1 نُمْسي على تعب النّهار ونصبح على تفكّك الليل. ليْس أمامنا غير التشبّت بذيْل الحياة حتى لا ننقرض. لكنّنا نسير في طريق الانقراض رغْما عنا. نحن جيلٌ منقرضٌ، فهل تحقّقتْ أحلامنا ببناء مدينتنا الفاضلة كما كُنا نتوهّم؟ لا... كلّ أحلامنا كانت مستحيلة ولم يتحقّق منها أيّ شيء. هكذا دبّ اليأس إلى قلوبنا ولم يبْق أمامنا غير الذهاب إلى القبر لنستريحَ إلى الأبد. أنتَ الذي سفك دمي، أنت، بكذبك وبهتانك وريائك، ماذا تريد مني بالضبط؟ لا شيء بقي يجمعني بك، أنا الآن في خريف العمر، وأنتَ ما زلتَ تتصابى وتتهافت على النُّجومية والأناقة المزيّفة والانسلال إلى الملتقيات والجرْي وراء الأوهام. أنت وهمْ، أما أنا فلا أخلع صاحبي. نتوغّل في الزّمن ونترك وراءنا أحلاما مُجهضة، ليْس لنا خيار غير الصبر، كتبنا وكتبنا ولمْ نحْصد غير الخيْبات والانكسارات. نحن جيل مكْسور الأجنحة، نحن جيل العدم مصابٌ بالنرْجسية وحبّ الظهور والارتماء في أحضان المكائد والنّمائم والضرب من تحت الحزام. إلى أيْن نتجه؟ يحملنا الزّمن على كاهله ليوصلنا إلى رَقْدَتنا الأبديّة، أنت الذي سفك دمي، ليس بجفونك، ولكنْ بخُبثك، فتسلّحْ بالحقيقة إنْ استطعت، إني لكَ من الصّابرين. لقد هرمنا، وها نحنُ نوغل في الوقت الصّعب إلى ما لا نهاية، زادنا الصبر وانتظار الذي يأتي والذي لا يأتي. نحنُ نستقطع من الوقت ما يناسب رغباتنا، كلّ هذا كيْ نستدعيَ الفرح إلينا ونتركَ اليأس وراء ظهورنا المَحْنيّة بفعل عامل الزّمن، نحن زمن عابر، ولا شيءَ سنتركه غير حروفنا وأسمائنا، من سيتذكّرنا بعد نهايتنا الأبدية؟ زفزاف، شكري، المجاطي، عبد الله راجع، خير الدين، بركات، الجوماري، عبد المجيد بنجلون، عمران المليح، الخ. من يتذكّرهم اليوم؟ لقد مرّوا في زمن عابر. 2 هرمْنا، وماذا بعد؟ إنّ هذه القولة الشهيرة لذلك المواطن التونسي المسنّ، مثلنا، نحن الجيل المنكسر، التي فاه بها أثناء الانتفاضة الشعبية ضدّ نظام زين العابدين بن علي البوليسي، هذه القولة لَمِنْ شأنها أن تعيدنا إلى ذواتنا المشْروخة، مثل المرايا الصّدئة، المهزومة حتى من دون حرْب، المُشرفة على هاويتنا السّحيقة. ثمّ ماذا بعد الهَرَم؟ لا شيْءَ سوى القبْر. إنّ الشيْخوخة لَحَتْميّة طبيعيّة، بل دليل على نهاية مرحلة متجذّرة في الأرض وفي الحياة وفي الكتابة، لكنّها مليئة أيضا بالأفراح والانكسارات. هرمْنا فعْلاً، وهي كلمة تخصّنا جميعا وبدون استثناء، لكنْ عند النساء، ليس هنالك أسوأ من أنْ تسألهنّ عن أعمارهنّ، فذلك مُنتهى الحكم عليهنّ ب»الإبادة الجماعية». فالمرأة، أية امرأة، لا يهمّها غير أنْ تبقى «شابّة» أبد الدهر، مُشتعلة بالحياة. أمامنا نموذج المطربة اللبنانية «صباح»، التي أنهكها التجميل. هكذا هي المرأة، تلجأ إلى المساحيق والعُطور كيْ تتشبّت بالزمن، ونحن؟ نحن جيل غارق في الهرم حتى الأذنيْن والرجليْن، لا مُنقذ لنا من سُباتنا سوى الأوقات المسروقة من زمننا الضائع. هرمنا. نقولها بكل صراحة وحزن أيضا. ما الذي ربحناه وما الذي خسرناه؟ ربحنا المحبّة والكره الشديد، وخسرنا الوقت وجزئياته. ذلك أننا لم نستطع أنْ نقوم بأيّ تغيير على جميع الأصعدة: ابتداء من الفعل السياسيّ إلى الاجتماعيّ إلى الثقافيّ. فالحساسيات الذاتية، الزائدة على حدّها، والولاءات المتكاثرة، والتحالفات السّرّية، ضدّ هذا التيار أو ذاك. كلها كلفتنا الكثير من المآسي، إذ في الجانب الآخر من نهر الدولة، تكمن قوى أخرى، قوى رجعيّة وظلامية، قوى رافضة أيّ تغيير جذريّ حفاظا على مصالحها الشخصية. هرمنا، ها هو اليسار يشيخ وينتج «زعامات» وهميّة. ها هو اليمين ينتعش، ها هو الإسلام السياسي يهيْمن على المشهد العام، فما هو مغربك أيّها الكاتب المُفترض؟