و اسواقها. وأظهرت بلدية مراكش كسلا كبيرا ، في التفاعل مع هذه التظاهرة العالمية ، التي تشكل لحظة ثمينة لتسويق المدينة، و استقطاب أصدقاء جدد لها من مختلف أنحاء العالم ، حيث عاب المتتبعون على المجلس الجماعي تقاعسه في تنظيم أنشطة موازية لهذه التظاهرة تزيد في جاذبية المدينة ، و تتيح للزوار الذين قدموا من وجهات مختلفة فرص التعرف الأعمق على إمكانيات عاصمة النخيل و توثق ارتباطهم بها . بل إن المتتبعين عابوا على المجلس الجماعي برمجة أوراش إصلاح بعض الطرق في هذه الفترة بالضبط ، مما أحدث عرقلة كبيرة في السير ، و شوش كثيرا على المظهر الجمالي للمدينة . فيما ظل الاهتمام منكبا فقط على تنظيف الطريق المؤدي إلى الملعب الكبير . الرغبة في اقتسام متعة متابعة المباريات بالملعب الكبير لمراكش ، أجج انتعاش السوق السوداء لبيع التذاكر ، رغم تحذيرات المنظمين ، و إلى حدود يوم الاثنين وصل سعر التذكرة الخاصة بمباراة نصف النهاية التي تباع بشكل عادي بمبلغ 175 درهما إلى 500 درهم . الثقل الأكبر لتنظيم هذه التظاهرة ، يتحمله بالدرجة الأولى جهاز الأمن . إذ أن المدينة و منذ أسابيع ، تخضع لإجراءات و تدابير أمنية دقيقة ، تستهدف تأمين المناطق السياحية ، و فضاءات تحرك الفرق المشاركة و وفد الفيفا و باقي الهيئات التي تستضيفها مراكش في سياق تنظيم هذه التظاهرة . و لا يقتصر الأمر على ذلك ، بل وفرت إدارة الأمن بمراكش ، نظاما لتيسير حركة السير بشوارع المدينة في ظل ارتفاع درجة الاكتظاظ فيها ، و رفعت من درجة التأهب ،و تفعيل الحملات الوقائية . و خاصة في توافد مشجعي الفرق المشاركة في مباراة النصف و الترتيب و النهاية . و يواكب أطوار تظاهرة كأس العالم للأندية في نسخته العاشرة ، اجتماعات متوالية بولاية الأمن لضبط مفاصل الخطة الأمنية ، و تطويق مصادر الانفلات ، و تقوية التدخل الاستباقي . و نفس الشيء يسجل لدى الدرك الملكي و القوات المساعدة ، و باقي المصالح الأمنية، التي أكدت في شأنها مصادر متطابقة ، أن لجنة مشتركة شكلت لقيادة المنظومة الأمنية المصاحبة لتنظيم هذه التظاهرة العالمية . المديرية العامة للأمن الوطني ، عمدت إلى نهج التوعية و التحسيس ، و أصدرت بهذه المناسبة ، دليلا خاصا بالمشجعين ،باللغات العربية و الفرنسية و الإنجليزية و الإسبانية . يضم توصيات من أجل سلامة المشجعين . يدعو الدليل إلى احترام التوصيات الواردة فيه ، و أولها اعتبار كل مقابلة رياضية لحظة مميزة و عرسا حقيقيا مهما كانت أهمية الرهان الرياضي . و كذا التحلي بالروح الرياضية العالية أثناء حضور المباريات الرياضية ، مع الالتزام بالقواعد و الأخلاقيات الرياضية عن طريق احترام هيئة التحكيم و اللاعبين و المنظمين و عناصر الحراسة الخاصة و كذا باقي المشجعين، و تجنب القيام بكل فعل يمس بالأمن العام ، و المحافظة على البيئة و على المنشآت و الممتلكات . ويذكر الدليل بمضامين الفصل الثامن من قانون الاتحاد الدولي لكرة القدم المتعلق بالسلامة و الأمن ، و الذي ينص على أن الدعاية أو الإعلان عن الخطابات السياسية أو الدينية أو أي فعل سياسي أو ديني داخل الملعب أو بجنباته المحاذية ، بأية وسيلة كانت هي أفعال ممنوعة منعا باتا قبل و أثناء و بعد المباريات . ويذكر الدليل المشجعين بأن أفعال السب و الشتم و السلوكات العنصرية ممنوعة . كما يدعو إلى الامتناع عن اقتناء التذاكر من نقط البيع غيرالمرخصة أو المواقع الإلكترونية غير المعتمدة من طرف المنظمين . مثلما يذكر بحظر إدخال أية أدوات واخزة أو حادة أو حارقة أو قابلة للاشتعال. في مراكش التي تعَوّد سكانها على كون مدينتهم فضاء كوني للتقاسم ، يعم حماس كبير من أجل الفرح و الاحتفال ، و مشاركة كل الأجناس القادمة إلى المغرب من أجل تحويل فرصة تنظيم كاس العالم للأندية ، إلى احتفال برحابة العالم و غنى التجربة الإنسانية بإصرار بمتبادل على المحبة و الاحترام و بناء الأمل .