6 أكتوبر 1973 ? 6 أكتوبر 2013، 40 سنة مرت على آخر حرب بين جيوش عربية والجيش الإسرائيلي، التي عرفت في الأدبيات السياسية والأدبيات العسكرية إما باسم "حرب أكتوبر" أو "حرب رمضان" من الجانب العربي، وباسم "حرب أيام الغفران" من الجانب الإسرائيلي. وهي حرب ستبقى خالدة، كونها حققت بعض الإنتصارات العسكرية للجندي العربي على الجبهتين السورية والمصرية، لأول مرة على الآلة العسكرية الإسرائيلية، المدعومة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية (طلب الرئيس نيكسون تخصيص 2.2 مليار دولار مستعجلة من الكونغرس لصالح إسرائيل، ورد عليه الملك فيصل السعودي الذي اغتيل شهورا بعد ذلك بقطع البترول عن الغرب كله)، دون أن يصاحبها بالضرورة نصر سياسي مواز كبير. وبالعودة إلى كتابات محللة وقارئة لتلك الحرب، خاصة مذكرات الفريق سعد الدين الشادلي (أحد أبطال تلك الحرب العسكريين من الجانب المصري، الذي ظلم كثيرا في عهد أنور السادات بعد ذلك ووضع لسنوات تحت الإقامة الإجبارية حتى في عهد حسني مبارك)، وكتاب "حرب أكتوبر 1973" الضخم للصحفي المصري محمد حسنين هيكل، وعدد من شهادات ضباط سوريين نشرت هنا وهناك، خاصة منذ انطلاق الحراك السوري الشعبي المطالب بالإصلاح ودولة المؤسسات، في مراحله السلمية الأولى (9 أشهر الأولى لأحداث سورية). ثم كتابات عدد من النخب العربية التي عايشت تلك الأحداث من موقع المسؤوليات السياسية الحكومية، يهمني منهم وزير الإعلام والثقافة الأردني الأسبق صالح القلاب، الذي يعتبر من أكثر من كتب عن تلك المرحلة بدقة. بالعودة إلى كل تلك الكتابات، وكذا شهادات خاصة لبعض من الجنود المغاربة المشاركين في تلك الحرب (خاصة على الجبهة السورية)، يمكن للمرء رسم ملامح قصة متكاملة للذي وقع أيام أكتوبر 1973، العشرة الخالدة تلك. وأساسا رسم ملامح دقيقة عن حجم وطبيعة ودور المشاركة المغربية الرائدة والوازنة والمؤثرة في تلك المواجهة المسلحة ضد الجيش الإسرائيلي. عمليا، انطلق التنسيق بين القيادة المصرية والسورية لتنفيذ تلك الحرب في شهر يناير 1973، حيث تم اتخاد القرار على أعلى مستوى بين الرئيس المصري حينها أنور السادات، والرئيس السوري حينها حافظ الأسد، على وضع خطة مشتركة مدققة للقيام بعملية عسكرية واسعة، لاستعادة سيناء من الجهة المصرية واستعادة الجولان وجبل الشيخ من الجهة السورية، ولم يكن واردا فيها أبدا أي شئ عن الضفة الغربية ومدينة القدس وقطاع غزة، التي سقطت في يد الإسرائيليين في ذات الأيام الستة من شهر يونيو سنة 1967 مع الجولان وسيناء، في ما عرف ب "حرب الأيام الستة" أو "حرب النكسة"، التي اشتهرت بالخطاب التاريخي للزعيم المصري جمال عبد الناصر، الذي أعلن فيه تحمله كامل المسؤولية في الهزيمة وقراره الإنسحاب من السلطة و "العودة إلى صفوف الجماهير كأي مواطن مصري عادي"، وهو القرار الذي استثار حينها ردة فعل شعبية في الشارع المصري حملته على التراجع عن قرار الإستقالة. بينما في الجبهة السورية، تقوى دور وزير الدفاع، المسؤول عن سلاح الطيران السوري، الضابط حافظ الأسد، الذي يسجل عليه المسؤول الأردني الأسبق صالح القلاب، في أحد مقالاته بيومية "الشرق الأوسط" أنه أعلن سقوط مدينة القنيطرة بالجولان السوري يومين قبل سقوطها الفعلي، مما اعتبر استسلاما يطرح أكثر من علامة استفهام حول دور الرجل في النكسة والهزيمة وتسريع انقضاضه على السلطة. وحسب وثائق محمد حسنين هيكل الموثقة، فإن الجانب المصري (رغم التنسيق المعلن مع الجانب السوري سنة 1973)، قد كان يتحرك عمليا باستقلالية كبيرة في المبادرة عسكريا وسياسيا. ويمكن هنا تسجيل أن الجانب السوري قد عبر من خلال كتابات بعض ضباطه نشرت بعد اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين أنور السادات ومناحيم بغين برعاية من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، عن امتعاضهم من عدم قبول الرئيس المصري طلبا لحافظ الأسد بتأجيل قبول اتفاق وقف إطلاق النار لأسبوع فقط، حتى ينفذ الجانب السوري هجوما مضادا ضد الجيش الإسرائيلي لاستعادة جبل الشيخ نهائيا ومدينة القنيطرة بالجولان، مما اضطر القيادة السورية بدورها للمسارعة بقبول اتفاق وقف إطلاق النار والدخول في ما وصف ب "حرب استنزاف" انتهت بتوقيع اتفاق مع الجانب الإسرائيلي للإنسحاب من تلك المدينة في آخر ماي 1974. لكن الحقيقة على الجبهة السورية، قد كانت لها أوجه أخرى غير تلك التي حرصت على ترسيخها في خطاباتها وكتاباتها القيادة القطرية البعثية السورية، التي يتحكم فيها حافظ الأسد. ويهمنا هنا فيها الشق المتعلق بالمشاركة المغربية. ذلك أن الكثير من عناصر الخبر المستندة على معلومات ميدانية، تؤكد أن الدور الذي لعبه الجنود المغاربة قد كان حاسما في تحرير مدينة القنيطرة وجزء مركزي وازن من جبل الشيخ، لكن القيادة العسكرية السورية لم تحم ذلك النصر كما كان مخططا له من قبل، بسبب عدم صعود أي طائرة عسكرية سورية لحماية ظهر أولئك الجنود المغاربة، مما اعتبر خيانة لهم. لكن قبل تفصيل القول في هذه القصة التي للأسف توفي أهم شهودها الكبار الوازنين (في مقدمتهم الجنرال الصفريوي)، فيما باقي الأحياء من أولئك القادة العسكريين المغاربة محكومون بواجب التحفظ العسكري ويكاد يستحيل حملهم على الشهادة للحسم في حقيقة الذي وقع. قبل تفصيل القول في ذلك، لابد من تسجيل معطى مهم، هو أنه رغم كل الكتابات التي طرحت هذه المسألة سواء في المغرب أو في المشرق، لم يحدث قط أن صدر ولو بيان تكذيبي واحد من الجهة الرسمية المغربية، مما يسمح بتأويل ذلك على أنه تأكيد غير مباشر للحقيقة تلك. إذن، قبل تفصيل القول في هذه القضية الشائكة جدا، المثيرة، المغرية بالبحث التاريخي وبالتحقيق الصحفي، لا بد من طرح السؤال: كيف انطلقت قصة تلك الحرب كلها؟. وهل التحق المغرب بها كرد فعل تضامني فقط أم أنه كان مشاركا فيها منذ بدايات الإستعداد وأنه كان مطلعا على السر العسكري فيها؟. عمليا انطلقت العمليات العسكرية بالتوازي في فجر يوم السبت 6 أكتوبر 1973 (10 رمضان 1393)، على الجبهتين المصرية والسورية، حيث بدأ الإنزال المصري لعبور قناة السويس وتسلق خط برليف المنيع، بفعالية، فاجأت الإسرائيليين والغرب عموما، كونها حققت نتائج ميدانية سريعة، جعلت الجيش الإسرائيلي يتراجع لأكثر من 20 كلمترا داخل سيناء، وتم إسقاط عشرات الطائرات الإسرائيلية، ونحجت القاهرة بسرعة قياسية في استعادة السيطرة على ضفتي قناة السويس الغربية والشرقية لأول مرة منذ هزيمة 1967. بينما في الجبهة السورية نجحت القوات السورية لفرق المدفعية والمشاة، إلى جانب اللواء المغربي للمدرعات في التقدم بسرعة كبيرة، مبهرة، في هضبة الجولان واستعادة أجزاء كبيرة من مدينة القنيطرة والتحكم عمليا في جبل الشيخ الإستراتيجي الهام جدا. لكن نتائج هذا النصر في الأيام الأربعة الأولى، لم تتم المحافظة عليها كما يرتجى في أي معركة مماثلة، لأنه سجل تراجع على الجبهة المصرية (وهنا مهمة جدا مذكرات وشهادة الفريق سعد الدين الشادلي المصري)، خاصة بعد أن نجح الجنرال الإسرائيلي شارون في اختراق الجبهة المصرية عند النقطة التي اشتهرت ب "الدفرسوار"، وعبر إلى الضفة الغربية لقناة السويس ووضع الجيش الثالث المصري في ما يشبه الكماشة (تفاصيل مهمة في كتاب محمد حسنين هيكل "حرب أكتوبر 1973"، في طبعته الثالثة)، مما جعل القاهرة تدخل في مفاوضات سريعة، بعد تدخل وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر الداهية المعروف، مع الأممالمتحدة ومع تل أبيب لفك الحصار عن جيشها الثالث كله. بعد أسبوعين من المفاوضات، ربحت القاهرة نقطة وحيدة لكنها وازنة ومهمة، هي التحكم في ضفتي قناة السويس الشرقية والغربية كلها، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، فيما لم تتمكن من استعادة سيناء (حتى استعادتها لها منزوعة السلاح بعد اتفاقيات كامب ديفيد للسلام سنة 1978، وتلك قصة أخرى ليس هنا مجال التفصيل فيها). بينما في الجبهة السورية، ردت القوات الإسرائيلية عبر هجوم جوي كاسح وهجوم ميداني لقوات "غولاني" العالية التدريب، فاستعادت جبل الشيخ وأجزاء مهمة من هضبة الجولان وتقريبا كل مدينة القنيطرة السورية، والسبب هو تراجع الطيران السوري عن حماية المنجزات المتحققة على الأرض من قبل القوات المدرعة المغربية والسورية، مدعومة بوحدات عراقية وأردنية وكويتية ومجموعات فدائية فلسطينية من فتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية (تمة أخبار مصدرها عراقي، نشرت في بعض المجلات العراقية على عهد الرئيس صدام حسين خاصة مجلة "آفاق عربية"، أكدت أن الرئيس العراقي أعطى الأمر حينها للطيران العسكري ببغداد للتدخل وأيضا لوحدات ميدانية أكبر للتحرك، لكنه تدخل جاء متأخرا بالمنطق العسكري ولم يقلب ميزان القوى في الميدان). وانتهت المفاوضات التي رعتها الأممالمتحدة وواشنطن، إلى تنازل تل أبيب فقط عن مدينة القنيطرة والجزء الصغير المحيط بها من هضبة الجولان ورفضت التنازل بصرامة عن جبل الشيخ بمرصده الإسرائيلي الإستراتيجي الذي يراقب دبة النمل في كل الشام ولبنان حتى الحدود التركية ويراقب كل الأردن في الجنوب. ما الدور الذي لعبه الجنود المغاربة في هذه الحرب على الجبهتين معا؟. الحقيقة أنه كان دورا أكبر على الجبهة السورية، بسبب أن عددهم كان أكبر هناك، وأنهم التحقوا بسورية أسابيع عدة قبل بدء الحرب، مما يعني أنهم كانوا مشاركين في "السر الحربي" للمعركة منذ البدايات. بينما لم تلتحق القوات البرية المغربية على الجبهة المصرية سوى يومين بعد انطلاق المعركة، ونفس الأمر مع سرب من طائرات ف. 4 الأمريكية الصنع، وهي الطائرات التي لم تشارك عمليا في المعركة، بينما قدم الجنود المغاربة للمشاة دعما لوجيستيا في المواقع الخلفية للجيش المصري في سيناء والجزء الغربي من قناة السويس. مثلما أن الوحدة المغربية التي شاركت في الجبهة السورية، كانت عبارة عن لواء كامل للمدرعات بدباباته ومدفعيته وسلاحه الخاص، وضمت 5 آلاف جندي وضابط مغربي، بقيادة الجنرال أحمد الصفريوي، وهو اللواء الأكبر الذي كان يتوفر عليه المغرب حينها بشهادة الفريق سعد الدين الشادلي. بينما على الجبهة المصرية، فقد بعث المغرب بقرار القائد الأعلى لقواته المسلحة الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني، بلواء من قوات المشاة، أقل عددا من حجم الجنود الذي بعثوا إلى الجولان، بأسلحتهم الخفيفة وأنهم شكلوا درعا حاميا للجبهة الشمالية والوسطى من أمكنة اختراق الجيش المصري لخط برليف وقناة السويس. التجريدة المغربية التي قضت مدة غير يسيرة على الجبهة السورية، وتدربت هناك على مناورات عسكرية ميدانية بالتنسيق مع القوات السورية والمجموعات الفدائية الفلسطينية، كانت تضم أفضل لواء مدرعات يتوفر عليه المغرب حينها، الذي كان متواجدا بقصر السوق (مدينة الرشيدية حاليا، ولا يزال بهذه المدينة إلى اليوم واحد من أرفع وأقوى وأحدث أولوية المدرعات المغربية، إضافة إلى تلك الموازية قيمة المتواجدة بأقاليمنا الجنوبية الصحراوية). وكان ضباط وجنود ذلك اللواء المغربي من المدرعات، من خريجي مدرسة "الدارالبيضاء" بالكلية العسكرية بمكناس، التي تعتبر عمليا تكرارا لكلية سان سير الفرنسية الشهيرة على مستوى منهجية التكوين الرفيع والصارم، مع الإختلاف في الإمكانيات المادية طبعا، لكن منهجية التدريس مشابهة. وبالمنطق العسكري فقد كان ذلك اللواء العسكري المغربي للمدرعات زبدة الجيش المغربي حينها، لهذا السبب لم تتعب القوات الإسرائيلية قط في رمي مناشير باللغة العربية والفرنسية عليهم، تحثهم فيها على عدم الدخول في أية معركة ضدهم، لأن القضية ليست قضيتهم وأن المغرب بعيد ولا تحاربه إسرائيل. والسبب في ذلك، يقين القيادة العسكرية الإسرائيلية أن مستوى التكوين العسكري لأولئك الجنود والضباط المغاربة جد عال ومختلف عن المدرسة المشرقية السوفياتية، التي تعتمد مبدأ الكم العددي في أي مواجهة عسكرية والشحن النفسي الإيديولوجي، بينما المنهجية الغربية الفرنسية، التي تنتمي إليها تكوينا الجندية المغربية، هي منهجية تقنية كيفية وليست كمية وأنها احترافية. ولقد تأكدت النتيجة ميدانيا أيام 6 و 7 و 8 أكتوبر 1973، حين توغلت تلك القوة المغربية بمدرعاتها ومدفعيتها، عبر مناطق "مجدل شمس" و "الجهة الشرقية لجبل الشيخ" والمنبسط المفضي إلى مدينة القنيطرة السورية. لقد حققت تلك القوات تقدما نوعيا سريعا خاصة في اتجاه جبل الشيخ بتكامل مع تقدم الوحدات السورية من الجهة الغربية لجبل الشيخ، وتمكنا معا في ظرف قياسي من استعادة كل جبل الشيخ الإستراتيجي واحتلال موقع الرقابة والرصد والإتصالات الإسرائيلي على قمته، وإنزال العلم الإسرائيلي ورفع العلم السوري. مثلما تقدم الجنود والضباط المغاربة 5 آلاف بأسلحتهم الثقيلة صوب مدينة القنيطرة، حيث حرروا أكثر من ثلثيها، ودخلوا بدعم للقوات السورية وبتنسيق كامل معهم في حرب شوارع مع أقوى القوات الإسرائيلية حينها "غولاني" وتمكنوا من أسر (بالصور الموثقة) عشرات الجنود الإسرائيليين. لكن ما الذي جرى بعد ذلك؟. كان مفروضا أن يحمي الطيران السوري ذلك النصر الميداني المغربي والسوري، لكن الطائرات تلك لم تحلق أبدا على مدى يومين. وحين كانت الصواريخ الروسية والتشيكوسلوفاكية تقتنص الطائرات الإسرائيلية في سماء سيناء والطائرات المصرية تقصف المواقع المحصنة الإسرائيلية في الجبهة الشرقية قناة السويس، ظل الطيران السوري غائبا، مما طرح أسئلة كبرى من الشك حول رائحة خيانة. بدليل أنه اعتقل ضباط سوريون بعد ذلك وقدموا أمام المحاكمة ومنهم من تمت تصفيته، في ما اعتبر مسرحية لدر الرماد في العيون. وحين غاب الطيران السوري ظل الطيران الإسرائيلي في الجبهة السورية يفعل ما يريد، حيث أباد عمليا القوات المغربية والقوات السورية وفصائل القوات الفدائية الفلسطينية، وفي يومين فقد المغرب عددا كبيرا من خيرة ضباطه وجنوده على ربى جبل الشيخ وب "مجدل شمس" وفي محيط مدينة القنيطرة. وإلى اليوم هناك مقبرة كبيرة في القنيطرة وفي ضواحي دمشق تضم رفات أولئك الجنود المغاربة الأبطال، بأسمائهم وصفاتهم ورتبهم. وأصدرت الحكومة السورية عملة كتب عليها "التجريدة المغربية" وأطلقت على واحدة من أكبر ساحات العاصمة دمشق إسم "التجريدة المغربية". ولا تزال النسوة في الجولان وفي مدينة القنيطرة (كما أكد لي زملاء صحفيون مغاربة عاشوا في دمشق سنوات طويلة وأيضا زملاء سوريون)، إلى اليوم حين تردن أن تحكين لصغارهم عن معنى البطل، الذي يجب الدخول بسرعة لأنه قادم في الشارع، فإنهن يقلن لهن في ما معناه: "أدخلوا أو سأنادي الجنود المغاربة". عنوانا على الرجولة والقوة والصلابة. ورغم كل هذا الإرث النبيل، والمواقف التضامنية المساندة، وبعد تبوث خيانة الطيران السوري لأولئك الجنود المغاربة الأبطال (الشهداء والأحياء منهم)، لم يخجل الرئيس السوري الراحل في دعم البوليزاريو ضد وحدة المغرب الترابية، وما سجل من موقف للرئيس العراقي صدام حسين في قمة فاس العربية، معروف ومدون، حين واجه حافظ الأسد بالقول كيف لا تخجل أن تدعم البوليزاريو والمغرب قدم لك أرفع أبنائه في الجندية وسال دمهم في الجولان لتحرير بلادك؟ وفي تلك القمة قرر صدام منح المغرب البترول بأثمنة تفضيلية. هذا هو التاريخ، هذه وقائعه، وعلى المؤرخين الحسم في حقيقة الواقعة التاريخية كلها إنصافا لأرواح شهدائنا الراقدون هناك في تراب الشام. الشهيد المغربي البطل إبراهيم وحمان بجبل الشيخ.. هذه الصورة هي للشهيد المغربي البطل إبراهيم وحمان، الذي خصه الجنرال الصفريوي بتحية خاصة بعد انتهاء المعركة، كونه رحمه الله كان يقود 40 مدرعة مغربية عند قدم جبل الشيخ، وحقق نتائج ميدانية مبهرة، لكن غياب الطيران السوري للتغطية جوا على تقدمهم، جعل الطيران الإسرائيلي يتدخل بشراسة ويقصف تلك المدرعات المغربية. ومما تجمع عليه شهادات عدد من رفاقه العائدين، وكذا شهادة الجنرال الصفريوي (كما أكد صديق الشهيد الحميم الحاج عبد الله العسبي) أنه رحمه الله شرع في إنقاد جنوده ورفاقه الذين علقوا في دباباتهم، وأنقد عددا منهم، قبل أن يطاله قصف طائرة إسرائيلية فسقط شهيدا في معركة الشرف تلك. وبقيت ذكراه خالدة كعنوان بطولة عند كل رفاقه من اللواء المدرع المغربي. الضابط إبراهيم وحمان، من مواليد مدينة الدارالبيضاء، بدرب البلدية بسيدي عثمان (قبالة سوقها الكبير القديم)، سنة 1949، وتنحدر عائلته من منطقة إيوزيوا (مدشر توغ الخير) بدائرة أولوز بإقليم تارودانت. والده رحمه الله، الحاج حمو وحمان كان مسؤولا نقابيا بالمكتب النقابي للإتحاد المغربي للشغل للمكتب الوطني للماء والكهرباء، ومناضلا اتحاديا من المؤسسين للحركة الإتحادية في نهاية الخمسينات، ومن مؤسسي فرع سيدي عثمان ومبروكة. اختطف في بداية الستينات وبقي مجهول المصير مدة رفقة صهره (الذي حوكم في ما بعد ضمن مجموعة مراكش) قبل أن يطلق سراحه ويعود لعائلته الصغيرة والكبيرة. فيما والدته الحاجة كلثوم أطال الله عمرها، بقيت صامدة مثل كل أم شهيد بطل ولم تنزو قط في ثوب الحداد، وحين حالت ظروف صحية شديدة دون توجه والده لزيارة سورية والترحم على قبر ابنهما البطل وباقي رفاقه الشهداء بمقبرة الجنود الشهداء المغاربة هناك، شدت الرحال لوحدها وذهبت بصلابة ووقفت عند قبره وغسلته ووضعت الورد على شاهدته وأمطرته بالأدعية والآيات القرآنية الحانية. وبقيت تزوره على سنوات متقطعة حتى أقعدتها السنون عن ذلك.