بعد تفجر عملية سرقة صندوق ضريح مولاي بوعزة، إقليمخنيفرة، وبدء التحقيق فيها من قبل الدرك والأمن في تفاصيل وملابسات ملف هذه القضية، ومع الأطراف المشرفة من قريب أو بعيد على الضريح لتحديد المسؤوليات، سيما في انتشار ما يفيد أن الأموال المسروقة جلها من الهبات الملكية المخصصة للأضرحة والزوايا، وبينما قادت التحريات الجارية إلى «إيقاف» أربعة «مقدمين» يزاولون مهامهم بالضريح نيابة عن دواوير الكناويين وآيت الشيخ وآيت عزوز والعوام، تناسلت الكثير من التساؤلات والشبهات حول دواليب هذا الضريح ومداخيله التي تعد بالملايين، وحول الأشخاص المسيطرين على زمام أموره، بينما ارتفع حديث الشارع المحلي عن تجاوزات تستدعي من السلطات الأمنية والجهات المسؤولة تعميق البحث فيها، حتى أن نشطاء «فايسبوكيين» اعتبروا ما جرى «سرقات واضحة» وليس لغزا غامضا. وتجري التحقيقات، منذ السبت تاسع نونبر 2013، في ملف القضية دون تسرب ما يكفي من المعلومات المفيدة، إلا أن بعض المعطيات، التي حصلت عليها «الاتحاد الاشتراكي»، أكدت توقيف «المقدمين» الأربعة، بعد عملية اقتحام لبيوتهم وتفتيشها دون العثور على أثر للأموال المسروقة من الضريح، حسب زعمهم، وأن واحدا منهم قال بأنه اشتكى لإحدى الجمعيات الوطنية من عملية تهديد وترهيب تعرض إليها ابنه، واتهامه بتبذير نقود الضريح، رغم أن عمره لا يتجاوز 14 ربيعا، ما اعتبره والده، على حد رأيه، محاولة فاشلة لصرف الأنظار عن المتورطين الحقيقيين. المقدمون المعنيون بالأمر لم يظلوا مكتوفي الأيدي وهم يراسلون مختلف الجهات المسؤولة في شأن «طردهم التعسفي» من الضريح، بدعوى اتهامهم من جانب جماعة الضريح بالوقوف وراء السرقة، حيث ينفون ما نسب إليهم، ويؤكدون أن مهمتهم بالضريح تجري وفق عادة التناوب المتعارف عليها على مدى سنة واحدة فقط ليتم تعويضهم بأشخاص آخرين، كما أن مفاتيح صناديق الضريح، حسب قولهم، توجد بيد الشخص الذي تم اختياره بطريقة عرفية «نقيبا» على شؤون الضريح، وهذا لا يعني إعفاء هذا أو ذاك من مسطرة المتابعة والتحقيق. وحسب شكاية موجهة من طرف «مقدمي الضريح» إلى ديوان المظالم، حصلت «الاتحاد الاشتراكي» على نسخة منها، أن اتهامهم بالسرقة ليس وليد اليوم، إذ كلما تقدم أحفاد الولي الصالح مولاي بوعزة للمطالبة بحصتهم من الهبات الملكية التي يسلمها جلالة الملك للضريح كل سنة تعمد الجماعة المكلفة بشؤون الضريح إلى اتهام المقدمين المكلفين بالحراسة بسرقتها، ما يلمح إلى أن الجماعة المذكورة، في رأيهم، تستغل أموال الضريح بأشكال مشبوهة، حيث جاء في شكاية «المقدمين المطرودين» أن من ضمن ال 24 عضوا العاملين تحت إمرة النقيب, هناك من يتلاعب بأموال الضريح، بما فيها الهبات الملكية المخصصة لهذا الضريح، والبالغة 150.000,00 درهم سنويا، إضافة إلى مداخيل وريع الزيارات التي يتبرع بها الزوار، ولم يفت «المقدمين» ذكر أسماء الأشخاص المتهمين والمطالبة بإخضاعهم للمساءلة والمحاسبة. وفي ظل الاتهامات المتبادلة ما بعد تفجر موضوع السرقة، تساءلت بعض الأوساط المتتبعة للشأن العام عن مصير ملايين الهبات الملكية، ومداخيل الضريح من الذبائح المهداة للضريح، والتي تباع دون أن يعلم أحد بمآلها، إلى جانب مداخيل الأكرية عن دكاكين بمحيط الضريح وحمام وموقف للسيارات، علاوة على محل يستغله أحدهم بشكل غامض، ويتداول الرأي العام سيرة أشخاص اغتنوا في لمح البصر، وصاروا يملكون الأراضي الفلاحية والمنازل والمواشي، وعندما تم الترويج لما يفيد أن الصندوق المسروق لم يكن يحتوي إلا على مبلغ أقل من نصف المليون سنتيم، تساءل متتبعون عن مكان ملايين الهبات الملكية, ولماذا لم تتم المحاسبة عن السنوات الماضية؟ ولماذا لم يتم فتح الصندوق خلال عيد الأضحى المنصرم كما كان مقررا؟، أي قبل فترة قصيرة من حكاية السرقة التي ما تزال محاطة بكثير من الغموض، ويخشى الملاحظون أن يظل الأمر دون تحقيق عميق كالعادة تبعا للأعراف المسماة ب «العُرفيَّة» التي تعني عدم إشراك السلطات في شأن المداخيل والهبات التي تتوارد على الضريح، ولا حتى المطالبة بكشوفات حساباتها. وكان الرأي المحلي والإقليمي قد عاش على إيقاع اختفاء صندوق ضريح مولاي بوعزة، أو الولي «أبا يعزى» كما تلقبه كتب تاريخ التصوف المغربي، علما أن أرصدة الضريح غير مؤمَّنة ولا يقبل أحد من المشرفين عليها بإيداعها بحساب بنكي أو بريدي، والتي مصدرها تبرعات وهبات الزائرين، وكذا الهبات الملكية التي ينعم بها الملك، عبر لجن ملكية خاصة، على الشرفاء ومريدي الضريح في إطار دعم الزوايا والأضرحة، فضلا عن عائدات الذبائح وما يسمى ب»الفتوحْ» والميزانيات المخصصة لإصلاح هذا الضريح، وقد تضاربت الأنباء والتقديرات حول «رصيد الضريح» التي قدَّرها الكثيرون بالملايين الطائلة، على اعتبار أن الصندوق مثلا لم يفتح منذ حوالي خمس سنوات بسبب خلافات بين مريدي دفين الضريح أو من يسمون أنفسهم ب «الشرفاء البوعزاويين» وأحفاد الولي. مصادر «الاتحاد الاشتراكي» تحدثت عن حالة سطو كانت قد طالت كريات نحاسية من فوق مئذنة الضريح، والتي يعود تاريخها إلى عهد بعيد، إلا أن هذه المرة شددت أصوات الساكنة على ضرورة الكشف عن هوية الواقفين وراء سرقة أموال الضريح، مع الإشارة إلى أن سكان البلدة نظموا، خلال صيف عام 2011، مسيرة شعبية نحو بوابة الضريح للتنديد بما وصفوه ب «الاستحواذ» على صندوق الضريح من قبل حفنة من الأشخاص الذين يصعب الطعن في ما يفعلون. وكما سبقت الإشارة إليه بجريدتنا، فإن الولي مولاي بوعزة، الذي تحمل المنطقة وضريحها اسمه، يعد من أشهر أقطاب الصوفية بالمملكة، وقد عاش في القرن الثاني عشر الميلادي، ووردت حوله ترجمتان في كتابين شهيرين، هما «دعامة اليقين في زعامة المتقين» لأبي العباس العزفي، و»التشوف إلى رجال التصوف» لابن الزيات التادلي، إلى جانب آخرين تتلمذوا على يديه أو زاروه، وتتوافد على ضريحه الشهير عشرات الآلاف من الزوار من مختلف أنحاء المغرب، خلال نهاية شهر مارس من كل سنة، حيث فترة الموسم الديني للمنطقة.