في أجواء يلفها التفاؤل تارة ويستبد بها التشاؤم طورا، تجتر أطر محضر 20 يوليوز أيامها الرتيبة في انتظار إطلالة يوم تسترد فيه حقا تؤمن بأنه صودر منها ظلما. فحتى اليوم ، تكون هذه الشريحة من الأطر العليا المعطلة قد طوت من عمرها قرابة ثلاث سنوات مترددة على العاصمة الرباط من أجل المطالبة بإحقاق حقها في التشغيل استنادا إلى التزام أبرمته الحكومة السابقة مع ممثليها. والحقيقة أن تنصل السيد رئيس الحكومة من تنفيذ مضامين ذلك الإلتزام الشهير بمحضر 20 يوليوز كانت له مترتبات اجتماعية وأسرية رهيبة أرخت بظلالها على حياة الأطر المحضرية، كما أن المسلسل الإحتجاجي السلمي الذي خاضته تلك الأطر في شوارع الرباط كانت له بدوره تداعيات صحية ونفسية ومادية جمة نغصت على تلك الأطر هدأة حياتها. ومن خلال تواصلنا مع عينة من المعطلين المحضريين المنضوين تحت لواء التنسيقيات الأربع الموقعة على محضر 20 يوليوز، اهتدينا إلى رصد بعض أشكال المعاناة التي اكتوت وما تزال بنارها هذه الفئة من المعطلين جراء تراجع السيد رئيس الحكومة عن تنفيذ محضرها ، تقول (أ . ب) إطار محضرية حاصلة على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الإدارة والتنمية « لقد خسرت توأمين بسبب قرار السيد بنكيران عدم تنفيذ محضر 20 يوليوز، ذلك أنني اضطررت بعد قراره المجحف في حق أطر محضر 20 يوليوز، إلى التوجه إلى الرباط للنضال من أجل انتزاع حقي وحق أبنائي . وخلال الأسبوع الأول من شهر يناير 2012 سافرت إلى الرباط للمشاركة في مسيرة احتجاجية سلمية نظمتها أطر المحضر، ولم أكن أدري وقتها أني كنت حاملا . وبعد يوم من الضغوطات النفسية الناجمة عن أجواء المطاردات والكر والفر التي أعقبت فض إحدى المسيرات الإحتجاجية السلمية للمعطلين المحضريين، أحسست بألم فظيع يمزق أحشائي وأنا أهم بالنزول من القطار. ثم إنني بعدما وصلت إلى منزلي كان حجم الألم في أحشائي قد ازداد تفاقما، فقمت بعد ذلك بإجراء الفحوصات الطبية التي تكشفت على إثرها الحقيقة المرة التي صدمتي وما يزال ألم صدمتها يستبد بي حتى يومنا هذا. لقد أكد لي أربعة أطباء زرتهم بعد ذلك أني كنت حاملا بتوأمين، وأن الجنين الأول قد أجهض بينما الجنين الثاني ما يزال في أحشائي، لكنه يتطلب إجراء عملية إجهاض اضطرارية، لأنه بدأ يتحلل، فما كان علي إلا أن أجريت تلك العملية التي كلفتني ثلاثة آلاف درهم دون احتساب مصاريف الدواء الباهضة. وبعد تلك العملية صرفت فترة النقاهة طريحة الفراش لمدة أسبوع. لقد كانت تلك الفترة عصيبة، فقدت خلالها توأمين كما أن علاقتي بزوجي تدهورت جراء ذلك الحدث الجلل. لكن حمدا لله على ما أعطى وحمدا له على ما أخذ، وليتحمل مسؤولية محنتي من تعنتوا ورفضوا تنفيذ مضامين محضرنا» . تقول الإطار المحضرية (رباب. أ) حاملة لشهادة الماستر تخصص (الطفولة وقضاء الأحداث ) «السبب الوحيد الذي دفعني للنضال في شوارع الرباط هو إيماني اليقيني بعدالة قضيتي وبأن الحق ينتزع ولا يعطى «، ثم تتابع قولها « لقد تركت عصي قوات الأمن أثرها في مختلف أطراف جسدي خلال مشاركتي في الاعتصامات و المسيرات الإحتجاجية السلمية لأطر محضر 20 يوليوز بالرباط، حتى أن الألم ما يزال إلى يومنا هذا ينغص علي النوم بسبب الإصابات التي لحقتني جراء ما تعرضت له من تعنيف مبرح، كما أنني ما زلت حتى اليوم أحجب عن والدتي آثار الرضوض والكدمات التي تبدو بارزة على أطراف من جسدي وذلك خشية أن تمنعني من السفر إلى الرباط لإتمام مسيرتي النضالية، ثم إنني علاوة على ذلك فقد تعرضت مرات عديدة خلال مشاركتي في فعاليات الحراك الإحتجاجي السلمي لأطر «المحضر» إلى تعنيف لفظي مريب، حيث أنني كثيرا ما انهال علي رجال الأمن بالسب والشتم بكلمات ساقطة و نابية أحسست على إثرها بالمهانة والحكرة. ولعل ذلك الإحساس استبد بي بشكل أفظع، حينما حملتني يوما سيارة الإسعاف إلى المستشفى إثر تعرضي لإصابة خلال فض قوات الأمن لإحدى مسيراتنا السلمية، فوجدت نفسي بعد ذلك مهملة في دهاليز المستشفى لساعات في مشهد يحط بالكرامة الإنسانية ». وتضيف رباب وقد اغرورقت عيناها بالدمع « إن بعض أطراف جسدي قد تورمت من كثرة ما تعرضت له من تعنيف خلال مشاركتي في المسيرة النضالية التي خاضها المعطلون المحضريون، إنني مازلت حتى اليوم أعاني من ألم في قدمي يجعلني أمشي على غير استواء كما أنني من جهة أخرى أعاني من علة على مستوى مرفقي بشكل يستعصي علي ثنيه، وإنني أتوفر على شواهد طبية تثبت ما أعاني منه من علل صحية، وهي العلل التي مهما تفاقمت فإنها لن تثنيني عن مواصلة المطالبة بتنفيذ مضامين محضرنا « . يقول (محمد . ع) وهو إطار محضري حاصل على شهادة الماستر في علوم الإقتصاد والتدبير» إننا نعاني من جهة من ضغط نفسي بسبب إقصائنا من الإستفادة من مرسوم التشغيل الإستثنائي الذي كنا نأمل أن يشمل جميع الخريجين من أبناء هذا الوطن، ومن جهة أخرى، فإننا نتحسر على عدم استغلال كفاءتنا العلمية التي نخشى أن تتراجع بسبب عدم ضخها في النسيج الاقتصادي و الاجتماعي، فضلا عن ذلك ، فإننا نشعر بعبء المسؤولية المادية والمعنوية الملقاة على عاتقنا تجاه أسرنا التي اضطرت لبيع الكثير من ممتلكاتها في سبيل تعليمنا. لقد وجدنا أنفسنا اليوم بعدما تراجعت الحكومة عن إحقاق حقنا في التوظيف الذي يكفله محضرنا على الهامش مقرنين بأصفاد العطالة « . وتقول (م ز) إطار محضرية حاصلة على شهادة الدكتوراه في الفزياء النووية « لقد خلفت ورائي الغالي والنفيس بما في ذلك زوجي و أطفالي من أجل الدفاع عن حقي في الالتحاق بالدفعة الأولى من الأطر العليا التي تم إدماجها في أسلاك الوظيفة، وذلك سعيا مني نحو تحقيق كرامتي التي ستساعدني على تربية أبنائي و توفير تكلفة علاجي من المرض الذي ألم بي بسبب الحالة النفسية و العصبية التي ترتبت عن الصدمة التي انتابتني جراء هذا التعنت الحكومي الذي استهدف الأطر المشمولة بمحضر 20 يوليوز التي لا ذنب لها إلا أنها أعربت عن رغبتها في المساهمة بكفاءتها العلمية في دفع عجلة تنمية البلاد على كافة الأصعدة . « . ويقول (عبد العزيز . ع ) إطار محضري حاصل على شهادة الماستر في قانون المنازعات « لم أكن أتوقع أنني سأدخل معركة مع الدولة من أجل الوفاء بالتزاماتها و المتجسدة في تفعيل مقتضيات محضر 20 يوليوز الذي يجسد منطق الاستمرارية في تدبير الدفعة الأولى التي استفادت من مناصبها، لقد كان نصيبنا نحن الأطر المحضرية القمع الشرس الذي حصدنا منه كسورا متعددة و عللا نفسية حتى أننا تخلينا عن متابعة إعداد أطروحات الدكتوراه. لقد كان لهذا التسويف و المماطلة والتنكر لمقتضيات محضر 20 يوليوز العديد من الإنعكاسات السلبية على حياتنا نحن الأطر المحضرية، ذلك أن منا من أبرم التزامات عائلية و شخصية وأصبح الآن مقيدا بالديون وعاجزا عن تسديدها، وفضلا عن ذلك، فإن هناك العديد من حالات الطلاق والتفكك الأسري التي سجلت في صفوف الأطر المحضرية، كما تم تسجيل العديد من حالات الكسور الناتجة عن التدخل الأمني العنيف الذي كان يستهدفنا خلال محطاتنا النضالية السلمية. إن لغة القمع و العنف غير المبررين مازالت حتى يومنا هذا هي الوسيلة المعتمدة في التعاطي مع ملفنا ومع حراكنا الإحتجاجي السلمي، كما أن معاناتها إن لم أقل مأساتنا قد ازدادت تفاقما «. وتقول الإطار المحضرية (ب . س ) حاملة لشهادة الماستر في تدبير السياسات العمومية « بسبب منطق الشخصنة الذي تعاملت به الحكومة مع ملف محضر 20 يوليوز أصبحت أشك في الشهادة التي تحمل عنوان (تدبير السياسات العمومية) بحيث أن ما درسناه في مدرجات الكلية يفيد أن أهم مبدأ في السياسات العمومية هو التدبير التشاركي و منطق استمرارية المرفق العام و احترام الدولة لالتزاماتها تجاه مواطنيها ، فأين نحن إذن من هذه المبادئ التي درسناها ؟ « . وتقول ( أ . و ) إطار محضرية حاصلة على شهادة الماستر في قانون الأعمال بميزة مستحسن « هي ثلاث سنوات كابدنا فيها أمر المعاناة، فقدنا فيها الثقة في مصطلح اسمه التزام الدولة ، ثلاث سنوات بالتمام والكمال دون احتساب سنوات البطالة، ودون التدقيق في معاناة معطلي المحضر الذين منهم من تجاوزوا سن الأربعين ومنهم من هم متزوجون ولهم أبناء ومنهم من تفككت أواصر أسرهم ومنهم من تراكمت ديونهم بسبب الاقتراض المستمر ومنهم من يعولون أمهاتهم وآباءهم المرضى ومنهم حالات أخرى مؤلمة ومؤثرة تدمي القلب ويشيب لسماعها الولدان . كل ذلك بسبب تراجع الحكومة عن تنفيذ محضر 20 يوليوز. هي ثلاث سنوات رأينا فيها مختلف أنواع الظلم والقمع الممارس على الإناث والذكور دون أي تمييز يذكر، هو المستقبل المظلم أضحينا نحس به اليوم قبل الغد، إحساس بالتهميش المر واليأس والإحباط وبداية الإحساس بفقدان شيء اسمه المواطنة، فكيف نكون مواطنات ومواطنين وقد تم التنصل من التزام الدولة المغربية كشخص معنوي تجاهنا؟ لقد تم حرماننا من حقنا في التوظيف بناء على محضر موقع مع مؤسسات الدولة ، أين هي دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون التي تضمن لنا حقوقنا عندما يتعرض مواطنوها للحيف والظلم وانتهاك الحقوق المشروعة؟ فلنا الله أولا وأخيرا، وهي كلمة في حق كل ظالم جردنا من حقوقنا، فاللهم إنا مظلومون وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وأسأل الله أن ينصرنا وأناشد صاحب الجلالة بهذه المناسبة أن يشملنا بعطفه لإنهاء معاناتنا التي لازالت فصولها مستمرة». يقول (هشام . ص) وهو أحد الأطر المحضرية ، حاصل على شهادة الماستر في التاريخ «إنني كغيري من معطلي محضر 20 يوليوز كنا بمجرد ما تطأ أقدامنا مدينة الرباط نضع في الحسبان احتمال تعرضنا إلى الاعتقال أو الإصابة بالرغم من أن نضالنا الإحتجاجي كان سلميا ، وذلك بسبب التدخل الأمني الذي كان يستهدفنا. أذكر بهذه المناسبة أنني تعرضت يوما للإعتقال حين شاركت في مسيرة احتجاجية سلمية نظمتها الأطر العليا المعطلة التي قاطعت مباريات الولوج إلى مراكز التكوين التي نظمتها وزارة التربية الوطنية، حيث بقيت رهن الاعتقال لما يربو عن ست ساعات ،». ثم يضيف هشام قائلا « أما بالنسبة للإصابات فقد تعرضت لها مرات عدة خلال مشاركتي في المسيرات الاحتجاجية السلمية التي نظمتها الأطر المحضرية ، وكانت متنوعة تراوحت ما بين البسيطة التي كنت أكتفي عقبها بتلقي الإسعافات الأولية، وبين البليغة نسبيا، والتي كنت أضطر على إثرها إلى التوجه إلى المستشفى قصد تلقي العلاج . « كانت تلك، إذن، بعض الشهادات المؤلمة التي استقيناها من عينة من معطلي محضر 20 يوليوز، وهي شهادات تبين حجم المعاناة التي ابتليت بها هذه الشريحة من الأطر العليا المعطلة في عهد حكومة بنكيران التي أخلت بتعهدها في إدماجها في أسلاك الوظيفة. وللأمانة، فإن هذه الشهادات ليست إلا غيضا من فيض، فما خفي قد يكون أعظم وأهول، وقد نعود في مقام آخر لسرد شهادات مريبة أخرى قد تكون أشد مضاضة و إيلاما من سابقتها، وهي شهادات ما تزال تلوكها بحسرة ألسن المعطلين المحضريين، ولم نشأ أن نسردها بإسهاب لضيق المقام ، منها على سبيل المثال شهادات تتعلق بأطر محضرية عادت من ديار المهجر إلى أرض الوطن تلبية لنداء التوظيف الذي وجهته حكومة عباس الفاسي للأطر العليا المعطلة، وهاهي تلك الأطر المحضرية بعد طول انتظار وترقب، قد انتهت صلاحية تأشيرة إقامتها في ديار المهجر وباتت حاليا تعاني الأمرين بعدما تراجعت حكومة بنكيران عن إحقاق حقها في التوظيف . لكن والحق نقول أنه بالرغم من كل هذه المعاناة فإن الأطر المحضرية وإيمانا منها بعدالة قضيتها وبالدعم الذي بات يحظى به ملفها من طرف جمهور السياسيين والحقوقيين وهيئات المجتمع المدني، فإنها، وكما استخلصنا من خلال تواصلنا معها ما تزال عاقدة العزم على مواصلة مسيرتها النضالية السلمية بكل إصرار وثبات يحدوها في ذلك شعور قوي بأن التزام الدولة مآله حتما إلى التفعيل وبأن كل تلك المعاناة التي كابدتها والتضحيات التي قدمتها لا يمكن أن تذهب سدى.