أول ما يتبادر إلى الدهن، هو كلمة بعيدة لبيير ديبوروج، عن الأناقة الأخلاقية للمرأة التي لا تتملكها الرغبة في حمل السلاح، لكونها في الوقت ذاته تحمل فكرة الصمود والصراع من أجل الحياة لابنتها. في فيلم «يوم وليلة» الطويل، لنوفل براوي، تعملقت السيدة ثريا العلوي، في دور «يزة»، كما لو أن القصة وجدت لها خصيصا والفيلم كله، «سينما الومن وان الشو». يفتتح المشهد على زوجة رجل يسكن البيضاء هي «يزة»، و العجوز والدته. في بقاع يصلها العالم الخارجي بالتقسيط أو عبر الشاحنات. الزمن البطيء الذي تعيش فيه الأسرة يتغير فجأة وبعنف، عندما يتأكد بأن الزوج لم يرسل الدواء، الغالي الثمن الذي تتناوله ابنتها .. تصل إلى البيضاء، ويتعطل التواصل، لأنها اعتمدت على اتصالات المغرب،، وعلى الصدفة السيئة التي أسقطت هاتف الزوج النقال في الماء، فتعذر الاتصال. تبدأ تجربة أخرى ل«يزة» بالبيضاء، ولقائها مع سميرة، فتاة الهوى، التي تسلم بقدرها في البيضاء بدون مرجع . تبدأ تداخلات الفضاء البيضاوي مع فضاء القرية البعيدة، بساطة «يزة» وانغلاقها على قيم المجتمع مع سميرة الضائعة في ضجيج اللذة والبؤس في العاصمة الاقتصادية. عالمان يتقاطعان فوق جسد (سميرة والأخريات)، في حين تحلم «يزة» باللقاء مع الحسين (الزوج) والعودة بالدواء. الفيلم يقوم على تقابل آخر، شيريتو، كلب «نور»، وبين الابنة المريضة في أعالي الجبل، هناك في الأقاصي حيث الطبيعة تمتحن صلابة الروح والجسد، وتمتحن القدرة على البقاء. تخلق ثريا العلوي شخصية «يزة»، بقامة عالية، كما يخلق عمر لطفي، بعيدا عن القصة المركزية، شخصية المهرج.. الذي ينزاح بقصته الرومانسية بعيدا عن الموج المتلاطم، ويبقى وحيدا لينقذ في النهاية «يزة» ويساعدها على العودة إلى البيت. المواصفات التجسيدية، التمرين اللغوي على اللكنة، المفارقات...، كلها بنت الشخصية وأيضا خلقت أجواء عميقة من الفرجة، ومن التماهي بين الجمهور والفيلم، ذلك الجمهور الذي حضر بكثافة ملأت جنبات قاعة كبيرة مثل قاعة سينما الريف بالبيضاء، وأيضا وأساسا خلقت له مبررا لكي يبقى طوال الفيلم .. وإلى النهاية . هناك متاهة في الفيلم، متاهة يتلمسها السيناريو ما بين الفضاءين القروي والحضري، بين شخصيات تكاد تكون ثابتة في المغرب العميق، وأخرى تتراوح بين قمة اللذة وسهولة السقوط.. هي أقدار، أيضا، بدأت تسير نحو بيضاء جديدة، بيضاء يلعلع فيها صوت الداعية حميد كشك، في دلالة على حضور قوي للدعوة والماضي، في طاكسي ينقل «يزة» البسيطة القوية بهويتها رغم بداوتها المغلقة ( كانت فكرة ذكية، تلك التي جعلت حضور «يزة» يثير السخرية من الإمام الشيخ، لأنها تعيش بساطتها وتدينها بدون كلامه الغليط). الزمن، يوم وليلة، كما يدل عنوان الفيلم، لكي تعري البيضاء، والمغرب عن كل تناقضاته، وترتسم شخصية قوية للممثلة ثريا العلوي. بإيقاع مترنح، أحيانا يغرق في الجزئي (لا سيما في البداية)، تكتب القصة نفسها بأقدار متلاطمة، في حاجة إلى معنى ما، إلى خيط ناظم لحياتها، حيث الخفة التي لا تحتمل، في ڤيلا نور، وزوجها والساهرين معها والمغني، الذي يقدم نفسه على أنه «راجل» وتسخر منه «يزة».. وقبل ذلك، كان القدر يجتهد من أجل ألا تلتقي «يزة» و«حسين»، رغم وجودهما في نفس البيت. ربما دليلا على وجود زيجات كثيرة تنتجها العلاقات الاجتماعية والمواضعات العائلية، في المغرب الصامت، ولا شيء فيها يربط بين المرأة المكافحة و«حسين» الذي يحلم بسيارة، ويقرض المغني ألف درهم، هو الثمن الذي جاءت من أجله «يزة»، ثمنا لدواء البنت المريضة في أعالي الجبال. فيلم قوي، بشخصية قوية، بسرد فيلمي يسعى إلى بناء أقدار رهيبة بقصص بسيطة. كما كان بيكاسو يردد: «هناك أشخاص يجعلون من الشمس مجرد لطخة صفراء، وآخرون يصنعون من كل لطخة صفراء شمسا». وقد كانت بساطة «يزة» صعبة للغاية في عالم معقد باعتبارها آخر حدود التجربة المغربية في العلاقات، وآخر مجهود نبذله من أجل إبراز عبقرية ما في حياتنا المشتركة.