تقنين زراعة القنب الهندي واستعماله في الصناعة الدوائية، أمر أضحى مثار اهتمام المعنيين بزراعة هذه النبتة والعديد من المواطنين على حد سواء، الذين يرون في ذلك خطوة إجرائية مهمة على المستوى الاقتصادي ومن شأنها أن تمنح قيمة مضافة للاقتصاد المغربي ليس القنب الهندي مجرد مخدر ينظر إليه من طرف فئات عريضة من المجتمع، نظرة العداء لتداعياته السلبية المفترضة على صحة المدخن/المستهلك، وعلى مردوديته وأدائه، وعلى موارده المالية، وغيرها من التبعات المادية منها والمعنوية على المتعاطين له، بل يمكن أيضا النظر إليه من الزاوية الايجابية، ليس كليا، ولكن على الأقل جزئيا من حيث مكوناته. رؤية قد يكون الدافع لها الدواء الذي ينتظر ترخيصا من المؤسسة الصحية المعنية بفرنسا قصد تسويقه في هذا البلد ومن ثم صوب بلدان أخرى، والذي خلق نقاشا هو ليس بالجديد ، بل سبق وأن طرح غير ما مرة في مستويات معددة، مخلفا ردود فعل متباينة ما بين مؤيد وما بين مشكك ورافض بتبريرات مختلفة، وهو مادفع «الاتحاد الاشتراكي» لطرح الموضوع مع عدد من الفاعلين في هذا المجال، لأخذ وجهات نظرهم في هذا الباب. تجارب سابقة يتذكر المهتمون بمجال الصناعة الدوائية، كيف أنه بات من المسموح في تشيكيا استخدام القنب الهندي لأغراض العلاج، وذلك بعد دخول قانون حيز التنفيذ يسمح بموجبه باستخدام "الماريجوانا" لتسكين الآلام في حالات الأمراض الخطيرة. حيث أضحى القنب الهندي مخصصا لتخفيف أعراض بعض الأمراض مثل السرطان، ومرض باركنسون، والتصلب اللويحي، والصدفية، وذلك بعد تقديم وصفة طبية إلكترونية، حتى يتم تفادي الإفراط في استهلاكه. وبموجبه ستستورد الجمهورية التشيكية القنب لمدة سنة في مرحلة أولى، ريثما يقوم المعهد الوطني لمراقبة الأدوية بمنح رخص صالحة لخمس سنوات للمزارعين المحليين. دراسات طبية بالمقابل ، وقبل سنتين من الآن ، نشرت المجلة الطبية الاسبانية المتخصصة في مجال الصحة"موليكولار كانسر"أي (السرطان الجزيئي)، نتائج الأبحاث والدراسات والتجارب العلمية، التي أجراها فريق جامعي (مكون من خبراء وعلماء وباحثين جامعيين ينتمون لجامعة مدريد المستقلة) على فئران مصابة بداء السرطان. وتبين من خلال الخلاصات المتوصل إليها، أن مشتقات الحشيش قد تساعد على تقليل أورام السرطان، بل والقضاء على الخلايا المسرطنة. وأشار فريق الباحثين كذلك، إلى أنهم سيقومون بتطوير مستحضر للمساعدة على علاج السرطان من خلال المركب غير الضار من الحشيش، حتى لا يتسبب في أي أعراض إدمانية للمرضى. كما أكد العلماء المعنيون بهذا البحث على أنهم سيعملون على تطوير هذا الدواء حتى لا يتسبب في إلحاق الأضرار الجانبية بالخلايا السليمة، إضافة إلى العمل على أن يكون موجها للقضاء على الخلايا السرطانية. وعليه فقد أوصى الباحثون خلال بيان صادر عنهم، بضرورة تقنين زراعة القنب الهندي، وتوظيفه في الدورة الاقتصادية عبر استخدام مشتقاته في أغراض طبية. ما بين التصنيع والاختراع هذا النقاش نقلناه إلى أحد المسؤولين بإحدى شركات الصناعة الدوائية المغربية، وهو مختص في النباتات الطبية، والذي أكد على أن المشكل ليس في تصنيع دواء مستحضر من القنب الهندي وإنما في اختراعه وفقا لضوابط علمية محددة، حيث وقف عند المادة المعنية والمفيدة دوائيا من ضمن جملة المواد التي توجد بنبتة القنب الهندي، مشيرا إلى أن الباحثين يجرون سلسلة أبحاث ليهتموا في آخر المطاف بمادة معينة ليس من باب الاعتباط، مضيفا بأنه يمكن للنبتة أن تتوفر في تركيبتها على عشرات المواد التي قد تكون واحدة من بينها مفيدة بينما الباقي كله مسموم، وفي هذا الصدد استشهد بتعاطي عدد من المغاربة مع مجموعة من النباتات بداعي فوائدها الصحية، والتي قد تكون صالحة للبعض لكن البعض الآخر قد تكون مميتة له بطبيعة أخذ/تناول أنواعها السامة، وهنا يطرح مشكل الجرعات والمقدار المتناول، الذي لايمكن سوى للمتخصصين تحديد نسبه والمفيد من الضار منه. الحديث عن أدوية تم تحضيرها انطلاقا من مواد مخدرة، يحيل بالضرورة على الحديث، حسب مصدرنا، عن أصنافها وأنواعها، وفقا لهذه المواد الأولية، التي قد تكون عبارة عن حقن أو حبوب أو محاليل للشرب ...، لكون المواد التي تدخل ضمن تركيبتها قد لا تتلاءم وجانب الهضم، فضلا عن كون الحقن نفسها منها التي تحقن في العضلة، أو الجلد أو في العروق، انطلاقا من عنصر التأثير الذي قد يكون سريعا أو بطيئا. مضيفا بأنه بالفعل هناك أدوية في السوق المغربية غير محضرة انطلاقا من نبتة القنب الهندي ، لكن من مواد أخرى تصنف في نفس الخانة، وهي لاتسلم إلا بوصفات طبية شخصية غير قابلة للتجديد، وهي أدوية يوصى بها في بعض حالات المرض بالسرطان، حالات خاصة للصرع، أمراض نفسية ... الخ، موضحا بأن الصيدلاني مطالب بتقديم تقرير عن هذه الأدوية التي تم بيعها وطريقة تصريفها، كما أن المختبرات نفسها التي تستورد هذه الأدوية أو مواد مخدرة لتصنيعها ، فإنها تقدم سنويا ما بين شهر ماي ويونيو لائحة بتلك الأدوية وحاجياتها منها للحصول على الموافقة في هذا الصدد، ثم أن هناك مسطرة دولية تتبع تحدد مسارها من أين خرجت وإلى أين وصلت من أجل التصنيع ومآلها. القنب الهندى ضد الآلام المزمنة من جهته أكد عبد الرحيم دراجي وهو صيدلاني والكاتب العام لنقابة صيادلة المحمدية، على أنه منذ إصدار مرسوم 7 يونيو 1913، أصبح بإمكان أي شركة في فرنسا أن تحصل على ترخيص لتسويق أدوية مصنعة من القنب الهندي، مضيفا بأن مدونة الصحة الفرنسية كانت لا تسمح بذلك. وأشار دراجي إلى أنه ومنذ أن أعطت وزيرة الصحة "ماري زول توران" الضوء الأخضر وكذلك الوزير الأول "مارك أيرون"، أضحى بإمكان الوكالة الفرنسية المكلفة بالأمن الدوائي أن تعطي ترخيصا لصنع وتخزين وتوزيع الأدوية التي تحتوي على القنب الهندي أو أحد مركباته. وفي السياق ذاته، أوضح دراجي أن الشركة الألمانية "بايير" حصلت على رخص لتسويق دوائها "ساتيفاكس" في بريطانيا وفي ألمانيا للحد من آلام أمراض نادرة لا تنفع فيها الأدوية المتواجدة في سوق الأدوية، مؤكدا على أن القرار الفرنسي جاء نتيجة لدراسة قام بها فريق من النواب من الحزب الفرنسي الحاكم، كرد فعل على رفض السلطات الصحية لمريض من مدينة "بيلفورت" كان يعاني من آلام الاعتلال العضلي، أن يستعمل القنب الهندي للحد من آلامه الشديدة. وبخصوص الوضع في المغرب، أكد دراجي على أنه ولحد الساعة لم يسوق بعد أي دواء مستخرج من القنب الهندى، مشيرا إلى أنه ، ونظرا لتكاثر المصابين بأمراض معروفة بحدة آلامها، فلا يستبعد أن تقوم شركة "بايير" أوغيرها من المختبرات ...، بطلب ترخيص في هذا الصدد، مشددا على أنه إن تم الوصول إلى هذه المرحلة، فإنه وعلى غرار كل دواء ، ستقوم وزارة الصحة بتقييم استعماله من خلال لجنة اليقظة الدوائية للتيقن من نجاعته، وفي حال ما إذا تبين أن استعماله تترتب عنه مضاعفات وتأثيرات غير مرغوب فيها، فإن وزارة الصحة ستقوم باتخاذ القرارات اللازمة بعد الاستشارة مع الأخصائيين في هذا الباب، كما هو معمول به دوما.
ثروة تجب الاستفادة منها بالمقابل أكد الدكتور مصدق مرابط، وهو طبيب عام، على أن إنتاج واستعمال القنب الهندي يطرح جدلا في أوساط الفاعلين السياسيين في المغرب ، ويعرف موضوعه سجالا وتباينا بين مختلف المواطنين من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، فهناك من يعتبره ثروة وطنية يجب المحافظة عليها وتنميتها، بينما هناك من يطالب بتدميرها واستئصالها، واستبدال زراعتها بزراعة أخرى حتى يتسنى ضمان العيش الكريم للفئات المعنية من فلاحين. وبين هذه الآراء المتضاربة، يبقى الفلاحون الذين يعتمدون على زراعة هذه النبتة يعانون من التهميش والمتابعات الإدارية والقضائية. وفي السياق ذاته أكد الدكتور مصدق على أن الاستعمال المنتظم لمخدر القنب يعتبر كعلامة لهشاشة اجتماعية مهنية خاصة عند الشباب، الذي يبحث عن النشوة والشعور بالابتهاج والنشاط، الذي يشعرون به بعد تناول مخدر القنب رغم خطر حدوث اضطرابات في الذاكرة، وفي الإدراك الوقتي، فضلا عن تأثيره على الجهاز التنفسي والتطور الدماغي. وأضاف مصدق بأنه من الأخطار المحدقة بمستهلكي مخدر القنب، هناك مشاكل في التركيز والانتباه مما يترتب عنه صعوبات دراسية، النقص في النشاط المهني مع انفصال عن الواقع. وشدد الدكتور مصدق على أن الأطباء يلحون وبشدة على الآثار السلبية لمخدر القنب على التوازن النفسي، والذي تنتج عنه حالات القلق والهلوسة والإحساس بالهلع والذعر، مع تفاقم خطر الإدمان والإصابة بمرض الفصام، وأضاف ذات المتحدث أنه بمقابل هذه التأثيرات السلبية لمخدر القنب وجد الباحثون بعض الآثار الايجابية له، حيث يستعمل في بعض الدول الأوربية، كما هو الحال بالنسبة لهولندا، كدواء ضد الألم، الغثيان /التقيؤ، التشنج، ضعف الشهية المزمن، ولتجنب بعض الجوانب السلبية لعلاج مرض السرطان والسيدا، بالإضافة إلى استعماله كدواء بالنسبة لمرض التصلب المتعدد، آفات الحبل الشوكي، الاضطرابات الحركية، علما بأن الاستهلاك للقنب كمخدر هو من أسباب تدهور الحالة النفسية والجسدية للمستهلكين والمدمنين عليه. من جهة أخرى شدد الدكتور مصدق على أن إشكالية مخدر القنب الهندي تقتضي اعتماد سياسة وطنية تكون نتاجا لحوار وطني شفاف وديمقراطي، الهدف منه العمل على تغليب المصلحة الوطنية، وتفادي الأضرار الصحية الناجمة عن الاستعمال العشوائي لهذه النبتة، مع التحسيس المستمر بالأخطار الجسدية والعقلية والاجتماعية الناجمة عن التعاطي لهذا المخدر، مؤكدا على ضرورة حث المشرع المغربي على إصدار قوانين لتقنين استفادة الصناعة الدوائية المغربية من هذه النبتة، و كيفية استعمالها كدواء في بعض الأمراض الخطيرة. شرعنة تجارية من البوابة الصحية تقنين زراعة القنب الهندي واستعماله في الصناعة الدوائية، أمر أضحى مثار اهتمام المعنيين بزراعة هذه النبتة والعديد من المواطنين على حد سواء، الذين يرون في ذلك خطوة إجرائية مهمة على المستوى الاقتصادي ومن شأنها أن تمنح قيمة مضافة للاقتصاد المغربي، بالنظر إلى أنه سيتم تصديره بشكل واضح وشفاف وبكيفية قانونية عكس وضعيته الحالية، وهو ما سيمكن المزارعين والاقتصاد المغربي بشكل عام، من عائدات مالية مهمة، كما أنه قد يستقطب مشاريع استثمارية لتقام على أرض الوطن في المجال الطبي، مما سيغني عن جو المطاردات الذي تعيشه عدد من عائلات المزارعين لهذه النبتة التي ينتظر الكثيرون شرعنة تجارتها عبر البوابة الصحية!