الحاج بلعيد محمد البعقيل، عميد الأغنية الشلحية، يعتبر قيدوم الأغنية الأمازيغية، فهو شاعر مبدع وموسيقي رائع، وأستاذا كبيرا في التأليف واللحن والغنى، معلما ونبراسا للعديد من الروايس. اسمه الكامل بلعيد بن امارك بن ابراهيم، أمه جرارية من عين أولاد جرار بنواحي تيزنيت، لم يكن يضبط تواريخ الميلاد والوفاة، إلا أن المرجح أنه قد يكون ولد ما بين سنة 1870 و1875، في «أنون عدو» (بئر عدي) التابع للجماعة القروية «ويجان» وهي تبتعد عن مدينة تيزنيت بمسافة 12 كلومتر. مات والده وهو مازال صغيرا، غادر مسقط رأسه واستقر ببلدة تازروالت، وتكفلت أمه بتربيته، بدأ يتعلم في الكتاب، انقطع عن الدراسة، واشتغل راعيا للغنم لدى أحد الفلاحين وهو لازال طفل في قرية إعجنين. كان بلعيد عصاميا رغم قلة تعليمه، كون نفسه وقرأ الكتب الدينية. فكان أنذاك يتقن الغناء بالمزمار حيث كان مولعا بالغناء، مما جعله يلفت انتباه شيخ رماة سيدي محمد أوصالح أتزروالت، الذي أدمجه في فرقته البهلوانية، لكونه يتقن الغناء بالمزمار. فأصبح الشاب بلعيد يتنقل مع هذه الفرقة. وكان أحيانا يعمل على العزف على آلات موسيقية أخرى وخصوصا منها الرباب، وبقي على هذا الحال إلى نهاية القرن الماضي. ثم التحق بمجموعة أولاد سيدي احماد وموسى بواسطة سيدي محمد التازرو، وتعلم العزف أيضا على الرباب والبندير والتر. ثم أسس مجموعة خاصة به، تضم عدة فنانين، وهذه المجموعة جاب بها بلعيد جميع أنحاء المغرب. يعتبر محمد بلعيد من بين المغنيين المغاربة الأوائل الذين سجلت إنجازاتهم الفنية في فونوغراف مع بداية العشرينيات من هذا القرن. كما أنه يعد من أكبر الرياس الموسيقيين الذين نتوفر على جزء مهم من أعمالهم، وبالنسبة للفنان بلعيد فهو أشهر مؤلف موسيقي للأغنية الأمازيغية بالجنوب المغربي، وقد سجل أكثر من 60 قصيدة، بالإضافة إلى مجموعة من القصائد الشعرية غير المسجلة. كان يكتب قصائده بخط يده قبل أن يلحنها. كان ذو فلسفة خاصة من خلال كلماته التي تعبربها عن الواقع المعاش. كان الفنان بلعيد معلما مشهورا وسط «الروايس». وقد تتلمذ على يديه الكثير منهم واستطاع تكوين وتأسيس عدة أجواق موسيقية. كان الفنان محبا للترحال والأسفار، سافر بلعيد إلى الشرق ومكث به سنتين حيث أدى فريضة الحج قبل رجوعه ليستمر في تكوين أفواج من «الروايس» إلى أن توفي قبل نهاية الحرب العالمية الثانية. كان قد زار مصر والسعودية وفلسطين وسوريا وتركيا. وحسب بعض الوثائق فإن الرايس بلعيد قد حل بمدينة طنجة قبل أن يسافر إلى الشرق، وفي 28 أكتوبر 1910 وصل إلى مدينة مرسيليا الفرنسية قادما من الحج، وتحدت عن رحلته في قصيدة شعرية عن الحج عندما عاد مابين 1908 و1910 حيث كان قد خرج من فرنسا، أحيى سهرات للجالية المغربية. تحدث بلعيد عن معركة فرنسا مع أيت باعمران، واحداث تيزي وزو، و هجوم الطائرات الفرنسية على المواطنين الأبرياء. تحمل أغاني بلعيد تاريخا دقيقا للأحداث التي عايشها بكل تفاصيلها، كما غنى أيضا عن كل المواضيع وعن المرأة والحب والوطن، ولديه أغنية حول باريس سجلها سنة 1930 بحضور الموسيقار محمد عبدالوهاب في إحدى الإستيديوهات بالعاصمة الفرنسية. وهناك تعرف عليه في استديو للتسجيل بباريس، فأعجب به عبد الوهاب. ويقال بأنه اقتبس من بلعيد بعض الجمل الموسيقية. كانت للفنان بلعيد مجموعة غنائية يتنقل بها بين قصور القواد والأعيان في كل من سوس والأطلس وحتى مراكش والصويرة. وكان له محبين يريدون الإستماع إلى أغانيه وألحانه. كما كان ينزل ضيفا عند اكلاوة بمراكش وتلوات، ويقوم بجولات عمل في جنوبتزنيت إلى غاية نواحي أيت باعمران. كما كان حلمه أن يزورفرنسا منذ أن غنى قصيدة «أمودون باريز» (الرحلة الباريزية) يصف فيها محمد الخامس بالعاصمة الفرنسية سنة 1931. وفي سنة 1932 كان بلعيد ضيفا عند «بروسبيرريكار» في معهد الموسيقى المغربية بالرباط. حاول أحد ممثلي شركة التسجيل «بيضفون» بالمغرب استغلال بلعيد وفنه بأبخس الأثمان، ومن الأدلة على ذلك رسالة مؤرخة سنة 1933 يعبر فيها محمد القباج للفنان بلعيد عن استعداده للتدخل لتسوية النزاع القائم بينه و بين ممثل «بيضافون»، ومع ذلك فإن هذه المشاكل لم تمنع الحاج بلعيد من التعامل مع هذه الشركة في غياب بديل آخر. في سنة 1935 توصل بدعوى من الجالية المغربية بضواحي باريس حيث التزم بتقديم سهرات لمدة ثلاثة أشهر. وخلال هذه الجولة سجل في باريس مجموعة من قصائده، وكان من الأوائل الذين بادروا إلى التسجيل. كانت آخر رحلاته سنة 1938 إلى باريس. في سنة 1940 تم إعفاءه من الخدمة المخزنية بسبب تقدمه في السن، وبعد سنوات قليلة توفي، أي ما بين سنة 1944 و1945 بعد أسبوع من المرض، ودفن بقريته «أنو ن عدوإدا ? أوبعقيل». وترك ابنه الرايس محمد بن بلعيد، كما ترك مدرسة ترايست في أوج نشاطها وازدهارها.