بعض التصريحات لا تموت، ولكنها تقتل، حتى عندما يمر عليها سيل من الزمن. وكذلك كان تصريح سابق لوزيرة الأسرة والتضامن، فالمرأة الوحيدة في حكومة بنكيران لن تدخل التاريخ المغربي المعاصر لأنها المرأة الوحيدة في حكومة نصف لحية فقط، بل لأنها، أيضا، أسعفت زعيم القاعدة في المغرب الإسلامي بأحد تصريحاتها السابقة، عندما كانت برلمانية في المعارضة، ضد مهرجان موازين وأخواته. وقد ورد في فيديو مخصص للمغرب،عممته القاعدة ضد البلاد، أن المغرب أرض للمواجهة، بعد أن لم يعد بلدا للاستقطاب والتجنيد، وورد فيه، أيضا، مقطع تتحدث فيه الوزيرة الحالية وهي تندد بالمهرجانات عوض أن تذهب أموالها إلى إخواننا في القدس وفلسطين». وكان ذلك كافيا لكي تحبه القاعدة ويحبه عبد المالك درودكال،الذي يقود القاعدة في بلاد الغرب الاسلامي، أي في المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا وجنوب الصحراء، لا سيما مالي. درودكال هذا شهير بصورته وهو يحمل البازوكا،كهوية قتالية، وعليه من الآن أن يضيف إلى هذه الصورة، صورة أخرى و فيها تظهر الوزيرة بحجابها وابتسامتها، وهي تخطب في البرلمان. تعودنا من الوزيرة الكثير من التصريحات التي تسير عكس المزاج العام لبلاد تعيش تعددها وحيويتها بالطريقة السلمية المعروفة.. وقد تابعناها، بالفعل، في قضية زواج المغتصبات، وكيف أنها لم ترأي ضرر في زواج المغتصبة من مغتصبها. آخر شيء في هذا الموقف هو التماسك الأخلاقي. فقد قالت في عز النقاش بخصوص أمينة الفيلالي، التي انتحرت بعد زواجها من الشاب الذي اغتصبها، أن «زواج الفتاة التي تعرضت للاغتصاب من مغتصبها قد لا يكون فيه ضرر لها». ولم يرف جفن لها، ولا تساءلت عن نسبة الألم الذي يمكن أن تسببه للعائلات ولكل المغتصبات، ولاسيما اللواتي يعشن المحن في صمت. بسيمة الحقاوي، كوزيرة بررت أخلاقيا وجنائيا الاغتصاب.. هذا الشعور الأخلاقي بخطورة التصريح، من موقع المسؤولية، لا يختلف، مبدئيا عن الشعور الأخلاقي من موقع المعارضة، كما من الموقف من المهرجانات.. الحكماء القدامى قالوا، لعل أحد ما يسمعهم طوال القرون التي يبقى فيها كلامهم، الحرب أولها كلام. وإذا أفلتت اليوم من الحرب التي سببتها تصريحاتها عن أمينة الفيلالي، لها أن تتساءل بجد عن التصريحات، و بعد أن تصبح مادة للتعبئة والتجييش الإرهابي ضد البلاد. لقد طرحت قضية المهرجانات، في سياق الاستعداد الانتخابي أساسا كقضية فساد وتحلل أخلاقي، وتم تغليفها، في سياق الاستعداد للحرب ضد جزء من الدولة، بتبديد المال والفساد المالي. والتقت الدعوة إلى محاربة الفساد الأخلاقي والعقدي، بالدعوة إلى الإفساد المالي والسياسي، في نقطة واحدة هي .. الرفض من منطلقات دينية، وليس غيرها. وهو ما تم استعادته والركوب عليه بسهولة من طرف القاعدة وقائدها درودكال. وأصبحت الوزيرة شاهدة إثبات لدى الذين يدعون إلى تحويل البلاد إلى أرض للمواجهة. وهكذا هي قضية الحقاوي مثل الأفران: منين جاتك النار الفران؟ من .. فمي أمولاي. والفم ، من مشتقات البازوكا. وبعد الكلام يليه الدخان، كما لو أن رصاصات خرجت منه. لا أحد يقول إن الوزيرة ستترك الكرسي الوزاري وتلتحق بكثبان الرمال في الازاواد، ولا أنها ستشعلها صواريخ في جبال الأوراس.. الويزرة أصبح لها اسم شهرة هو بازوكا الحقاوي، لأن درودكال كان أذكى منها، لما انتظر سنوات لكي يدبج فيديو يعتمد فيه على مواقفها قبل الحكومة. ما من شك أن الكثير من زملائها الحاليين، كانوا بمثابة مولوتوف في هذه القضية الخاصة بالمهرجانات. وعلى رأسهم الجنرال حبيب مولوتوف الشوباني . الشعبوية أحيانا تكون أكبر كاتالوغ لتصنيع الأسلحة السريعة الاستعمال. وهي الطريق، بالفعل، إلى ميلاد الوحشية. كيف ستشعر الوزيرة الآن وقد ورد كلامها حطبا لنار تهدد بلادها؟ عليها أن تتحدث، الآن.. تلك قضية أخلاقية أولا.