عبر ممثلو الوفود الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) عن إصرارهم أن تكون مدينة مراكش المحطة النهائية لاعتماد صك دولي حول التقييدات والاستثناءات لفائدة ذوي الإعاقة البصرية بعد معاهد التبادل الحر (غات) قبل عقدين من الزمن. وأجمع المشاركون خلال الجلسة العامة لأشغال المؤتمر الدبلوماسي المعني بالأشخاص معاقي البصر، الخاص باعتماد صك دولي حول التقييدات والاستثناءات لفائدة ذوي الإعاقة البصرية، على التزامهم الكبير من أجل التفاوض بشكل فاعل بهدف الوصول إلى اتفاق يجعل ذوي الإعاقة البصرية في العالم يستفيدون من حقهم في الولوج إلى المعرفة. وتمنى أعضاء في كلمات لهم مساء أمس أن يكون سحر وجمالية مدينة مراكش، التي تعبر عن استقرار المغرب الاستثنائي في العالم العربي، عاملا مشجعا للستمائة من المتفاوضين من 186 دولة عضوا في (الويبو( اليوم العمل على تجاوز النقاط الخلافية بين الدول الاعضاء التي تتجاذب ما بين ضمان الحق في تيسير نفاذ المكفوفين ومعاقي البصر وسائر الأشخاص العاجزين عن قراءة المطبوعات إلى الكتب وكذا الحفاظ على مكتسبات مالكي حقوق التأليف، كما عبر عن ذلك وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي خلال ندوة صحفية أول أمس. وشدد المشاركون على أن الرهان خلال هذا المؤتمر للوصول في النهائية لاعتماد صك دولي حول التقييدات والاستثناءات لفائدة ذوي الإعاقة البصرية يوسع من استفادة ضعاف البصر، لا ينبني على الصراع بين دول جنوب وشمال، كما استبعد المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، فرانسيس غوري، بل هو خلق توازن سياسي ما بين حق الملكية الفكرية وحق الأشخاص معاقي البصر والأشخاص العاجزين عن قراءة المطبوعات في الولوج إلى كل المصنفات كما سبق وأن وصفة رئيس المؤتمر الخلافي ب«الرصيد المزدوج» الذي المغرب نفسه يعيش إشكالية الحفاظ على توازناته المطوقة بالتزام دستوري». ولايزال مشروع النص، الذي هو أساس المفاوضات في مراكش، يحتوي على عدد من القضايا التي تستلزم الاتفاق حولها، مثل إمكانية مراعاة التوافر التجاري للمصنفات في نسق ميسّر عند البتّ في السماح بنقل الملفات الرقمية لتلك المصنفات عبر الحدود وطريقة إدراج الالتزامات بشأن نطاق التقييدات والاستثناءات من معاهدات دولية أخرى بشأن حق المؤلف ضمن المعاهدة المقترحة. وستكون المعاهدة الموقَّعة تتويج لسنوات من المناقشات بشأن تحسين نفاذ المكفوفين ومعاقي البصر والعاجزين عن قراءة المطبوعات إلى المصنفات في أنساق مثل نسق برايل ونسق مطبوع بخط مضخم وكتب صوتية. وستتاح للمستفيدين سبل أفضل للنفاذ إلى القصص والكتب المدرسية وغيرها من المواد التي يمكنهم استعمالها لأغراض التعليم والترفيه. وقد أحرز المتفاوضون تقدما كبيرا في العديد من الدورات التفاوضية منذ أن قدِّمت أول اقتراحات بشأن مشروع المعاهدة في مايو 2009 . وسيشتمل الاقتراح الذي هو أساس مفاوضات مراكش على شرط يقتضي من البلدان اعتماد استثناءات وتقييدات في قوانينها الوطنية بشأن حق المؤلف للسماح بإعداد كتب في أنساق ميسّرة وبتبادل النسخ المعدة في أنساق ميسّرة على الصعيد الدولي عبر الحدود لفائدة الأشخاص العاجزين عن قراءة المطبوعات. وبالفعل، تم التوصل إلى اتفاق مبدئي على عدة عناصر أساسية في الاقتراح، بما في ذلك المستفيدون منها وهم الأشخاص معاقو البصر وغيرهم من الأشخاص العاجزين عن قراءة المطبوعات أو العاجزين عن قراءة كتب عادية بسبب إعاقة جسدية. واتفقت الدول الأعضاء مبدئيا، أيضا، على التعاريف الأساسية للمصنفات التي يغطيها النص وكذلك «الهيئات المعتمدة» التي ستقدم نسخا من المصنفات المنشورة في أنساق ميسّرة إلى الأشخاص معاقي البصر أو العاجزين عن قراءة المطبوعات. وتميزت الجلسة الافتتاحية لأشغال هذا المؤتمر، المنظم إلى غاية 28 يونيو الجاري، بمبادرة من المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، بتلاوة الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين، والتي تلاها وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي. وقد أكد جلالة الملك أن هذا المؤتمر «يكتسي أهمية بالغة لأنه ينطوي على هدف نبيل يتجلى في تبني معاهدة دولية تخص الاستثناءات التي تتوخى تسهيل ولوج الأشخاص ضعاف البصر وذوي الصعوبات في قراءة النصوص المطبوعة إلى المؤلفات المنشورة التي تخضع لحقوق المؤلف». وأضاف جلالة الملك أن ضعاف البصر والمكفوفين، ضحايا الإعاقة عن التمتع كليا بحقهم في الولوج إلى مختلف المؤلفات المحمية في شتى المواد والتخصصات، سيظلون محرومين من حق المساواة في هذا المجال، وأن صيانة كرامتهم الإنسانية تمر بالضرورة عبر تخطي الإعاقة ومساعدتهم على التنمية الشخصية. وقال جلالة الملك، في هذا الصدد، «لا يخامرنا شك في أن اعتماد المعاهدة الدولية المنتظرة، تعد إحدى العلامات الأكثر إشراقا في تاريخ المنظمة العالمية للملكية الفكرية، ليس فقط لأنه سيمثل تشريعا جديدا متحضرا، وإنما باعتبار عمقه الإنساني النبيل، الذي يترجم، بجلاء ووضوح، حرصنا الجماعي على الإعلاء من شأن القيم الأصيلة للتضامن والتآزر والتعاضد الإنساني». من جهته، ذكر المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، فرانسيس غوري، أن الهدف من هذا المؤتمر يرتكز على تسهيل ولوج 300 مليون شخص من المكفوفين وضعاف البصر للأعمال الفكرية المنشورة، مشيرا إلى أن الأمر يقتضي إعداد إطار مناسب لتعزيز الآليات الكفيلة بضمان استقلالية الفرد عبر تشجيع تبادل التسجيلات السمعية المرقمة والكتب المطبوعة بخط مضخم عبر العالم. وقال «إننا قدمنا إلى مراكش متحلين بقوة التوافق السياسي الذي توصل إليه المجتمع الدولي، من أجل تحقيق هذا الهدف، المتمثل في عقد مؤتمر دبلوماسي»، معتبرا أن الرهان الكبير يبقى في وضع نظام حيوي من شأنه ضمان أشكال الولوج بطريقة سلسة للمنتوجات والتبادل عبر العالم بأسره، من جهة، وإعطاء الناشرين والمؤلفين التطمينات على أن هذا النظام لن يعرض إنتاجاتهم للاستغلال غير القانوني في الأسواق. ونوه فرانسيس غوري، من جهة أخرى، بالتزام المغرب ودوره الكبير الذي يضطلع به داخل المنظمة العالمية للملكية الفكرية. ويذكر أنه يجتمع المؤتمر الدبلوماسي في مراكش في لجنتين تتناولان نوعين مختلفين من المسائل هما اللجنة الرئيسية الأولى واللجنة الرئيسية الثانية. وستكون ولاية اللجنة الأولى التفاوض على جميع الأحكام الموضوعية والموافقة عليها والتوصية باعتمادها في جلسة عامة. أما اللجنة الثانية فستتولى التفاوض على جميع البنود الإدارية والختامية، مثل من يمكنه الانضمام إلى المعاهدة في المستقبل وشروط دخولها حيز النفاذ والموافقة على هذه البنود. وستُشكل ثلاث لجان جانبية أخرى أيضا هي: لجنة فحص أوراق الاعتماد التي ستتحقق من أوراق اعتماد الوفود التي ستشارك في المؤتمر وستوقع المعاهدة؛ ولجنة الصياغة التي ستضمن الاتساق بين نسخ المعاهدة في اللغات الست؛ واللجنة التوجيهية التي تشمل المسؤولين المعنيين برئاسة جميع اللجان وتضمن سير الأمور في مسارها السليم. وعندما تفرغ جميع اللجان من أعمالها، سترسل المعاهدة إلى الجلسة العامة لتُعتمد، ثم تفتح للتوقيع. وتوقيع المعاهدة في نهاية المؤتمر الدبلوماسي لا يعني أن البلدان ستكون ملزمة بأحكامها، لكنه عبارة عن إشارة قوية إلى عزم البلد الموقع على الانضمام إلى المعاهدة. وتفتح الوثيقة الختامية أيضا، وهي عبارة عن سجل يشهد بعقد المؤتمر الدبلوماسي، للتوقيع بعد الاعتماد. وحسب المنظمة الصحة العالمية، يوجد في العالم أكثر من 314 مليون شخص مكفوف أو معاق البصر، يعيش 90 في المائة منهم في البلدان النامية، حيث خلصت دراسة استقصائية أجرتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية في سنة 2006، إلى أن أقل من 60 من البلدان تنص في قوانينها الوطنية بشأن حق المؤلف على تقييدات واستثناءات تتضمن أحكاما خاصة للأشخاص معاقي البصر، مثل إتاحة الكتب المحمية بحق المؤلف في نسق برايل أو في نسق مطبوع بخط مضخم أو في نسق سمعي مرقمن.