إن عدم تفعيل الحكومة لمخططها التشريعي ومن ضمنه إصدار القوانين التنظيمية الجديدة ذات الصلة بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ، وتأسيس بنيته الدستورية الجديدة ، ادخل المجلس في حالة من الجمود ...وعطل إصدار عدد من الدراسات والأبحاث إضافة إلى آراء ودراسات أخرى أعلن عنها المجلس الأعلى في كثير من بياناته وضمنها آراء محورية ومهيكلة من مثل رأيه في المعضلة اللغوية في المدرسة المغربية. المتتبعون لآليات اشتغال المجلس يرون أن الحاجة اليوم ملحة لتثبيت هذا المكسب وتجديد آليات اشتغاله وهياكله. ذلك أن السير الحالي لإصلاح المنظومة بحاجة حقيقية وفعلية لمجلس من هذا العيار ولإنجازاته ولمقترحاته وتوصياته ، وبالتالي فإن اللحظة تتطلب من الحكومة إخراج هذا المجلس من غرفة الانتظار ووضعه مرة أخرى على سكة الفعالية والمردودية ، خاصة بعد تنصيب جلالة الملك لعمر عزيمان رئيسا جديدا للمجلس . وكان جلالة الملك قد دعا في رسالة تنصيب المجلس الأعلى للتعليم ? لحظة تأسيسه - أن يجعل من صدارة أعماله ، اقتراح الحلول الناجعة للمعضلات الحقيقية للتعليم والانكباب على القضايا الجوهرية لهذا الإصلاح المصيري بإعطائه الدفعة القوية التي تتطلبها المرحلة ، والشحنة التي يستدعيها واجب تأهيل رأسمالنا البشري ، وتهييئ الغد الأفضل لأبناء المغاربة . وتبعا لذلك أضحى المجلس الأعلى للتعليم مؤسسة دستورية ذات طابع استشاري يترأسها جلالة الملك بموجب الفصل 32 من دستور المملكة المغربية. وقد أناط المشرع المجلس الأعلى للتعليم باختصاصات من أهمها استشارة المجلس في مشاريع الإصلاح المتعلقة بالتربية والتكوين ، والقيام بتقويمات شاملة للمنظومة الوطنية للمنظومة على المستوى المؤسساتي والبيداغوجي والمتعلق بتدبير الموارد والسهر على ملائمة المنظومة مع محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، كما أعطى المشرع للمجلس حق الإدلاء برأيه في كل القضايا المتصلة بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين التي يعرضها عليه جلالة الملك ..كما يبدي رأيه في استراتيجيات وبرامج إصلاح منظومة التربية والتكوين ، ويمكن للمجلس أن يبدي برأيه للحكومة في مشاريع النصوص القانونية والتنظيمية ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لقطاع التربية والتكوين ، كما يمكنه أن يرفع إلى نظر جلالة الملك اقتراحات في شأن كل التدابير الكفيلة بالإسهام في تحسين جودة ومردودية منظومة التربية والتكوين وكذا مختلف مكوناتها ، وتبعا لذلك ، يرفع المجلس الأعلى للتعليم ، كل سنة ، وتقريرا يعكس حالة وآفاق منظومة التربية والتكوين . واعتبارا للمكانة المتميزة التي يتبوؤها التعليم والتكوين في المشروع المجتمعي بالمغرب ، ولما يكتسيه دور المدرسة بمفهومها الشامل من أهمية في إرساء دعامات التنمية البشرية وتعميم مجتمع المعرفة وترسيخ قيم المواطنة المسؤولة والتسامح وإعداد أجيال المستقبل ، وانطلاقا من الضرورة القصوى لمواكبة الإصلاح المتجدد للمنظومة الوطنية للتربية والتكوين بآلية ذات قوة اقتراحية، وفعالية استشارية مزودة بأداة ناجعة للتقويم المنتظم لمردودية المنظومة التربوية، تمت إعادة تنظيم المجلس الأعلى للتعليم سنة 2006 بمقتضى ظهير . ويندرج إعادة تنظيم المجلس في إطار تثمين عمل اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين وتفعيل توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين واستكمال مسار الإصلاح التربوي بما يعزز تجديد المدرسة المغربية وانفتاحها على مجتمعها وعلى المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الوطني والدولي، مع ضمان التتبع والتقويم الدائمين للإنجازات المحققة والنتائج المحرزة لاستكشاف مواطن الضعف واقتراح الحلول الناجعة المتاحة. المجلس الأعلى للتعليم شكل - بالنسبة لعدد من المتتبعين - أحد المجالس الأساسية التي يقرها الدستور المغربي ، وذلك بالنظر إلى الأهمية البالغة التي يكتسيها النظام التربوي باعتباره قاطرة للتنمية الشاملة . المجلس وبعد إسناد مهمة رئاسته إلى المرحوم الأستاذ عبد العزيز مزيان بلفقيه ، عمل - وبشهادة عدد من المتتبعين - بفعالية وحنكة عالية في تنظيم العديد من الدراسات الهامة أبرزها تقريره المشهور سنة 2008 المعروف ب «حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها» بأجزائه الأربعة ، والذي وقف عند أهم الاختلالات التي عرفها مسار تطبيق الإصلاح والتعثرات الحقيقية التي ما تزال قائمة ، كما وقف عند النتائج الواعدة التي حققتها المدرسة المغربية ، وقد رسم هذا التقرير الهام مداخل العمل من أجل إنجاح المدرسة للجميع محددا الفضاءات ذات الأولوية ، ومدققا في القضايا الأفقية من أجل تعاقد جديد لتقوية الثقة في المدرسة العمومية. هذا التقرير تم اعتماده في إرساء الدعامات الأساسية والمشاريع المهيكلة للبرنامج الاستعجالي 2009/2012 ، كما أصدر المجلس عدة دراسات وأبحاث وآراء وجه بعضها إلى جلالة الملك والبعض الآخر إلى الحكومة ، وعزز هذا المجلس إنتاجاته بتقارير حول تقويم التعلمات ببرنامج وطني عرف ب (PNEA) حيث أصدر تقريره في ماي 2009 عن الهيئة الوطنية لتقويم منظومة التربية والتكوين وبشراكة مع الوزارة المعنية . كما أصدر عدة أعداد من مجلة «المدرسة المغربية» وأعداد أخرى من «دفاتر التربية والتكوين» في انتظار إصدارات علمية هامة أخرى ..