بعد خطاب الوضوح جاء وقت العمل: بعد الخطاب القوي لجلالة الملك، بمناسبة ذكرى 6 نونبر حول الثقة في بناء الاستراتيجيات المشتركة بين المغرب والحلفاء الاستراتيجيين ، جاءت الزيارة لتؤكد عودة الإرادة في بناء الاستراتيجية المشتركة القائمة على الثقة. وقد اتضح ، من خلال البيان المشترك بين الرئيس الامريكي باراك أوباما وجلالة الملك محمد السادس، في نهاية الزيارة التي قام بها جلالته الى واشنطن، أن واشنطن اختارت ، بشكل واضح وبلا لف ولا دوران، الصف المغربي، لثلاثة اعتبارات استراتيجية على الأقل: أولا قضية الصحراء المغربية: وبخصوصها، كان هناك وضوح تام بين الزعيمين ، المغربي والامريكي ، تبين من خلاله دعم أمريكي صريح وبلا مواربة. لقد بذل خصوم المغرب مجهودا كبيرا، واستعملوا كل الوسائل (بما فيها الوسائل ... المشروعة..!!!) من أجل أن تقع القطيعة بين بلد يدافع عن حقه، بدون وسائل دعم لوجيستيكي هائلة، ودولة عظمى تملك القرار الدولي منذ نهاية الألفية السابقة،. وبالرغم من ذلك، فقد كانت المحصلة أن ساند أوباما خطة المغرب للحكم الذاتي للصحراء، واعتبرتها واشنطن «جدية وواقعية وذات مصداقية. ولم يتم الحديث عن توسيع مهام المينورسو ،والتي سبق أن تزعمتها إدارة الخارجية الامريكية نفسها في وقت سابق. وكانت المفاجأة أن الزيارة جاءت بأكثر مما كانت تتوقع كل النيات الحسنة المساندة لبلادنا. ولم يتم ذلك في إطار «حرب استراتيجية» بين الكتل، كما في سبعينيات القرن الماضي، باعتبار الحرب الباردة قاعدة التحرك المعادي للمغرب، بل على أساس «الشراكة الاستراتيجية» من أجل عالم أفضل. ويبقى أن هذا الربح الدبلوماسي لا يعني استرخاء الوطنية المغربية في الدفاع عن الصحراء، ولا تواكلا دبلوماسيا على كتف القوة العظمى، بل هو توضيح كان لا بد منه لإنصاف المغرب. ثانيا الريادة الديموقراطية: وهو تأكيد لا بد من الاشارة إليه والتسطير عليه بالأحمر. فقد اعتدنا، منذ مجيء الملك محمد السادس، والتقدم الذي أحرزه المغرب في ترسيخ تجربته في الانتقال الديموقراطي ، ثم في بناء النموذج الديموقراطي ، اعتدنا أن نتابع التنويه، بل الإشادة الكبرى بالتجربة المغربية أو الاستثناء المغربي. مع بزوغ الربيع العربي، وثوراته وانقلاباته، بدأ نوع من التفكير في كيفية تجاوز المحور التقليدي في التقدم الديموقراطي الى محور «الطريق السيار» الذي دشنته تونس، مصر وليبيا ، والبحث عن بدائل لترتيب جديد للتحالفات والاستشراف المستقبلي. وكنا نشعر، منذ تلك الفترة أن هناك ترتيبا لجر المغرب الى هذه البدائل أو تجاوزها لفائدة عروض استراتيجية جديدة. وتبين اليوم أن الاختيار المغربي، في تطوير نموذجه وفي تدبير انتقاله الديموقراطي والسير بطواعية وإرادة، على هذا الطريق ، بدون السقوط في قانون الاستحالة السياسية للحلول السلمية الذي أدى الى الحراك في المنطقة ، هو الاختيارالصائب والواقعي، بدون التفريط في احتياطي اللحظة التاريخية الإصلاحي. وبالرغم من أن السيناريوهات التي تقدم بها خصوم المغرب كانت تستند في كل مرة الى مبررات استراتيجية وأخرى إنسانية حقوقية- محور محاربة الإرهاب تارة وحقوق الانسان تارة أخرى - لتبرير وضع التنافر وسوء الفهم، وزرع بذور عدم الثقة بين المغرب وامريكا، فقد استطاع التاريخ أن ينصف المغرب والمغاربة. في هذا الباب وانتصرت الحكمة والقيم المشتركة بين البلدين. وعلى عكس ذلك الربط الشرطي الذي كانت تصاغ به البيانات في زمن سابق(تجربة المغرب مع الاتحاد الاوروبي، ربط الدعم الاقتصادي بالانفراج السياسي ). فإن الدعم الامريكي جاء بعيدا عن كل منطق الصفقة، حيث هناك دعم كبير للاصلاحات ورفعها الى درجة النموذج الذي يجب أن يحتذى به. وجاء في البيان «إشادة بالتدابير التي اتخذها العاهل المغربي، وبريادته في مجال تعميق الديموقراطية والتقدم الاقتصادي والتنمية البشرية خلال العقد المنصرم». والنموذج لم يعد محصورا في منطقة المغرب الكبير، ولا في الدائرة العربية الإسلامية، بل تعداه الى عموم منطقة إفريقيا، بما أن المغرب بوابتها .. ثالثا: الاستقرار والأمن الاستراتيجي للمنطقة: لقد سوقت العديد من العواصم في المنطقة على أساس أنها الحليف الاستراتيجي الذي لا محيد عنه في منطقة شمال افريقيا ،وفي دول الساحل وفي عمق إفريقيا. واستندت الأطروحات المعنية، على قوة النفوذ الاقتصادي، وعلى التجربة الطويلة في محاربة الإرهاب المحلي، وعلى قاعدة« أخلاقية» في دعم الشعوب المضطهدة. غير أن تطور الأوضاع، ومعرفة المغرب بالتحولات الحاصلة ومواكبتها، بالإضافة الى ما حققه ميدانيا من انخراط من أجل السلام والديموقراطية والتعايش في شمال افريقيا وفي عموم إفريقيا، أظهره بمثابة الدولة الصديقة والأمينة، بعيدا عن الابتزاز السياسي والاستراتيجي أو اللعب ببؤر التوتر، من الانفصال( كما في صحراء المغرب) أو دعم التجمعات الارهابية ، عبر السماح بتحالفها مع الانفصال أو عبر تشحيم دواليب التوتر في المنطقة بخيرات حرمت منها الشعوب المعنية بها.. لقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الإرهاب وصنوه الانفصال، وإضعاف قدرة الدولة وتفكيك بنياتها أو تغيير طبيعتها بدون أفق إصلاحي، كلها مخاطر تضعف الاستقرار وتهدد السلام العالمي، ولا يمكنها إلا أن تكون مبررات مرفوضة لكل من يريد للمنطقة مناخا من التطور والاستقرار. وأخيرا، فليس من باب الصدفة أن يتم، بالاسم وبالصفة، الإشارة الى دور ملك البلاد، باعتباره رئيس دولة نعم، ولكن أساسا رائدا للاصلاح وصاحب مشروع ديموقراطي تحديثي، يلتقي والأفق الإنساني المشترك حاليا. وهو ما لا يتم لأي رئيس دولة في المنطقة أو في مناطق تعيش مخاضات التحول ..