تمثل الزيارة التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للولايات المتحدة، بدعوة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مناسبة لتعزيز الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وفق شراكة متجددة قوامها المشاورات المتواصلة، من أجل تنسيق المواقف بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. ويعتبر هذا الارتقاء بالعلاقات المغربية الأمريكية إلى مستوى الحوار الاستراتيجي، الذي تخص به واشنطن فقط الدول التي لها أبعاد استراتيجية في علاقاتها الخارجية، تتويجا لمسلسل الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والذي جعله نموذجا بالنسبة لدول المنطقة.
وكانت رئيسة الدبلوماسية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون قد انتهزت مناسبة الجلسة الافتتاحية للدورة الأولى للحوار الاستراتيجي، في شتنبر 2012، لتنوه بصاحب الجلالة الملك محمد السادس وبالإنجازات التي قام بها في مجال الإصلاحات، التي جعلت، على حد قولها، المغرب "بلدا رائدا ونموذجا"، معربة عن تهانئها للمغرب الذي كان سباقا إلى التغيير في إطار تعزيز مسلسله الديمقراطي، في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحولات عميقة.
كما أكد البيان المشترك للدورة الأولى للحوار الاستراتيجي بين المغرب والولاياتالمتحدة، على أن "الولاياتالمتحدة تنوه بالإصلاحات الهامة والمبادرات التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي سبقت عقد هذه الشراكة الاستراتيجية"، والتي كان قد دعا إليها جلالة الملك خلال زيارته لواشنطن في يونيو 2000.
وذكرت هذه الوثيقة بأن الرباطوواشنطن عبرا عن "إرادتهما المشتركة" لدعم علاقاتهما الثنائية في إطار "حوار معمق، استراتيجي، ومفيد للطرفين"، وتعزيز التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والتربوية، وكذا للعمل سويا من أجل"تحقيق الأهداف الواعدة للدستور المغربي الجديد".كما شكل البيان المشترك مناسبة لتجديد التأكيد على الدعم "الواضح" و"الثابت" للولايات المتحدة للمخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء، الذي وصفته إدارة أوباما ب"الجدي والواقعي وذي المصداقية"، كما أنه يمثل مقاربة قادرة على"تلبية تطلعات ساكنة الصحراء في تدبير شؤونها الذاتية في سلم وكرامة".
لكن جودة العلاقات المغربية الأمريكية لا تقتصر فقط على الجهاز التنفيذي، بل تجد لها أيضا صدى طيبا على مستوى غرفتي الكونغرس الأمريكي، سواء لدى الديمقراطيين أو الجمهوريين.وفي هذا السياق، أعرب العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي، في مرات عديدة، عن تأييدهم لإيجاد حل لنزاع الصحراء يقوم على المخطط المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو ما اعتبره المعلقون بواشنطن "دعما هاما وواضحا" للمقترح المغربي. ويتعلق الأمر هنا بديان فينشتاين، رئيسة لجنة الاستعلامات، التي يبقى صوتها حاسما في تحديد سياسة مكافحة الإرهاب بالولاياتالمتحدة، مرورا بجون ماكين السيناتور المحترم جدا عن ولاية أريزونا، والذي اضطلع بأدوار هامة في العديد من القضايا الإنسانية على الصعيد الدولي، إلى جانب الدور الهام الذي لعبه خلال الانتخابات الرئاسية الثلاث الماضية.
إن النجاح الذي حققته الشراكة المغربية الأمريكية، انطلاقا من اتفاقية التبادل الحر التي دخلت حيز التنفيذ منذ سنة 2006، إلى الحوار الاستراتيجي بين البلدين، مرورا بتعيين المغرب حليفا رئيسيا للولايات المتحدة خارج حلف الشمال الأطلسي، يعكس الواقع التاريخي للبلدين الذي يمتد لنحو 225 سنة، والذي نجح دائما في تجاوز العقبات والأحداث الطارئة.