تعرض الروائي المصري علاء الأسواني إلى محاولة اعتداء من طرف عناصر تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، أثناء تقديمه في باريس لروايته الأخيرة «نادي السيارات» (دار الشروق، 2013). و قد فوجئ الفرنسيون بمحاولة الاعتداء هذه على أرض فرنسا التي تعتبر منذ قرون عاصمة للأنوار و حرية التعبير. و فعلا، فقد وجد الأسواني في الطبقة المثقفة الفرنسية سندا كبيرا في هذه الواقعة الشنيعة. وكان على رأس المساندين مترجم أعماله الديبلوماسي «جيل غوتيي»، الذي ترجم للأسواني روايتيه «عمارة يعقوبيان» ( أكت سيد، 325 صفحة، 2006) و « شيكاغو» ( أكت سيد، 458 صفحة، 2007). وقد صرح مترجم الكاتب المصري أنهم في فرنسا يرفضون تكميم الأفواه. وربما قد تكون هذه مناسبة لتقديم هذا المترجم الفرنسي العاشق للغة العربية. و ربما في قصة ترجمته ل «عمارة يعقوبيان» أمثولة شيقة لعلاقة كل مترجم بعمل يأسره. و رغم خلو الروايتين، «عمارة يعقوبيان» و «شيكاغو» من تقديم أو كلمة عادة ما تجيئ على شكل «كلمة المترجم» أو «تقديم المترجم»، إلا أن «غوتيي» عبر في مناسبات عديدة، مقالات و حوارات»، عن سياق ترجمة العملين. و ربما حضوره مع الأسواني أثناء مناقشته لعمله الروائي الأخير «نادي السيارات» إشارة إلى أنه يعمل على ترجمتها. شغل «غوتيي» منصب قنصل عام لفرنسا بالإسكندرية. و بعد انتهاء مدة عمله عاد إلى باريس حيث شرع في العمل في لجنة إغاثة اللاجئين. في هذه المرحلة قرأ رواية «عمارة يعقوبيان». لقد انقطعت ممارسته للغة العربية، و عبر هذا العمل ستعود ملكة اللغة العربية من جديد. سحرته الرواية كثيرا فبدأ يقرأها في كل مكان، في المترو، في المكتب، في البيت... وبعد إنهاء قراءتها اتصل بصديقه «ريشار جاكوموند» الذي كان يعمل حينذاك في «شعبة الترجمة و الترجمة الفورية في مركز الثقافة و التعاون بالقاهرة». طالبا منه التوسط من أجل ترجمة الرواية إلى الفرنسية. و طبعا كان رد «جاكموند» سريعا و إيجابيا، كيف لا و هو مترجم عاشق للرواية المصرية التي ترجم منها إلى الفرنسية أعمالا مصرية في مقدمتها « صراع مع القمر» للروائي مجيد طوبيا، ضمن سلسلة «آداب عربية» التي خرجت إلى الوجود بفضل معهد العالم العربي، سبق ثلاث روايات هي: «أصوات الفجر» لفؤاد التكرلي، و «حكاية زهرة» لحنان الشيخ، و « بين القصرين» لنجيب محفوظ. و قد كان «جاكوموند» فخورا بكتاب مجيد طوبيا الذي يضم أربع روايات قصيرة جل أحداثها تدور في ريف مصر، «حيث يواجه المصري القوى السوداء على الأرض و في السماء»، حسب تعبير المترجم. نفهم من ذلك أن اتصال «غوتيي» ب «جاكوموند» كان ذا قيمة كبيرة، فقد سبق له أن ترجم أعمالا مصرية، بل إن نية غوتيي هي أن يقوم «جاكوموند» بمراجعة ترجمته ل «عمارة يعقوبيا»، وهو الأمر الذي كان. فقد سلم «غوتيي» عشرين صفحة مترجمة على «جاكوموند» الذي أعجب به و شجعه على إنهاء العمل. بعد ذلك انتقل المترجم على القاهرة حيث التقى الأسواني في عيادته لطب الأسنان. و لأن الأسواني يعرف الفرنسية اطلع على ترجمة «غوتيي» و أعجب بها، بل إنه اقترح عليه ترجمة روايته الثانية «شيكاغو» التي كانت قيد الطبع. و هي رواية شبيهة جدا برواية «عمارة يعقوبيا» من حيث تجمع الشخصيات في مكان واحد: شعبة الإستولوجيا في كلية الطب بشيكاغو. وجد «غوتيي» في «عمارة يعقوبيان» نثرا منسابا، لينا، مشبعا و خاليا من الزهور البلاغية التي أرهقت الأدب العربي. معتبرا تلك الزهور و المحسنات هي ما أبعد القارئ العربي عن أدبه. نثر لا يقترح شيئا غير الموضوع الذي يعالجه: منح الحياة لشخصيات عن طرقها سنعيش تجربة شعب و هو يخوض مغامرة و جوده و أقداره. مع تجربة الترجمة هذه اكتشف «غوتيي»، بلسانه، كم لغته الفرنسية فقيرة و شحيحة مقارنة مع العربية التي تعطي لكل شيء، لكل إحساس أو فكرة خمس صيغ أو ستّ إضافية.