منذ توقيع المحضر المشترك بين النقابات الأكثر تمثيلية ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني يوم 14 نونبر الجاري، لوضع حد للتوتر الذي نجم عن حرمان 990 أستاذا وأستاذة من اجتياز الامتحان الشفوي للدخول إلى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، عرف ملف المجازين بدوره تصعيدا ملحوظا حول مطالب الترقية بالشهادة وتغيير الإطار... وقد رافقت هذا التصعيد حملة مخدومة ضد النقابات الموقعة على المحضر المشترك، مما يجعل المتتبع يطرح السؤال حول الخلفية التي تحكم هذا الاستهداف وحول طبيعة وأهداف هذا التحرك الآن. إن سؤال توقيت هذه المعركة، لا يمس ملف المجازين الذي طرحته النقابات منذ سنوات، بل يطرح باعتبار أن اختيار التوقيت يتحكم بشكل أساسي في المسار الذي سيحدد مصير المعركة، لأنه يضعها في سياق محدد قد يساعد على حل الملف أو عرقلته. وفي هذا السياق فإن المجازين لم يختاروا، في نظري، التوقيت المناسب لطرح ملفهم ولا حتى الأسلوب، فوزارة التربية الوطنية ما زالت لحد الآن لم تعلن عن النهج الذي ستسلكه تجاه قطاع يشهد الجميع أنه يهوي ويغرق في أزماته المتعددة، ولم تفتح بعد أي حوار حول ملفات العاملين بالقطاع التي تنتظر البت منذ سنوات باستثناء الملف المشار إليه أعلاه، مما يعطي فرصة لكل المتربصين بالقطاع والمأجورين لطرح أسئلة مشككة حول دوافع وأهداف طرح المشكل في هذا التوقيت بالذات، وطرح ملفات على رأسها ملف قانون الإضراب الذي بدأت بعض الجهات تلوح بضرورة إقراره لوقف موجة الإضرابات. إلى جانب ذلك فإن طرح ملف الإجازة والشهادات في فترة يعرف فيها القطاع تدهورا كبيرا على مستوى المردودية الداخلية والخارجية، وبشكل معزول عن باقي ملفات القطاع التربوية والمطلبية، لا يشجع الجهات الحكومية والوزارية كمشغل على المزيد من المصاريف على قطار لا تعرف وجهته. وبالتالي يتحول الإضراب في هذه اللحظة من وسيلة للضغط إلى أداة لاستنزاف المأجورين، خصوصا وأن الحزب الأغلبي في الحكومة يتفاخر بأنه صاحب الإنجاز التاريخي في تقليص عدد الإضرابات بفضل فرض الاقتطاع من أجور المضربين. إن الخطر الذي يهدد معركة المجازين هو بقاؤها معزولة، وبدون أفق مطلبي واضح. فالجهات التي تساند هذه الحركية تعلم أنها لا يمكن أن تفاوض الوزارة لأنها من جهة لا تملك التمثيلية، وبالتالي يعطى للمساندة معنى آخر لا علاقة له بالملف. كما أنها لا تستطيع الالتزام بتحقيق المطالب المرفوعة في الأمد المنظور وتحقيق ما يقنع المجازين بالعودة إلى الأقسام. فالمطالب المطروحة، وبالخصوص مطلب الترقية بالشهادة، يلزمها تعديل النظام الأساسي للقطاع. إن هذا النظام الصادر سنة 2003، وبعد انتهاء المرحلة الانتقالية الأولى سنة 2007 التي تبيح للوزارة الترقية بالشهادات مباشرة. وبعد تمديدها، بتدخل من النقابات الأكثر تمثيلية، إلى سنة 2011 ، لم يعد هناك ما يلزم وزارة التربية الوطنية قانونا بترقية حملة الشهادات إلى الدرجة الأعلى مباشرة. لذا فالرجوع إلى وضع ما قبل 2003 يستلزم تعديل النظام الأساسي للقطاع أولا، وهي عملية يعرف الجميع أنها لن تتم في الأفق المنظور لعدة أسباب لا داعي للخوض فيها حاليا. من هنا أتخوف من المآل الذي يتطور فيه الملف وحركية المجازين، وبقائها معزولة عن أية حركية لقطاع التربية والتكوين والقطاع العام بشكل أشمل. إن المفاوضة الآن ممكنة مع وزارة التربية الوطنية حول آفاق فتح ترقية المجازين للدرجة الممتازة، خصوصا بعد أن قررت الحكومة التوظيف بالإجازة. دون أن يعني ذلك أن معركة الدرجة الممتازة مضمونة، فهذا يقتضي تنسيق النقابات القطاعية من جهة ووحدة المعنيين حول نقاباتهم بعيدا عن المزايدات والانفعال. خارج هذا الشرط يبقى رهان ربح المعركة محاطا بالكثير من علامات الاستفهام. الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش)