وأخيرا أفرج رئيس الحكومة، الزعيم عبد الإلاه بنكيران، عن النسخة الثانية من حكومته المزيدة وغير المنقحة بعد انتظار دام لأزيد من تسعة أشهر. 270 يوما مرت والمغاربة يتابعون مسلسل حكومة بنكيران الثانية الذي بدأ مشوقا في حلقاته الأولى مع شباط وانتهى مملا ومقرفا يبعث على الغثيان مع الإعلان عن مولوده الجديد الذي بدا مثل كائن مشوه لا ملامح له. أخيرا كشف بنكيران عن كتيبته التي اختارها إلى جواره فردا فردا، كتيبة من 38 محاربا, ضمنهم ست محاربات، كتيبة كلها عزم وحماس وعلى أهبة الاستعداد لتنفيذ أوامر وخطط المارشال بنكيران الذي يستعد لتنفيذ غزوته الكبرى ضد الفساد والمفسدين!... ثلاثة أشهر والمغاربة يترقبون نتائج المفاوضات بين بنكيران و مزوار، ثلاثة أشهر ورئيس الحكومة يعد المغاربة بحكومة منسجمة وفعالة في مستوى المرحلة، حكومة مكونة من أقطاب متجانسة، ستكون مهمتها الأولى والأخيرة مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلد، وفي آخر المطاف يَصعق الجميع بحكومة لا رابط بين مفاصلها، حكومة متداخلة الاختصاصات، مبلقنة عدد وزرائها أكبر من حكومة الصين الشعبية التي تتكون من 23 وزيرا. بالله عليكم كيف سيقنع بنكيران الشعب المغربي بجديته في تنزيل برنامجه الإصلاحي، والرجل عجز حتى عن إقناع حزبه وحلفائه بضرورة تقليص عدد الوزراء مراعاة للظروف الاقتصادية الخانقة التي يجتازها الوطن، والحال أن هاته الحكومة يُفترض فيها أنها جاءت لمواجهة تداعيات الازمة، لكن بنكيران وعلى العكس من ذلك تماما عمد إلى تفصيل الحكومة وتشتيتها إلى أشلاء وزارية، نصّب عليها مسؤولين حكوميين بصلاحيات أقرب إلى رؤساء أقسام أو مقاطعات منهم إلى وزراء... ففي الوقت الذي كان الشعب ينتظر من بنكيران أن يتخذ قرارات تزرع الأمل في النفوس، فإذا به يفضل إرضاء وزراء حزبه من خلال تفصيل وزارات على مقاسهم، مع استثناء وحيد، يتعلق بسعد الدين العثماني، الرجل الذي صفق الباب في وجه بنكيران، و رفض حقيبة وزارية اقترحها عليه، لقناعته الراسخة أن بنكيران إنما يعرض عليه المنصب من باب جبر خاطره ليس إلا... لكن وعلى النقيض من ذلك، فإن تركيبة الحكومة كشفت عن إصرار كبير و غير مسبوق من لدن وزراء العدالة والتنمية المدعومين من حركة التوحيد والإصلاح لأجل التمسك بالمقعد الحكومي بأي ثمن، فالوزير الطنجاوي والخبير الاقتصادي للحزب، محمد نجيب بوليف أبان عن تشبث غريب بالمقعد الوزاري بصورة فاجأت الجميع و شكلت صدمة حقيقية في نفوس مريديه من أبناء العدالة والتنمية وحركة الإصلاح والتوحيد، فبوليف كان في النسخة الأولى هو الذراع الأيمن لبنكيران وكان مكلفا بأكثر الملفات حساسية وخطورة وعلى رأسها ملف صندوق المقاصة، لكن في النسخة الثانية قبل بمنصب وزير منتدب لدى الوزير الرباح مكلفا بالنقل، والمصيبة أن الرباح كان إلى عهد قريب أحد مريدي نجيب بوليف في حركة الإصلاح والتوحيد، فمن أجل الحفاظ على كرسي الوزارة رضي بوليف على نفسه أن يكون وزيرا منتدبا لدى تلميذه... أما الوزير اعمارة فمن أجل الاحتفاظ به داخل التشكيلة الحكومية تم نفيه من قطاع التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة إلى وزارة الطاقة والمعادن، التي اقتسمها مع وزيرتين ليبقى له الثلث في الوزارة فقط، بعدما كان يسير قطاعا استراتيجيا!... الشوباني كان في نسخة بنكيران الأولى وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، لكن في النسخة الثانية أصبح وزيرا للعلاقات مع البرلمان من دون مجتمع مدني، ومع ذلك فالرجل بلع لسانه وقبل بما تبقى من قطاعه الحكومي، وهذا يدفعنا لطرح سؤال عريض حول مصير الحوار الوطني للمجتمع المدني الذي صرف عليه الشوباني ملايين السنتيمات من المال العام، حتى السي مولاي إسماعيل العلوي، رئيس اللجنة الوطنية للحوار حول المجتمع المدني، أصبح في حالة شرود، بلغة كرة القدم، بعدما استفاق يوم الخميس المنصرم من دون مخاطب في هاته الحكومة!... الحريات هي أيضا أصبحت في خبر كان في حكومة بنكيران رقم 2، فالسي الرميد كان وزيرا للعدل والحريات في النسخة الأولى، لكنه اليوم أصبح وزيرا للعدل من دون حريات، ولا يعرف المغزى من هذا الحذف، هل الرميد رسخ الحريات بالبلد ولم تعد هناك حاجة لوزارة تعنى بها، أم أن حكومة بنكيران مقبلة على تشديد القمع ضد الشعب المغربي والتضييق على حرياته، وبالتالي وتفاديا للإحراج، من غير المقبول أن تبقى وزارة للحريات سيلجأ إليها المواطنون غدا كلما انهالت عليهم هراوات القمع؟!... غير أن مفاجأة بنكيران الكبرى هي وفاؤه للوزير الوافا، لكن هاته المرة اختار بنكيران إلى جواره الوزير الظاهرة ليكون وزيرا منتدبا لديه مكلفا بالشؤون العامة والحكامة، بما يعنيه ذلك من كون الوافا هو من سيتكلف بصندوق المقاصة وسيكون مسؤولا عن تنزيل مضامين الحكامة الرشيدة والجيدة داخل دواليب الإدارة المغربية، لاشك أن بنكيران أعجب بكفاءة الوافا في تدبيره لقطاع التعليم خلال النسخة الأولى من الحكومة، وبالتالي أراد أن يعمم تجربته على جميع القطاعات الحكومية من خلال منصبه الجديد، كما أن شخصية الوافا التي تبدو أنها وجدت هوى في نفس بنكيران، وأصبحا في غاية الانسجام والألفة، لدرجة أن الرجل أعدم العثماني وقلم أظافر الرميد، وحَجر على بوليف، ونفى اعمارة وقزّم الشوباني من أجل الاحتفاظ بالوافا ضمن فريقه الحكومي، بركاتك يا الشيخ الوافا، والله ينفعنا ببركاتك... بنكيران الهمام سلم لمزوار مفاتيح الخارجية، ومداد فضيحة التعويضات لازال مدادها لم يجف داخل وزارة الرميد، ولحصاد مفاتيح الداخلية، وهو المتهم بتنصيب سمير عبد المولى عمدة لطنجة ضد أغلبية البيجيدي، وجعل بوسعيد وصيا على الاقتصاد والمالية، وهو القادم من دهاليز الإدارة الترابية، أما التعليم فخرج من جبة الأحزاب لفائدة بلمختار، وكأن المغرب عاد إلى ما قبل 1998، بينما مولاي حفيظ العلمي تربع على عرش قطاع التجارة والصناعة والاستثمارات والاقتصاد الرقمي، في خطوة تكشف عن تحالف هجين بين الباطرونا والحزب الأغلبي في هاته الظروف المطبوعة باشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا... ليطرح السؤال حول ماذا تبقى لحزب عبد الإلاه بنكيران الذي اكتسح الانتخابات التشريعية يوم 25 نونبر 2011، وكيف سينفذ برنامجه الانتخابي وهو لا يسير أي قطاع استراتيجي؟!!.. ما الذي تغير اليوم حتى انسحب بنكيران من التدبير الحكومي وسلمه لمن كان ينعتهم بالأمس القريب بالعفاريت والتماسيح وكل المخلوقات الغريبة التي كان يتهمها بعرقلة عمله والسعي للإطاحة بحكومته؟... ما من شك في أن بنكيران لا مانع لديه من أن ينقلب على نفسه وأن يقود حروب الردة على دستور 2011، وأن يتحالف مع العفاريت والتماسيح و يسلمها مقاليد الحكومة، كل ذلك في سبيل الحفاظ على مواقع حزبه وتنظيمه الدعوي داخل مفاصل الدولة والمجتمع، فلا شئ مقدم عن مصالح الحزب والجماعة أما الوطن فليذهب إلى الجحيم.