في الوقت الذي ينظم فيه مهرجان مرتيل ندوة دولية حول »السينما تحت مجهر التاريخ: الأرشيف والذاكرة«، في الوقت الذي تجمتع فيه المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مع المركز السينمائي المغربي والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية لتنظيم يوم دراسي في موضوع: »الإبداع السينمائي في خدمة الذاكرة التاريخية للمقاومة الوطنية، وفي الوقت الذي أطلّ على الساحة المغربية موضوع الأرشيف بكل أهمياته، في هذا الوقت بالذات، يأبى الشاعر الكبير والمناضل القوي عبد اللطيف اللعبي إلا أن يضع أرشيفه في معهد ذاكرة النشر بفرنسا، أرشيف يحمل بين أوراقه رسائله من السجن إلى زوجته جوسلين، ووثائق متصلة بفترة مجلة «أنفاس»، وأخرى عن محاكمة الدارالبيضاء وهلم جرا... كيف نفهم هذه المفارقة العجيبة في بلد المفارقات. بالطبع شاعرنا له الحقّ وكامل الحرية في التصرف كيفما طاب له أن يتصرف، ومن حقنا أيضا أن نتساءل عن هذا الموضوع... علما منا بأنّ الذاكرة الثقافية والسياسية والتاريخية المغربية تعرّضت للتهريب منذ زمن بعيد، فأغلب أرشيفنا الوطني موجود، ولا نقول مصون، في فرنسا وإسبانيا بل في أمريكا حتى... وهذا الأرشيف يشكل جزءا من هوّيتنا الوطنية ومن ذاكرتنا المغربية... وبدون الذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان، حسب تعبير الراحل محمود درويش. فلنعدْ إلى اليوم الدراسي الذي احتضنته المكتبة الوطنية يوم الاثنين الماضي، وأوّل ما يثير الانتباه والقلق، هو أنّ القاعة كانت شبه فارغة منذ الصباح أمام منصة جلس فيها كل من عبد الله باها ومصطفى الخلفي ومصطفى لكثيري ونور الدين الصايل ومحمد العربي المساري وإدريس خروز، هؤلاء كلهم نعرفهم ولا حاجة للحديث عن مناصبهم... قاعة غاب عنها مخرجون ومنتجون كثيرون وأصحاب أهل الفنّ عموما: وهذه طامة كبرى ولا نعرف لمن نحمّل التبعة لهذا الغياب: هل للمنظمين؟ أم للسينمائيين الذين يفضلون المشاركة في لقاءات حول الدعم ولا تهمهم المقاومة ولا الذكرى ولاهم يحضرون... أما لحظة التوصيات بعد الزوال، فالقاعة كانت أقرب إلى الفارغة وهذه هزيمة نكراء. تحدث المتحدثون والكلّ أدلى بدلوه... صيانة الذاكرة الوطنية... مواجهة التحديات... إبداعات حول القضية الوطنية... مواجهة الحرب التي تمارس علينا وعلى تاريخنا... الفيلم ليس متعة فحسب، بل هو الدفاع عن قضية.. توثيق وصياغة الذاكرة الوطنية للأجيال القادمة... الحفاظ على الهوية... السينما المواطنة وسينما المقاومة... تصحيح الصورة النمطية التي خلفتها الرؤية الاستعمارية... أهمية الصورة في المجتمعات المعاصرة... العلاقة الوطيدة بين كتابة التاريخ وتطوير الأفلام... والتاريخ لا يكتب بالنوايا... إلى غير ذلك من الكلام الذي جاء به المتدخلون قبل فتح باب الورشتين اللتين «تمحض الجبل فولد فأرا...». المداخلة التي أدلى بها نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي كانت في رأينا على حقها وطريقها وفي مستوى الحدث، خاصة حين تكلم عن »التصوّر قبل التصوير.« فما هو التصور الذي أمامنا قبل الدخول إلى عالم التصوير؟ تصوير أفلام التاريخ والمقاومة؟ ما يهم في اعتقادنا هو كيفية اشتغال موضوعة المقاومة وتحريكها في تركيب الفيلم، وربطه بمضمون الخطاب وحمولته... وكيف ينطلق التصور داخل الخطاب السينمائي في إمكانية الربط بين التحليل الرمزي للغة الخطاب، ثم إنّ هذا الموضوع لا يبنغي أن يتخذ طابعا تسويقيا مائة بالمائة... وكيف تتفادى السينما الأكاذيب التاريخية؟ ومن هو المخرج الجدير بنقل تاريخنا إلى الصورة بدون تزييف؟ لا سيما أن موضوع المقاومة يستجيب لأكثر من مقاربة تحليلية واحدة... فعلى أيّ، فهذه البداية ومازال مازال...