عن منشورات « لامارتينيير» ( يونيو 2013 ) صدر المجلد السادس من الحلقات التعليمية التي سبق أن ساهم بها شفهيا، ما بين 1950 و 1980 ، الطبيب و المحلل النفساني الفرنسي « جاك لاكان « ( 1901 ? 1981 ) ويقوم بتدوينها قريبه « جاك ? ألان ميلر الوصي الوحيد على طبعها ونشرها.. يتناول هذا الإصدار الجديد الذي حظيَ بمقال نقدي نشرته جريدة «لوموند» (14 يونيو 2013) ، موضوعَ « الرغبة وتأويلها» من وجهة نظر «جاك لاكان» الذي يجعل منها (الرغبة) تعبيراً عن شهوة تصيو إلى إشباع مطلق بدون ارتكاز على مواضيع واقعية وخارج أية أمنية يُرجى تحقيقها .. فالرغبة بالمعنى اللاكاني تحيل على جدلية صراع حتى الموت .. وهي ليست مطلبا ولا حاجة ولا انجازا لأُمنية لاشعورية ؛ ولكنها التماس لاعتراف يستحيل إرضائه ما دامت تقوم على استيهام، أيْ على مًتخيَّل آخر.. ومن أجل توضيح هذا التصور للرغبة، يعمد «لاكان» إلى إعادة اكتشاف أعمال «سيكموند فرويد» مُخصِّصا لذلك سبع محاضرات حول شخصية «هملت».. تذكرنا كاتبة المقال (إليزابيت رودينسكو) بما قام به «فرويد» من ربط بين مصير «أوديب» «سوفوكل» و»هملت» «شيكسبير» جاعلا من الأول تجسيدا لتراجيدية اللاشعور ? قتل الأب (لايوس ) والزواج بالأم (جوكاستا) - ؛ ومن الثاني بطلا لمأساة الوعي المُذنب (الشعور بالذنب) .. فهذا الأمير، حسب «فرويد»، لم يتوصل إلى الثأر لأبيه (الشبح) ولم يستطع قتل «كلوديوس» الذي تزوج أمه (جيرترود) .. وانطلاقا من هذا التقريب بين الشخصيتين (أوديب وهملت) يستنتج «فرويد» فكرته التي مفادها أن الذات (في نهاية القرن 19 ) تشبه «أوديب» أكثر من «هملت» (...) .. ولأن الذات مذنبة لكونها ترغب الأم وتريد قتل الأب، فهي تجد نفسها فريسة لعُصاب أسَري يقودها إلى تمرد أبدي إزاء الأب وما يمثله من سلطة أبيسية متهاكلة.. ستون عاما، فيما بعد، ينفصل «جاك لاكان» عن هذا التفسير منتفضا ضد أنصار الفرودية الأرتودوكسية الرسمية .. ف «هملت»،عند «لاكان»، بدَل أن يكون تجسيدا للبطل المتمرد، يصبح ذاتا كئيبة، سوداوية، تواجه أباً ميتاً ( الشبح ) كما تواجه، أيضا، مظهرين للأنوثة : أمٌّ تقترف زنا المحارم وعذراء مجنونة ( «أوفيلي» ) .. ف «هملت» ( = الذات الحزينة ) إذن، يسقط ،نتيجة ذلك، في فخ حركة يشلها الفكر .. فهو إن هو لم يتوصل إلى قتل «كلوديوس»، فلأنه لا يريد وضع حد لحياة عدوه فقط؛ بل يريد الزج به في الجحيم لكي يكون رهن التعذيب حتى الأبد .. بعبارة أخرى، فهو يُأجل الموت في شكله الأول ليحقق الشكل الثاني : ليجد نفسه بين موتين .. هذه هي الوضعية التي يوجد فيها إنسان العصر الحديث بعد الحرب العالمية الأولى، حسب «لاكان».. وضعيةٌ تراجيدية حقيقية يشخص فيها هذا الإنسان انعدام الإرادة وسؤال الوجود من عدمه، ليسقط بالتالي ضحية رغبة بلا موضوع أمام تحرر الرأة وانهيار المُثل العليا للأبيسية .. ولكي يتخلص من هذه الوضعية وجب عليه مواجهة تحليل نفسي متجدد .. ولقد أعاد «لاكان» تناول هذه المضمونية عند تعليقه على «أنتيكونة» في إحدى كتاباته عن «أخلاقيات التحليل النفسي» سنة 1986 ..? عن جريدة «لوموند» ( يونيو 2013 ) بتصرف