كانت لحظة قوية من العمق الفكري والوفاء للسؤال والتأمل الهادئ ، تلك الجلسة التي نظمها فرع الاتحاد الاشتراكي بالحي المحمدي جليز بمراكش ليلة السبت السادس من يوليوز 2013 في لقاء تواصلي مع القيادي الاتحادي عبد الجليل طليمات في موضوع « الوضع السياسي الراهن : التحديات والرهانات « . في مستهل هذا اللقاء التواصلي، قدم عبد الحق عندليب، كاتب فرع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالحي المحمدي/ جليز، ورقة تأطيرية لموضوع اللقاء أثار من خلالها بعض الأسئلة التي تشغل بال الاتحاديات والاتحاديين والمهتمين بالشأن السياسي في بلادنا وكافة المواطنات والمواطنين. وقد جاءت هذه الأسئلة على الشكل التالي: أية علاقة بين ما يعيشه العالم العربي من حراك أدى إلى سقوط بعض الأنظمة الديكتاتورية، وما أفرزته انتخابات 25 نونبر 2011 في بلادنا من أوضاع تتميز بتبوء حزب إسلامي للمشهد السياسي بينما حكمت هذه الانتخابات على حزبنا بالنزول إلى المعارضة؟. إلى أي مدى يمكن اعتبار ما جاء به دستور 2011 من جديد في مجالات تكريس خيار الملكية البرلمانية وترسيخ الديمقراطية وتعزيز قيم العدالة الاجتماعية وحماية المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، بمثابة تماه مع مطالب حزبنا واستجابة فورية لما رفعته حركة 20 فبراير من شعارات؟. هل يعتبر تلكؤ حكومة بن كيران في تنزيل الدستور الجديد بمثابة محاولة تستهدف الالتفاف على ما تضمنه هذا الدستور من مكاسب تعتبر ثمرة لنضال شاق وطويل خاضه حزبنا وخاضته مختلف القوى الديمقراطية واليسارية والمدنية في مجتمعنا؟ ألا يعتبر فك الارتباط بين حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية بعد تجربة حكومية لم تبلغ بعد سنتها الثانية، إعلانا عن فشل الحزب الذي يدعي الإسلام في أول امتحان له في تدبير الشأن الحكومي؟ ألا يعتبر ما يجري في مصر الشقيقة والمتمثل في اندلاع ثورة 30 يونيو التي أعاد من خلالها الشعب المصري الأمور إلى نصابها، درسا بليغا لمن يحاول إخفاء قصوره السياسي بارتداء عباءة الإسلام؟ كيف السبيل إلى جعل وحدة اليسار هدفا وخيارا استراتيجيا لا محيد عنه من أجل تجاوز وضعية التشرذم ومواجهة قوى الفساد والمد الرجعي الظلامي ؟ أما السؤال الذي اختاره جليل طليمات ، واعتبره مؤطرا لتدخله ، فصاغه على النحو التالي: أين نحن ، في هذه المرحلة ، و بعد سنتين من الحراك الشعبي المسمى مجازا الربيع العربي؟ أين نحن ، اليوم ، من الآمال التي فجرها هذا الحراك بالقطع مع الاستبداد ، والقضاء على الفساد ، وتحقيق الحرية و العدالة والمساواة والكرامة ؟ وفي السياق المغربي ، بما يتضمنه من خصوصية ، فيمكن صياغة السؤال كما يلي : أين نحن من العهد الدستوري الجديد ؟ أين نحن من التفاؤل الذي عشناه بعد إقرار الدستور الجديد ؟ وكمنطلق لتحليل هذا السؤال ، أكد طليمات أن الوضع الراهن مترابط في أبعاده الدولية والجهوية والإقليمية والوطنية ، مشيرا إلى أن هناك مشتركا عربيا إسلاميا بين شعوب و بلدان المنطقة. فعلى عكس مزاعم النزعات الشوفينية ، لم يأتنا من الشرق فقط الفكر الوهابي الظلامي ، بل إن تيارات الحرية والتحرر ، وأصول الفكر الليبرالي والاشتراكي وفدت علينا مبكرا من الشرق ، ناهيك عن مختلف صنوف الإبداع الفني و لأدبي ، وهو ما يفند ادعاءات أولئك الذين يرغبون في سلخ المغرب عن محيطه العربي الإسلامي الإفريقي . وفي سياق هذا المشترك الذي يجمع المغرب بمحيطه العربي ، استخلص طليمات مجموعة من ، ومنها كون الشعب أصبح قادرا عن التعبير عما يريده بكل حرية ، حيث قطعت الشعوب بعد الحراك العربي مع ثقافة واجب الطاعة للحاكم ولو كان جائرا، الخلاصة الثانية التي تهم هذا المشترك العربي ، يحددها طليمات في كون هذه الثورات أبانت عن فراغ سياسي وكشفت ضعف النخب السياسية والثقافية والليبرالية واليسارية في التأطير . وهو ما جعل هذه الثورات تدور حول نفسها . بل أصبحت تهدد الوحدة الوطنية للدول و كياناتها المستقلة (سوريا ، ليبيا ..) .أما الخلاصة الثالثة فتتمثل في أن هذه الثورات أظهرت هيمنة التصور الاختزالي للديمقراطية في الشرعية الانتخابية ( كما حدث مع محمد مرسي) ، وذلك بدل اعتماد مفهوم المشروعية الديمقراطية التي تقوم على القناعة الديمقراطية المحترمة للتعدد والانفتاح التدافع السلمي. وبالنسبة لخصوصية الوضع بالمغرب فحددها في ارتباطه بما قبله، و في تراكمات على طريق الديمقراطية تقوم على التعددية ، وسمها النضال من أجل القطع مع الاستبداد ونظام الحزب الواحد ، وتوج هذا المسار بحكومة التناوب التي رسمت آفاق مرحلة جديدة توافقية . وفي هذا الصدد نبه طليمات إلى أن التوافق ليس صفقة ، بل هو نقطة التقاطع الأساسية التي يمكن أن يصل إليها الخصوم السياسيون لانتشال البلد من أزمة ما وتوقف طليمات عند التحديات والرهانات التي تنتصب في الوضع الراهن ، وحددها في أربعة تحديات ، هي التحدي الوطني والتحدي الديمقراطي و التحدي الاقتصادي الاجتماعي والتحدي الثقافي التربوي الهوياتي . بخصوص التحدي الوطني ، أوضح المتحدث أنه مرتبط بتعزيز الوحدة الترابية للمغرب في مواجهة مناورات الخارج و الداخل ، مؤكدا على ضرورة تفعيل الإجماع الوطني حول قضية الصحراء ، والشروع في تنزيل الحكم الذاتي في الصحراء، واعتماد مقاربة تنموية جديدة ، وإيجاد آلية وطنية جديدة لحل مسألة حقوق الإنسان بالصحراء، وتفعيل الجهوية الموسعة .. واعتبر أن التحدي الدمقراطي مرتبط بالتفعيل الديمقراطي الحداثي لدستور 2011 ، ملاحظا أنه رغم أن الدستور الجديد شكل تحولا نوعيا في مسار الدساتير المغربية ، وفتح آفاقا جديدة نحو بناء نظام الملكية البرلمانية ، لكنه يطرح علينا تحديا آخر هو: هل لدى النخب السياسية المغربية ثقافة هذا الدستور ، لأن ما نراه اليوم و نعيشه يبين أننا بعيدون عن تمثله . وأشار طليمات إلى أن السؤال المطروح اليوم هو: ماذا أنجزت الحكومة الحالية تفعيلا لهذا الدستور ؟ وماذا حققت من مطالب الحراك الذي حملها إلى رئاسة الحكومة ؟. وفي إجابته عن هذه الأسئلة، لاحظ المتحدث أن هناك تأخرا كبيرا وغير مبرر للحكومة في إعداد القوانين التنظيمية ، بل إن رئيس الحكومة تنازل عن الكثير من صلاحياته المكرسة في الدستور الجديد . وأكد أن الحكومة مطالبة بأن تعي جيدا أن تفعيل الدستور عملية تستدعي التشارك و التوافق بعيدا عن منطق الأغلبية العددية ، مشيرا إلى أن الحكومة فشلت في التجاوب مع مطلب محاربة الفساد . وبخصوص التحدي الاقتصادي الاجتماعي، لاحظ جليل طليمات أن الحكومة بقيت مترددة في القيام بإجراءات إصلاحية متوافق عليها، واختياراتها متوجهة للإجهاز على ما تبقى من قدرة شرائية . أما التحدي الثقافي التربوي الهوياتي ، فيؤكد بصدده عضو المكتب السياسي للحزب ، أنه أمام تصاعد النزعات الهوياتية وتنامي جماعات التكفير التي تتحدى القيم السمحة للإسلام ، يبرز تحدي إنتاج خطاب تنويري حول الدين . إذ لا تحديث سياسي بدون تحديث ثقافي وديني وعرف اللقاء الذي سيره الأستاذ سعيد بوبيل ، مناقشة عميقة استعاد فيها المتدخلون جوانب إشكالية من تصور عبد الجليل طليمات ورؤيته التي عرضها في مداخلته حول تحديات الوضع الراهن ورهانات المرحلة القادمة.