يعتبر ميدان التربية و التعليم كمجال تداولي للقيم و الغايات والمرامي و الأهداف المأمول تحقيقها: تعبيرا اجرائيا عن طموحات الشعوب وفلسفتها الاجتماعية و تصوراتها الشمولية حول سِؤال الوجود و متعلقاته السوسيو اقتصادية و الثقافية و الأخلاقية و الحضارية الكونية...وبمعنى آخر, فهي الضامن الفعلي لاستمرارية و تقدم شعوب العالم بصفة عامة و شعبنا المغربي بصفة خاصة. وإذا ما تأملنا في النظام التربوي في نموذجه المتقدم في الدول القائدة للعالم في زمننا الراهن عامة.نجد انها توليه ما يستحق من الأهمية و تعطيه القيمة الاجتماعية و المادية والسيكولوجية, بل حتى الجمالية التي تليق به من حيث تجهيز المؤسسات التربوية بكل مل تحتاجه من لوجستيك ديداكتيكي و بيداغوجي حديث و متجدد ,و ذلك في انسجام مع المستجدات التقنوية في العصر الراهن. من أجل ضمان وضع مستقر و متميز لقطاع التربية و التعليم متميز عن باقي القطاعات و موصول بها في الآن ذاته من خلال الارتباط بسوق الشغل و متطلبات الدولة من الموارد البشرية و المؤهلة على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و الحضاري العام.الى جانب ربط الجامعات بميدان البحث العلمي و الابداع.بدليل الرقم المرتفع لميزانية البحث العلمي في هذه الدول.ومن جهة أخرى نجد بساطة و قصدية بيداغوجية مستنيرة و حداثية تراعي الجوانب الوجدانية و السوسيو سيكولوجية و النمائية و الا دراكية... للفئة المستهدفة من برنامج التربية و التعليم والنظام التربوي العام لأنها تعتبره مجالا فعالا للاستثمار البشري.هذا ما يبرر ان للتعليم قيمة تاريخية و حضارية تقدر أن تحسم في سيرورة تقدم الشعوب او تخلفها. وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد التجربة الانكليزية و الألمانية و تجربة جنوب شرق اسيا(اليابان .سنغفورة.كوريا الجنوبية) في التنوع و التقدم التربوي الفائق و انعكاسات ذلك الايجابية على موقع تلك الشعوب و الدول اقليميا و دوليا في واقع لا يؤمن الا بلغة العلم و التقنية و السرعة و رأس المال.من هنا نجد ان النظم التربوية المتقدمة ليست من باب المستحيلات في واقعنا المتخلف.و لكنه يحتاج لارادة حقيقية للتغيير . تحتاج لتضحيات و كفاح فكري ونفسي و حضاري وطني مستمر لتجاوز المنظومات التربوية المترهلة في دولنا المتخلفة. و في سياق آخر لا مجال للمقارنة مع شساعة الفارق.اذ نجد حدا فاصلا الى درجة التناقض مع مانريد و ما هو كائن.نجد بيداغوجيات مستوردة (بيداغوجيا الادماج مثلا) تم وضعها كحل سحري لواقعنا التعليمي المكلوم.الى جانب مقررات معقدة و طويلة تجعل التلميذ في عصر(الأيباد و التقنية المتطورة)يحمل محفظة ممتلئة بمواد و كتب كثيرة و مرهقة ذهنيا ووجدانيا و نمائيا و ماديا بالنسبة للأسر الفقيرة...الى جانب خصاص مهول في الموارد البشرية و اضطراب مستمر في المواسم الدراسية بسبب الاضرابات و الاحتجاجات التي تدافع تارة عن المدرسة العمومية المغربية و مجانيتها... و أحيانا أخرى عن مطالب فئوية مشروعة للشغيلة التعليمية المقهورة برداءة ظروف العمل و تجميد الأجور وغلاء الأسعار و متطلبات الحياة اليومية .و في ما يسمى بالعالم القروي هناك أبهى مظاهر الاهمال و عدم توفير التجهيزات الأساسية من ماء و كهرباء و سكن لائق وغياب تعويض عن العمل في المناطق النائية يضمن استقرار المشتغلين في هذا المجال الصعب, و دون الغوص في تناقضات منظومتنا التربوية في المغرب لأنها كثيرة !! نرصد ببساطة اختلالات عميقة و بنيوية مستشرية كل يتقاسم نصيبه منها و مسؤوليته فيها,حسب دوره و موقعه و طبيعة موقفه ايجابا أو سلبا.و لكن من يتحمل النصيب الأوفر هو من يتهاون في اصلاح منظومتنا التربوية و يكرس لسياسات تعليمية لا ترقى الى درجة المتعارف عليه دوليا و كونيا.و يحاول ان يحمل العاملين في قطاع التعليم(الأساتذة خصوصا) ما لا يتحمله أحد من المسؤولية عن سؤال فشل التعليم في المغرب ? تأسيسا على ما سبق :يتبلور لدينا سؤال الراهن حول ما العمل لتجاوز أزمة التعليم في المغرب ?هل التقليد و محاكاة النماذج المتقدمة بترجمة حرفية هو الحل ? كيف المرور الى ملامسة جوهر الاختلالات الواقعية الصريحة لأزمة التعليم في المغرب دون مزايدات سياسية و ديماغوجية ?ما هو السبيل الى بناء تصور شمولي يمتح من الهوية المغربية الأصيلة و ينفتح على السيرورات التربوية العالمية دون تغييب الذات و الثقافة و الانسان و الوطن ? من خلال تساؤلاتنا المشروعة عن واقع حال منظومتنا التربوية و مدخلاتها و مخرجاتها المعرفية و الثقافية و السياسية و السوسيو اقتصادية.لم نرد اعطاء حكم قيمة أو حلول جاهزة.و انما ندعو كل الغيورين على التعليم ببلادنا الى التفكير بصوت مرتفع و بهدوء في أزمة التعليم و بنيتها و امتداداتها و أسبابها و عمقها في المخيال الشعبي المغيب عنها, لفتح أوراش كبرى للاصلاح و التنمية و زرع الأمل في المستقبل للقيام بالثورة النفسانية حسب عبد الله العروي.و الدخول في تجربة مساءلة الذات و العقل المغربي بجوهره و فكره لتجاوز واقعه المتشظي.و لملمة تصوراته التي بيدها وحدها حل أزماته و ربطه بمنظومته التربوية من جهة.و بمجال الفكر الانساني من جهة أخرى.دون تيه في تجريح الذات و البحث عن مشجب وهمي لنعلق عليه المسؤولية و بالتالي نعمق الأزمة.فالمسألة خصوصية وطنية و عشق للحضارة و الحداثة و التقدم الشامل.و ليس دوغمائية أو استيهام أو عبث باسم الحقيقة أو ارتماء في الماضي و تجاهل لرهانات الحاضر و المستقبل الذي يعدنا قطعا باشراقة وجود قادمة و لو بعد حين.