أجرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» بمناسبة الذكرى الخمسين للبرلمان المغربي حوارا مع ذ عبد الكريم غلاب, احد قيدومي قياديي حزب الاستقلال وحكمائه، نظرا لتجربته السياسية العميقة وخبرته البرلمانية بحكم أنه كان برلمانيا بالمؤسسة التشريعية لعدة سنوات وعايش عدة معارك سياسية داخلها وخارجها . في هذا الحوار يلامس غلاب عدة قضايا بعد الاستقلال التي تهم الصراع من أجل الديمقراطية، وإقرار دستور ديمقراطي، والظروف السياسية التي عرفها المغرب، وعدة قضايا أخرى كالتنسيق مابين حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي، والعمل الحكومي الحالي ... يحتفل البرلمان المغربي بالذكرى الخمسين على تأسيسه, وبما أن ذ. عبد الكريم غلاب كسياسي انتخب في العديد من الولايات بهذا المجلس وله تجربة وخبرة كبيرة داخل هذه المؤسسة التشريعية , ماذا يمكن ان تقول للقراء على تاريخ هذه المؤسسة وتجربتها وتطورها؟ مرت مؤسسة البرلمان المغربي من عدة مراحل, تميزت بمراحل الصعود من جهة ومراحل النزول، ومع كامل الأسف مراحل النزول كانت كثيرة، والمغرب من أوائل الدول العربية التي انتشر ت فيها الفكرة الدستورية, فقبل الحماية وضع المغاربة بعيدا عن السلطة دستورا وكان مهما وطيبا, واستفادت منه الدساتير الأخرى, حيث كان الدستور قيما، ونبراسا للمغاربة، وكان أملهم أن يعيشوا في مرحلة ديمقراطية, لكن حين جاءت الحماية الفرنسية والتي طالت إلى أكثر من 43 سنة، تأجلت الأمور وعاش المغرب في ظل الاستعمار الفرنسي وكان الشغل الشاغل للوطنيين والديمقراطيين هو الحصول على الاستقلال وتم تأجيل المسألة الدستورية إلى ما بعد مرحلة الاستقلال. لكن كيف تم التعامل مع هذه القضية الدستورية التي ستنتج عنها حياة ديمقراطية بمؤسسات دستورية لتضمن شروطا أدنى للعمل الديمقراطي بعد الحصول على الاستقلال؟ بعد الحصول على الاستقلال, كانت القضية الدستورية والديمقراطية منحصرة في اختيارين، الأول هو أن نبدأ الحياة الديمقراطية من الأول، أو نستمر في ما راكمناه قبل الحماية وإقرار ديمقراطية من الداخل، لأن الحكم في البلاد كان حكما ملكيا فرديا مئات السنين، وكان من الصعب أن تتنازل المؤسسة الملكية عن كثير من اختصاصاتها للشعب، كان صعبا أن تقول الاستقلال والدستور, وبدأنا نكتشف الحاجة الديمقراطية والبرلمان من خلال ممارسة الحكم التي كانت صعبة للغاية ولا حاجة للتذكير أن الحكومات كانت شكلية وكانت تعيش نوعا من الصراع مع القصر، وكان لابد من تضحيات لتحقيق الديمقراطية، فالواقع أن الوطنيين دفعوا الملك الراحل محمد الخامس لأن ينشئ دستورا وبرلمانا وتعهد بذلك، لأنه أدرك بنفسه أن الحمل ثقيل ويجب أن يتحمل الشعب مسؤولياته، وبالفعل الملك الراحل الحسن الثاني وفى بعهد والده، لكن المشكل الذي كان في ذلك الوقت هو من يصنع الدستور؟ الواقع الشعوب هي من تصنع الدستور بعيدا عن الحكومات أو بتعاون معها، لكن في المغرب كانت الظروف أصعب، خاصة أنه الدستور الأول. لكن كيف تطورت الأمور من اجل إقرار دستور ديمقراطي, وما دور المعارضة آنذاك في سبيل ذلك؟ الظروف في بداية الستينات صعبة، وقعت عدة تجارب كالمجلس الاستشاري لوضع الدستور، كل هذه المحاولات فشلت لأن الحكم كان غير مستعد للتخلي عن جزء من الحكم لفائدة الشعب والشعب لم يكن قادرا وناضجا لتحمل المسؤولية، وكان لابد من أمرين أن نخضع لدستور يضعه مثلا الملك، أو ننتظر تكوين مجلس تأسيسي الذي كان صعبا ووضعه فهو البرلمان، وبالتالي تأخير المسألة الدستورية إلى ما شاء الله، الإخوة في الاتحاد الاشتراكي كانوا يطالبون بالمجلس التأسيسي للدستور ومعهم الحق، لكن هذا كان صعب التحقق، وهكذا بدأت المعركة النضالية من الداخل في البرلمان ومسؤولية وضع القوانين والمراقبة وكانت البداية طيبة والمعارضة قوية,وكانت المؤسسة التشريعية تقوم بدورها خير قيام وكان هناك تعاون وتنسيق بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال ونجحوا في عدة معارك وبدأ الإنتاج، لكن هذا أزعج الذين يدبرون دفة الحكم وأخذوا يظنون أن الحكم بدأ يخرج من أيديهم شيئا فشيئا، وبدأ الشعب يستيقظ بواقع ما تطالب به المعارضة في البرلمان، وما يقوم به الحكم المفرد، وهكذا لم يستمر البرلمان إلا ثلاث سنوات . وفي سنة 1965 جاءت فترة الاستثناء, معناه توقيف البرلمان والحريات العامة ودخلنا في مرحلة الاستثناء ولم يكن أي سبب أو داعي لذلك، حيث أن المغرب بدأ يسير في طريق الديمقراطية وهذا أزعج الحكم وبالتالي تم القضاء على ذلك المسار، وفي بداية السبعينات كانت هناك محاولة لوضع الدستور, إلا أن ظروفا أخرى جعلت منه دستورا أقل حقوقا وأكثر شدة من الدستور الأول, نظرا لأحداث الصخيرات وحدث الطائرة، وأصبحنا أمام وضعية أخرى، لكن هذا الدستور عارضه الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، وبقي البرلمان والديمقراطية والحريات العامة مسكوت عنها حتى سنة 1977 ,حيث تم إحياء البرلمان وشاركت فيه الأحزاب السياسية وبرزت فكرة خلق حزب الدولة، و نشأ هذا الحزب في الانتخابات وكانت له الأغلبية وسرنا نحن أحزاب المعارضة في معركة أخرى داخلية ضد هذا الحزب, حيث كلما قدم مشروع صنع خارج البرلمان لا نقبله وبقيت الحياة السياسية مضطربة ولم تنجح الديمقراطية في هذه الفترة. لكن بالرغم من ذلك فقد نجحنا في البداية من أجل معركة داخلية لإقرار الديمقراطية وبدأنا في الإصلاح من الداخل, سواء تعلق الأمر بالبرلمان أو الدستور. وكيف ترى اليوم دستور 2011 الذي منح اختصاصات واسعة للحكومة ووسع من أدوار البرلمان في المجال التشريعي؟ نعم هانحن اليوم في دستور 2011 الذي أعتبره دستورا لا بأس به, غطى على عيوب الدساتير الأخرى, لكن المهم هو أن نعرف كيف سنستفيد مما جاء به الدستور اليوم ونعمل جاهدين من أجل إخراج القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، لكن الملاحظ أن هناك بطء كبير، فالانتخابات الجماعية تأخرت عن وقتها، فمجلس المستشارين اليوم غير دستوري وقانوني, فهو يضم ممثلي المجالس القروية والحضرية التي طال أمد تجديدها، فنحن اليوم أمام مجالس تسيير أعمال، خاصة أن مجلس المستشارين له حق التشريع, فاليوم هو مجلس صوري وغير دستوري، لهذا مازالت بقايا الاختلالات تلاحقنا ولم نستطع أن نفرض حياة دستورية حقيقية، فالمطلوب هو الكفاح والنضال داخل المؤسسات لنضمن الاستقرار للحياة السياسية وعمل المؤسسات بشكل قانوني و دستوري، وإجمالا نحن في وضع طبيعي على كل حال أحسن من سابقه، واعتقد أن الحياة الديمقراطية الدستورية البرلمانية لابد لها من تضحيات. المهم أن لا يطول الوقت، لقد كانت تجارب كثيرة خلال 50 سنة ,وبالفعل ذكرى البرلمان 50 سنة، كانت خطوة نحو الديمقراطية ولكن هذه الخطوة طالت كثيرا ولم تصبح خطوة إلى الأمام حتى يستقر الإصلاح ويستقر الشعب في مسار التنمية, ونطالب أكثر مما هو في الواقع. فالتجربة كانت تجربة مرة، حيث كان الرأي موزعا بين رأيين, إما أن نسرع بالمطالبة بالدستور والحياة الديمقراطية, وإما أن نستمر بالمطالبة بالمجلس التأسيسي وكان ذلك مستحيلا ,من سيضع هذا المجلس التأسيسي ومن سيصنع الدستور وسيكون مجلسا صوريا ومأمورا وسيضع دستورا غير ذي موضوع. يقال أن هذا التراكم في الصراع الديمقراطي الذي عرفه المغرب بعد الاستقلال هو الذي جنبه الربيع العربي وخرج منه سالما وبأقل الخسائر؟ إن مصر هي أقدم البلدان العربية في الحياة الديمقراطية فلم يجنبها تاريخها الطويل في ذلك الربيع العربي, وقامت بثورتها المظفرة لتغيير الحكم ووقعت في مطب الآن، وتونس كذلك لم تنجح في الحياة الديمقراطية، أما الجزائر فقد سقطت في الحكم الفردي المطلق وفي قبضة العسكر, في حين ليبيا كانت تحت رحمة حكم القدافي، ونشاهد وضع العراق المخزي، فسوريا مرت من حكم ديمقراطي لا بأس به، لكنها انهزمت أمام التيارات المختلفة والحياة غير مستقرة في الحكم وضاعت سوريا، فكل المشرق العربي بما فيه المغرب معرض للربيع العربي, وما أعتقد أن المغرب قد نجا من موجة الربيع العربي، لكن السر في ذلك هو أن المغرب له نظام حكم مستقيم منظم، ففي تونس كان هناك نظام فاسد وكانت الرشوة واستغلال النفوذ, لذلك كانت أول دولة انتصر فيها الربيع العربي, أما مصر فعهد جمال عبد الناصر كان انتصارا للديمقراطية والاصلاحات, فالدولة في عهد بناصر حققت عدة مصالح للشعب، لكن في عهد حسني مبارك الذي سيطر على الحكم 30 سنة كان النظام يسير يمينا ويسارا ,و لا يعرف أين يسير رغم أنه مسيطر على الشعب، فأخشى ولا أستبعد أن ينتكس المغرب, فالملاحظ أن الحكومة التي تسير الأوضاع نرى أنها ليست لها القدرة والكفاءة لتطوير المغرب، حيث نلاحظ أن هناك اضطرابا في العمل الحكومي والحكومة تعطي بظهرها للمشاكل والأوضاع المتردية للشعب الذي يتطلع إلى وضعية أحسن, يجب أن تكون للمعارضة اليوم أسس قوية وأن تكون مبنية على أسس واضحة ويجب أن يعرفوا ماذا يريدون، فالحكومة ليس لها برنامج لتطوير الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإذا ما ظلت الأحوال على ما هي عليه, فلا بد من حكومة انقاذ، لأن المغرب اليوم بدون حكومة وبدون حكم نافذ وصحيح، دمطلوب من المعارضة أن تكون قوية لتضغط أكثر من أجل إسقاطها, لأن هذا حقها لانقاذ المغرب، فالبرلمان ليست له قيمة أو أي اعتبار لدى الحكومة ,فالأسئلة اليوم عبارة عن فلكلور ورئيس الحكومة في الجلسات الشهرية بالبرلمان عبارة عن فلكلور، فالأغلبية تصادق والأمور ليست على أحسن ما يرام، وأخاف أن نرجع إلى القديم , إلى الأحزاب المصطنعة التي تضيع الحياة السياسية. في ظل هذا الواقع السياسي والتراجع عن المكتسبات, كيف يرى ذ. غلاب المستقبل في المغرب؟ انأ واقعي ولست يائسا بل متفائلا, ولا بأس من أحزاب لها مرجعية إسلامية اشتراكية ووطنية، لكن ما هو مطلوب هو الكفاءة والقدرة على العمل ونكران الذات هي الأساس في الحكم، فالحكومة الحالية هي حكومة مشلولة, سواء في الداخل أو الخارج، والحصيلة فارغة ,حيث لا نجد شيئا ملموسا على ارض الواقع والمشكل أن الحزب الذي يقود الحكومة قد برهن على عدم قدرته وكفاءته فإلى أين نسير، والمشكل الأكبر هو الوعي الشعبي، وتوعية الشعب بالحق في الديمقراطية وسلطتها، فالشعب الآن لا يهتم بالبرلمان كما كان في السبعينيات والثمانينات, فلم يبق ذاك الاهتمام الكافي، ففي عهد حكومة التناوب التي قادها ذ عبد الرحمان اليوسفي, عملت كل ما في وسعها لتوفير الحياة الديمقراطية، كما أن ذ. ادريس جطو كان كوزير أول نشيط، لكن اليوم يجب تنظيم الحياة السياسية والديمقراطية من جديد على أساس خلق أشياء جديدة لتحقيق الاستثمارات ونمو الاقتصاد وانقاذ الشعب من البطالة وسوء التعليم والفقر وتنشيط الحياة العامة. كيف ترى عودة التنسيق والعمل المشترك بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي على برنامج عمل مشترك؟ نعم التقاء الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال فيه مصلحة للبلاد، فالكتلة الوطنية المشكلة أساسا من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي أدت في تلك المرحلة خدمة كبيرة للبلاد وغيرت شيئا من الحكم, والكتلة الديمقراطية أيضا أحرزت مكتسبات سياسية ودستورية مهمة, والرأي الوطني يعرف ذلك، فيجب أن يستمر حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي في التنسيق السياسي لأنهما كانا مؤسسة واحدة وانقسمت الى قسمين, لكن يجب أن يؤديا مهامهما وواجباتهما السياسية اتجاه الشعب والوطن, متحدين وموحدين لأن في ذلك خير للبلاد، و الآن يجب أن تكون نظرة جديدة للأمور و أن يعملوا على أساس برنامج مشترك وأساس صحيح وسليم. وإذا سألناك كقيدوم لقياديي الاستقلاليين عن وضع حزب الاستقلال اليوم, هل هو بخير ومعافى ؟ حزب الاستقلال بخير ودائما معافى, لأنه منغرس داخل المجتمع والشعب، وله احترام بين الأحزاب الأخرى, صحيح قد مر من وضعية ضعف والتي تعتبر المرحلة الأكثر ضعفا في حياته, لكن ليس هناك من خوف على حزب الاستقلال.