صدر مؤخرا العدد الأول من النسخة العربية لمجلة زمان التي تعتبر أول مجلة في المغرب متخصصة في التاريخ، وذلك بعد النجاح الكبير الذي عرفته النسخة الفرنسية من نفس المجلة منذ انطلاقتها في شهر أكتوبر 2010، حيث يشرف عليها طاقم من الباحثين والمؤرخين المرموقين في حقل البحث التاريخي بالمغرب، ويتشكل من ذ- المصطفى بوعزيز كمشرف عام، وفريق المستشارين العلميين المكون من المعطي منجيب، وحسن أوريد، والطيب بياض، ومحمد ياسر الهلالي، إضافة إلى طاقم من الصحفيين الشباب. وفي افتتاحية العدد الأول أكد يوسف شميرو مدير النشر أن تجربة النسخة الفرنسية طيلة ثلاث سنوات أظهرت أن طلب المغاربة لمعرفة تاريخ بلادهم طلب جدي ومتنام، وجمهور القراء بالعربية شغوف إلى منتوج من نفس عيار النسخة الفرنسية ل «زمان»، مذكرا بأن المجلة لا تطمح إلى إعادة كتابة تاريخ المغرب بل إن هدفها هو تمكين جمهور واسع من القراء من الاطلاع على تاريخ المغرب، وفق الصياغات الجديدة للباحثين المختصين من خلال الحفاظ على الأسس المنهجية لعلم التاريخ، والإحاطة الإيجابية للقارئ بالخطاب التاريخي، وشعوره بمتعة الاطلاع وعمق الإفادة. لذلك فمجلة زمان حسب مدير نشرها ستعتمد على فتح المجال للمقاربات المنهجية المختلفة والآراء المتباينة والطروحات المتعددة في تفاعل إيجابي بين أهل الفكر وأهل الإعلام، مما سيساعد على الاجتهاد في معالجة إعلامية ومهنية للمنتوجات التاريخية. فمن خلال القيام بجولة سريعة في فهرس محتويات العدد الأول، نكتشف حجم التنوع والغنى الذي تقدمه مجلة زمان على مستوى موادها وأبوابها، حيث ترصد حيزا مهما للذاكرة، وتهتم بالتاريخ في أبعاده وحقبه وقضاياه المتعددة. إذ تبدأ المجلة موادها بباب «كشف الستار» الذي تضمن تحقيقا تاريخيا حول العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والمغرب في مرحلة كان هذا البلد هو الملجأ الذي يقصده الإخوان الهاربون من بطش نظام العسكر في المشرق، حيث ساهموا في تأسيس تيار الإسلام السياسي، وأسلمة التعليم العمومي في البلد الذي احتضنهم. وفي باب «شاهد على الحدث» أجري حوار مع المحامي عبد الرحيم برادة تناول فيه علاقته بالمهدي بنبركة، وقضية اختطافه في فرنسا. أما «ضيف المجلة» فقد استضاف إبراهيم أوشلح أحد قيادات التنظيم السري لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومسؤول عن إذاعة «التحرير» في ليبيا، مقدما شهادته حول تفاصيل الإعداد لثورة 3 مارس 1973 لإسقاط نظام الحسن الثاني. وبالنسبة لملف العدد فقد سلط الضوء على قضية تعريب المغرب من خلال مساهمات باحثين مغاربة نبشوا في هذه القضية محاولين تقديم إجابات تاريخية حولها، إضافة إلى حوار أجراه ذ- محمد ياسر الهلالي مع ذ- محمد بوكبوط حول هذا الإشكالية. بعد ذلك يأتي باب «بورتريه» الذي تتبع مسار شخصية القائد الأمازيغي الشهير كسيلة الأوربي. ثم تعرج المجلة إلى باب «حفريات تاريخية» الذي تناول قضايا تاريخية في حقب مختلفة وهي: الأسر الجزائرية التي حكمت المغرب، وغزو المغرب لبلاد السودان، ومقال «الاقتصاد والسيادة»، ومرحلة حكم الوندال لشمال إفريقيا. أما باب «قاع الخابية» فهو يستحضر الأسرار الدفينة في ماضي المغرب، فركن «كان ياما كان» يتناول قصة أميلي شريفة وزان، وركن «الرحلة الكبرى» يتحدث عن رحلة بن عثمان المكناسي (الإكسير في فكاك الأسير)، ثم ركن «نافذة على التراث» ينبش في طقس «تقرفيت» عند قبائل آيت احديدو بالقسم الجنوبي الشرقي من جبال الأطلس الكبير، وهي تلك اللقاءات والمحادثات الغزلية التي تجمع بين شاب وشابة استعداد للزواج الجماعي. وأخيرا ركن «حكاية جريمة» الذي فتح ملف شخصية «بوبكر الغنجاوي» ذو الحمايتين المخزنية والبريطانية، وأحد أكبر أثرياء المغرب خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، متتبعا كيف استمد عناصر قوته ونفوذه التي سولت له ارتكاب كل أفعاله وجرائمه، وأبرز التهم التي وجهت إليه، وكيف كانت نهاية مساره المليء بالدسائس والمغامرات. وللأرشيف مكانته أيضا داخل مواد المجلة من خلال وثيقة تاريخية مهمة تم التعليق عليها، وهي بيان الحزب الشيوعي المغربي في 3 و4 غشت 1946 للمطالبة بالاستقلال عن الحماية الفرنسية. يمكن القول أخيرا أن النسخة العربية لمجلة زمان من خلال عددها الأول المتميز نجحت في بعث إشارات مهمة لكل المتتبعين والباحثين والقراء، مفادها أنها ستحافظ على التميز الذي طبع النسخة الفرنسية طيلة ثلاث سنوات من الحضور في المشهد الإعلامي والثقافي والعلمي بالمغرب، وتعد قراءها بتقديم طبق تاريخي متميز تحضر فيه الذواكر المختلفة والتاريخ بصرامته العلمية المعهودة، والأرشيف والتراث من خلال الاستمرار في طريقة عملها التي تزاوج بين المعالجة الصحفية وصرامة البحث التاريخي، للمساهمة في تقديم المعرفة التاريخية للقراء المغاربة بشكل متميز وأنيق دون تعقيد أو تبسيط، وفي ذلك تدوين لتاريخنا القريب والبعيد وصيانة لذاكرتنا التاريخية.