صدر مؤخرا عن دار النشر « بريس أونفيرسيتير» في فرنسا ، كتاب «القضايا الجيو - سياسية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط » لمؤلفيه المغربين ، بشرى رحموني بنحيدة و يونس السلاوي ، الاستاذين الباحثين في المدرسة العليا للتدبير في الدارالبيضاء(إسكا) ، واللذين حاولا من خلاله، وبدقة بحثية كبيرة ، تسليط الضوء على القضايا الجيوسياسية الحالية لحوض البحر الأبيض المتوسط، المنطقة التي تمتد على مسافة 8000 كلم من جنوب البرتغال إلى أفغانستان. ويروم الكتاب ، الذي يعد ثمرة مجهود بحثي تم القيام به في إطار معهد البحوث الجيو -سياسية و الجيو -اقتاصدية التابع للمدرسة العليا للتدبير بالدارالبيضاء ، و الذي يقع في 126 صفحة من القطع الصغير، أن يكون أداة مرجعية لفهم وتحليل مختلف فضاءات الاقتصاديات الصاعدة وخاصة الإفريقية منها. ومن خلال سبعة فصول، خصص كل منها لتحد إنمائي رئيسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، يلقي الباحثان نظرة تحليلية ، استنادا على دراسات جامعية وإحصاءات وتحاليل خبراء ، على تفاعل القوى بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط والتغيرات الجيوسياسية الأخيرة التي قد تساهم في تشكيل مستقبل هذه المنطقة الحساسة على الصعيد العالمي. وحسب مؤلفي الكتاب ، فإن الأمر يتعلق ،بتحديد الأسباب التي جعلت منطقة البحر الابيض المتوسط ، التي تتميز بعدم التجانس الديموغرافي والثقافي والاقتصادي واتساع الهوة بين الضفتين، فضاء يرمز لحلم مشترك ، ويطبعه في الآن ذاته الخوف من الآخر. من هذا المنطلق ، يحاول المؤلفان استكشاف الأبعاد الثقافية والاقتصادية والديمغرافية التي تشكل التنوع الاستثنائي لحوض البحر الأبيض المتوسط ، الذي يحتضن عددا كبيرا من التجمعات الفرعية المترابطة والمتداخلة بعضها ببعض. وتم في هذا الصدد التوقف بإمعان عند مفهومين متناقضين تماما، يتعلق أولهما بفكرة الفجوة في حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي يتميز بتباين اقتصادي وديموغرافي و أيضا في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان بين ضفتيه الشمالية والجنوبية ، في مقابل مفهوم مناقض يطرح فكرة مثالية عن المتوسط كعامل موحد بهدف التقريب بين الضفتين. هذا التقارب الذي هو «حلم لكلا الضفتين » ينبغي، وفقا للكتابين، أن يستند على ثلاثة ركائز: ركيزة اقتصادية، خاصة عبر اتفاقيات التبادل الحر ، وركيزة سوسيو ثقافية ، عبر تعزيز المشترك الثقافي ،و تشجيع التبادل بين المجتمعات المدنية وتنقل الاشخاص ، بالإضافة إلى المكون السياسي والأمني لإرساء منطقة سلام واستقرار من خلال حل النزاعات وترسيخ ثقافة الديمقراطية وممارستها. ومع ذلك، يسجل المؤلفان أن هذه المجالات الثلاثة، التي تعتبر أساسية لبناء منطقة سلام وأمن وازدهار مشترك، هي أقرب حتى الآن إلى التمني منها إلى الواقع ،حيث أن هذه الركائز الثلاث ظلت موضوع إعلان نوايا حسنة دون أن الانتقال إلى الإنجاز الملموس والمفيد. وبالنظر إلى مدى الهوة التي تتسع بين شمال وجنوب حوض البحر الأبيض المتوسط، يطرح التساؤل حول مدى قدرة الحوض المتوسطي على خلق لقاءات وإجراء مبادلات ، وإبراز مركزية القيم الجماعية وبعبارة أخرى، «هل هناك هوية خاصة بالبحر الأبيض المتوسط قادرة على توحيد الشعوب ?». أحد عناصر الجواب على هذا السؤال يكمن في التاريخ والثقافة، واللذين يدعو الكتاب إلى استخدامهما كأرضية للتفاهم تمكن من بناء مجتمع متوسطي يعزز بشكل أفضل التفاهم بين شعوب المنطقة. وبحكم الظرفية الراهنة التي تجتازها المنطقة ، خصص الكتاب فصلا للربيع العربي ، سلط فيه الضوء على الأصول التاريخية والسياسية لأسطورة «لاستثناء العربي» والتي ترى أن دول المنطقة غير مكترثة بل وربما منغلقة في وجه قيم الحرية والديمقراطية والتعددية وأن الاستبداد والحكم المطلق يشكل جزءا من حياتها اليومية . والكتاب، الذي يناقش تجارب مختلفة في جوهرها،( المغرب، الجزائر، تونس، مصر وسوريا)، للبرهنة على عدم صحة هذا التصور المتعلق ب»الاستثناء العربي»، يكشف أن العالم العربي «يتجدد ، والآن أكثر من أي وقت مضى ، حيث يبدو أن الشعب أصبح يتحكم في مصيره «، مبينا أن» الرهان الأساسي للسلطات الجديدة يتمثل في تحقيق إعادة هيكلة الاقتصاد من أجل تلبية انتظارات المواطنين الذين انتخبوها». ويحاول الكاتبان استكشاف مستقبل مجتمع البحر الأبيض المتوسط من خلال أربعة سيناريوهات مختلفة.، يتمثل الأول في إطلاق دينامية جديدة للتعاون الإقليمي والدولي لمعالجة اختلال التوازن بين الإنتاج الفلاحي والنمو السكاني، في حين يتوقع السيناريو الثاني عودة الخطط الأمنية لمواجهة عدم المساواة الاجتماعية والنقص في خلق مناصب الشغل . والاحتمال الثالث الذي تقدم بها الكاتبان يتوقع تشظي منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بسبب صراعات القوى العالمية والتسابق على المواد الاولية ، في حين أن السيناريو الأكثر تفاؤلا يعطي الأمل في نهضة عربية وذلك بفضل حركة إصلاح مستلهمة من إسلام سياسي سلمي، يقود إلى حل الصراعات التاريخية (السلام العربي الإسرائيلي والتقارب بين المغرب والجزائر) ويساعد في تحقيق نمو اقتصادي قوي.