في منتصف سنة 2004،نظمت شركة التبغ (الشركة المغربية للتبغ حاليا) عملية واسعة لتقليص مناصب الشغل تحت مسمى «المغادرة الطوعية»، وذلك مباشرة بعد انتقال ملكيتها إلى المجموعة الفرنسية-الإسبانية ألطاديس. وقد جندت إدارة الشركة جميع طاقاتها وإمكانياتها واستعملت كل وسائل الترغيب والترهيب لحمل أكبر عدد ممكن من عمالها ومستخدميها وأطرها على الانخراط في هذه العملية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ هذه الشركة الوطنية العريقة. وهذا ما أدى بحوالي 1000 منهم (أي ما يقرب من نصف تعداد أجراء الشركة) إلى القبول مكرهين بالتخلي عن مناصب عملهم في الوقت الذي كانت لاتزال تفصلهم عدة سنوات عن السن القانوني للتقاعد ، وعلى الرغم من هزالة التعويضات المرتبطة بهذه العملية. وقد كان عزاؤهم الوحيد في استفادتهم من راتب المعاش كاملا على أساس الحقوق المكتسبة إلى غاية إحالتهم على التقاعد وفق ما ينص عليه نظام التقاعد الداخلي الذي تم إدماجه في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد في بداية سنة 2003. وهذا ما التزمت به إدارة الشركة كتابة وبصفة علنية وما تضمنته اتفاقية الإدماج التي أبرمتها مع النظام الجماعي، مما يلزمها بتحمل كلفة مقابل التخفيض عن كل حالة من حالات الإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانوني، أي 60 سنة. إلا أنه عند إحالتهم على التقاعد و تسلمهم لأول راتب للمعاش، فوجئ المعنيون بالأمر بتخفيض رواتب معاشهم بحوالي الربع بفعل عدم وفاء إدارة الشركة بالتزامها بأداء كلفة مقابل التخفيض للنظام الجماعي. هذا على الرغم من أن مساهماتهم في صندوق التقاعد الداخلي من أجل تكوين حقوق معاشهم حددت على أساس استفادتهم من رواتب معاشهم كاملة ودون تخفيض بناء على الحقوق المكتسبة عند تاريخ استحقاقها. ولم يقتصر الأمر على رواتب المعاش، بل تعدى ذلك إلى حرمانهم من العديد من الحقوق المكتسبة الأخرى ذات الصبغة المادية والاجتماعية ،وذلك في إخلال صارخ لإدارة الشركة بالتزاماتها ومسؤوليتها الاجتماعية. وهذا ما أدى بمجموعة من المتقاعدين المعنيين إلى اللجوء إلى القضاء في نهاية سنة 2004 من منطلق ثقتهم في القضاء وإيمانهم الراسخ بعدالة قضاياهم ومشروعية مطالبهم. وقد لجأ المعنيون بالأمر إلى القضاء العادي بحكم اختصاصه في النزاعات القائمة بينهم وبين الشركة، التي كانت ولاتزال تمارس أنشطتها في إطار النصوص القانونية المنظمة للقطاع الخاص في تدبير قطاع التبغ بالمغرب. وهكذا وبوصفها شركة مساهمة، فإنها تخضع على الأخص، لقانون الشركات في ما يتعلق بأنشطتها الصناعية والتجارية ولقانون الشغل في ما يتعلق بتدبير الموارد البشرية. وفي ما يتعلق على الأخص بملف تخفيض رواتب المعاش، فإن اللجوء إلى القضاء العادي ينبع من كون الحقوق المتنازع عليها اكتسبت في إطار صندوق التقاعد الداخلي الذي كان تدبيره يقع على عاتق الشركة وكان يمثل جزءا لا يتجزأ من منظومة داخلية لتدبير الموارد البشرية إلى جانب نظام داخلي للمستخدمين مقتبس من مدونة الشغل. كما أن مقاضاة الشركة تعود إلى كون هذه الأخيرة أخلت بالتزامها في ما يتعلق بتحمل كلفة التخفيض، علما بأن النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد اقتصر دوره على تسلم مستحقات المعنيين بالأمر وأدائها لهم على شكل رواتب للمعاش. إلا أنهم لم يكونوا يتوقعون أن يعيشوا، منذ حوالي عشر سنوات،معاناة طويلة وشاقة مع إدارة الشركة ومع القضاء،وهي المعاناة التي لازالت مستمرة إلى اليوم ولم تنته فصولها بعد. ففي شهري مايو ويونيو 2009 وبعد حوالي ست سنوات من اللجوء إلى القضاء وبعد مباشرة جميع إجراءات التحقيق من خبرات وغيرها، أصدرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في الشطر الأول من الملفات المعروضة عليها، قرارات قضت بأداء الشركة لكلفة مقابل التخفيض للنظام الجماعي لصالح المعنيين بالأمر مقابل استفادتهم من رواتب معاشهم كاملة ابتداء من تاريخ استحقاقها. ولم يتم تنفيذ هذه القرارات إلا في شهر شتنبر 2011،وذلك بعد تماطل الشركة لمدة طويلة وبعد سلوكها للعديد من المساطر بهدف إيقاف التنفيذ وكذا بعد اللجوء إلى حجوزات لدى الغير على حساباتها البنكية. وقد نتجت عن ذلك تسوية وضعية معاش المعنيين بالأمر وتوصلهم باستدراكات المبالغ المخفضة من رواتب معاشهم منذ سنة 2004. وبالتزامن مع ذلك، تقدمت إدارة الشركة بالطعن بالنقض في هذه القرارات أمام محكمة النقض، مدعية أن تحملها لكلفة تخفيض رواتب المعاش سيعصف بتوازنها الاقتصادي. وخلافا لذلك وبفضل نتائجها الاقتصادية والمالية المتميزة، فإن الشركة المغربية للتبغ توجد في وضعية مادية جد مريحة توفر لها فائضا في التمويل لا يتاح حتى لكبريات الشركات والمقاولات الوطنية التي تسبقها في الترتيب. ذلك أن كلفة مقابل التخفيض المتعلقة بجميع المحالين على التقاعد في عملية المغادرة الطوعية تمثل أقل من سبعة (7 ) أيام من مبيعات الشركة من التبغ المصنع ومشتقاته. وعلى سبيل المقارنة، تجدر الإشارة إلى أنه، بعد إدماج صندوق التقاعد الداخلي لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد قبل خمس سنوات، شرعت إدارة المجموعة في تحمل كلفة مقابل التخفيض عن جميع حالات الإحالة على التقاعد قبل الأوان. وبتاريخ 20/10/2011 وفي خطوة مفاجئة وغير متوقعة، أصدرت محكمة النقض بالرباط، قرارات قضت بنقض البعض من الملفات المعروضة عليها ، وذلك بناء على وقائع غير صحيحة سواء في ما يتعلق بموضوع الدعوى أو في ما يتعلق بالجهة المدعى عليها. ومباشرة بعد ذلك، دأب دفاع الشركة على الإدلاء بهذه القرارات أمام المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف بهدف التأثير على هيئات الحكم. وهكذا وبفعل إخلال الإدارة السابقة للشركة المغربية للتبغ بمسؤوليتها الاجتماعية وبفعل تعثر الملفات المعروضة على القضاء، فإن المتقاعدين المعنيين بالتخفيض وجدوا أنفسهم، في خريف عمرهم، في دوامة حقيقية من الحيرة والترقب الدائمين، وذلك في الوقت الذي كان من المفترض أن يتمتعوا بتقاعدهم في جو من الراحة والسكينة بعد عدة سنوات من الكد والاجتهاد لجعل الشركة تتبوأ المكانة المرموقة التي أصبحت تحتلها في النسيج الاقتصادي الوطني. ويعقد متقاعدو الشركة آمالهم على قضاة محكمة النقض لإنصافهم ورفع الحيف الذي طالهم منذ حوالي 10 سنوات، والذي تسبب لمعظمهم في وضعية مادية مزرية نجمت عنها العديد من المآسي الاجتماعية والأسرية، ذلك أن ما تبقى لهم من راتب للمعاش بعد إخضاعه للتخفيض والاقتطاعات الاجتماعية وغيرها، يكاد لا يكفيهم لمواجهة ضرورات الحياة اليومية.