عاشت القاعة رقم 1 بالمحكمة الابتدائية لالة عودة مكناس، ما بعد ظهر يوم 16/07/2013 ، أشواطا ساخنة ضمن الملف الحامل للرقم 1366/13 الذي يتابع فيه أربعة أظناء في حالة اعتقال وصاحب شاحنة في حالة سراح بتهمة «افتعال الزيادة في مادة الدقيق المدعم بالتدليس والادخار السري لسلعة قصد المضاربة فيها وتحريف المنافسة طبقا لمقتضيات الفصول 6،55 ، 67 ،و68 من القانون رقم 06،99 والمتعلق بحرية المنافسة « ، إذ اعتبرت الهيئة القضائية الملف جاهزا بعد استكماله لكافة الشروط، مما أتاح الفرصة ولأول مرة للدفاع قصد الدخول في مناقشة الملف، والتطرق لكثير من الحيثيات التي تحتاج لتوضيح سواء من حيث الشكل أو المضمون ، إذ تقدم الدفاع بالعديد من الدفوعات الشكلية في ما يخص فصول المتابعة طبقا لمقتضيات قانون المنافسة وعلاقته بالنازلة، وهو القانون الذي يفرض استشارة مجلس المنافسة في ما يخص المادتين 6 و7 ، وكذا إجراء ما يلزم من الأبحاث التي ينص عليها القانون قبل إقرار الجزاءات طبقا لمقتضيات المادة 61 ، وهي مجموع الأبحاث التي يباشرها إداريون مؤهلون لهذا الغرض ، حيث يترتب عن هذه الأبحاث تحرير محاضر ، وإن اقتضى الحال تقارير بحث تتعلق أساسا بالمادتين 6 و7 قصد رفعها للسلطة التي تطلبها ، كما تطرق لذلك دفاع المشتكي الذي غدا متهما وهو بالمناسبة الكاتب المحلي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالحاجب بعدما شاءت الصدف أن يتحول في ظروف غامضة إلى متهم في القضية ، ويقضى ما يزيد عن 15 يوما خلف القضبان بسجن تولال. ووقف الدفاع في مناقشته للجوهر، وبكثير من التفاصيل، عند دلالات وأهداف مجموع فقرات المادة 6 من قانون المنافسة والتي تقول بالحرف : - تحظر الأعمال المدبرة أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية كيفما كان شكلها وأيا كان سببها، عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن يترتب عنها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما، ولا سيما عندما تهدف إلى: - الحد من دخول السوق أو الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى . - عرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها . -حصر أو مراقبة الإنتاج أو المنفذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني . - تقسيم الأسواق أو مصادر التموين . وتساءل دفاع المشتكي ( المتهم ) والمكون من الأساتذة فوزية الحريكة، عيسى الهلالي ومصاحو عن هيئة مكناس في كثير من المرات عن العلاقة السببية التي تجمع مختلف فقرات هذه المادة بالمشتكي أي الكاتب الاقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالحاجب، مؤكدين كونه هو الذي تقدم للدوائر الأمنية وصرح طواعية ومن تلقاء ذاته وبدافع غيرته، عن المخالفة المرتكبة ، الأمر الذي يتأكد أيضا من خلال مضمون محاضر الشرطة القضائية وخاصة الفقرة التي تقول : «بتاريخ 22 يونيو 2013 توصلت هذه المصلحة -أي الشرطة القضائية بالمنطقة الإقليمية للأمن بالحاجب - بإخبارية من المسمى عبد الفتاح ارميشي الحامل للبطاقة الوطنية عدد.. ......كون شاحنة قادمة من مدينة تاوجطات محملة بأكياس من الدقيق المدعم ستحل بمكان تواجد دكانه بمدينة الحاجب من اجل إفراغ حمولتها بطريقة غير قانونية ، وأن الحمولة لا يمكن نقلها مبدئيا إلا بواسطة شاحنة تابعة للشركة الوطنية للنقل واللوجستيك، والتي يتوجب ان تكون قادمة من مدينة مكناس«، فكيف تحول إذن المشتكي في رمشة عين إلى متهم ،وما سر اعتقاله في قضية هو أصلا من صرح عنها، وخطط لفضحها مباشرة بعد تيقنه من وجود تلاعبات فيها.؟ وكان القاضي رئيس الهيئة قد استمع لكافة الأظناء بمن فيهم عبد الفتاح ارميشي الذي أكد كونه صاحب كوطا قانونية في حدود 22 طنا و 600 كلغ مقننة بكافة الوثائق المسلمة له والتي توجد بين يدي القاضي رئيس الهيئة ، وبكونه ظل يطالب بكوطته كاملة وليست مجزأة قصد تزويد السوق المحلية بمادة الدقيق دون أن يتلقى طلبه أي استجابة في الموضوع ، وعند قرار الوسيط بتزويده ب 4 أطنان ونصف فقط مقابل الحصول على الوثائق التي بحوزته سارع لإخبار الشرطة بالأمر ، لتقوم هذه الأخيرة بتوقيف الشاحنة في أحد الحواجز الأمنية بالمدار الحضري عشية 22 يونيو 2013 ، وهو ما أكده مرة أخرى في شهادته سائق الشاحنة الذي اعترف بكونه لا يعرف عبد الفتاح ارميشي وبكونه اعتقل بعيدا عن دكان هذا الأخير في ممر أمني، وعلى ظهر شاحنته 4 أطنان ونصف من الدقيق المدعم قادمة من عين تاوجطات في اتجاه الحاجب دون أن يتمكن من إفراغ شحنته ، ليعلم فما بعد داخل مخفر الشرطة بكون المسمى عبد فتاح ارميشي هو من صرح بوجود الدقيق على متن شاحنته . كل هذه الاعترافات إلى جانب أخرى تقدم بها الأظناء الأربعة ، جعلت الدفاع يتساءل عن سر تكييف النازلة مع فصول القانون الذي صدر في عهد حكومة التناوب التوافقي، وهو القانون رقم 99 /06 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 225 .00.1 المؤرخ ب 2 ربيع الأول 1421 ( 5 يونيو 2001) وخاصة ما يتعلق بمواد المتابعة 6 .55. 67 . و68، وذلك من خلال طرح جملة من التساؤلات التي جاءت على لسان الدفاع كما يلي : - أي علاقة للمشتكي بتهمة افتعال الزيادة في الأسعار إذا كان هو أصلا لم يحصل على حصته الأولى في سجله التجاري من الدقيق المدعم ؟ بل لم يدخل لدكانه ولو كيس واحد من الدقيق كما تؤكد ذلك الوثائق المتضمنة للملف؟ فهو لم يوقع لا على أوراق التسليم الحاملة لتوقيعات باقي الأطراف من مطاحن وشركة للنقل ؟ ولا على محاضر التزود بمادة الدقيق ؟ بل حتى التاجر الذي يشغل الوساطة ما بين المطاحن وأصحاب الحصص صرح في الصفحة الثانية من محضر الشرطة القضائية أمام النيابة العامة بكونه « يعلم جيدا عدم توصل عبد الفتاح ارميشي بحصته من الدقيق»، فأي علاقة إذن للمشتكي بالتدليس والادخار السري لسلعة الدقيق ، إذا كان هو لا يزال لحدود اعتقاله يطالب بحصته التي لم تكن قد وجدت طريقها بعد لدكانه رغم انقضاء الشهر؟ ، وأن الدقيق المحجوز على متن الشاحنة بالممر الأمني هو الذي كان قد صرح به ليحجز ؟ وأي علاقة لعبد الفتاح ارميشي بمبدأ المضاربة إن كان هو فعلا لم يتزود ولو بكيس واحد من الدقيق المحدد في كوطته حتى يضارب فيه ؟ بل ظل ملحا ومطالبا بإدخال حصته كاملة للسوق حتى يبيعها للفئات المعوزة ؟وكيف يمكن لتاجر لم يتزود بعد بحصته الأولى من نوعها أن يحرف المنافسة ويؤثر على سيرها ؟. تلكم العديد من التساؤلات التي وردت على لسان الدفاع، والتي جعلت متتبعي أشواط هذه المحاكمة التي وفرت لها كافة شروط النجاح وخاصة ما يتعلق بحقوق الدفاع والمتهمين -جعلت المتتبعين- يغوصون في بحر ملف الدقيق المدعم من أوله إلى نهايته بدءا بتكوين ملف الكوطا إلى توزيع الدقيق المدعم بالسوق العمومي مع هامش الربح الضعيف وإكراهات التسويق، بل جعلتهم يمسكون بكثير من خيوط هذه العملية، دون أن يتمكنوا على عكس ذلك من الإجابة عن سؤال ظل عالقا حتى النهاية : ما السر في تحول مشتك إلى متهم في القضية؟