إن ظاهرة تشغيل الأطفال هي إحدى الظواهر الخطيرة التي تواجه المجتمعات في مختلف الدول، وخاصة منها دول العالم الثالث، وتعتبر من بين التحديات الكبرى والاهتمامات الأساسية. إن المجتمعات الدولية تبنت سياسات وبرامج والتي لها أهداف من أجل دعم تلك الدول والمجتمعات للبحث عن الحلول للقضاء على هذه الظاهرة. ونعلم أن تلك الأنشطة والمجهودات المبذولة، سواء من طرف الحكومات والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني هي جد محدودة، ولم تحقق الأهداف المرجوة. بينما أن الظاهرة تتسع سنة بعد أخرى بسبب الإكراهات الاقتصادية والفقر والتقاليد والعادات المجتمعية، والتي تدمج الأطفال بشكل مبكر في عالم الشغل. إن المغرب كبلد من دول العالم الثالث يعاني من هذه الظاهرة، وهو أكبر تحد يؤثر على التنمية. من خلال البحث الميداني والدراسات التي قامت بها النقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش)، تبين أن هناك غياب الوعي لدى الدولة بخطورة هذه الظاهرة وتأثيرها على المجتمع وانتشارها بشكل كبير. وأن مجتمعنا تأقلم مع هذه الظاهرة بحكم التقاليد السلبية، وتنوع الأنشطة الاقتصادية التي يمتهنها الأطفال. من جهة أخرى، فإن هذه الظاهرة تضع مستقبل أبنائنا العاملين والمجتمع ككل في مواجهة خطر كبير، والذي يمس الهوية المغربية.. كما أن تشغيل الأطفال في وقت مبكر له انعكاس سلبي على التطور الطبيعي والفيزيائي والنفسي والوجداني على رجل الغد.. هذه الحقيقة المرة تنتج بدون شك أجيالا أمية غير قادرة على تطوير كفاءتها وقدراتها، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار النفسي المعقد، وبالتالي عدم استقرار البلد. هذه الأجيال التي ستعي هذه الخطورة في ما بعد وستبحث عن العدالة الاجتماعية بأي ثمن وفي بعض الأحيان بطرق متطرفة تجاه المجتمع !!! وفي البداية فإن أولئك الأطفال سيعانون من توترات ستؤدي إلى العنف. إن هناك أسبابا عديدة لهذه الظاهرة، لقد وقفت عليها النقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش) منها الهدر المدرسي والهجرة الداخلية والطلاق والمشاكل العائلية والفقر، وتعدد أفراد العائلة وأمية الآباء والأمهات ووفاة أحد الوالدين والسياسات الحكومية في القطاعات الاجتماعية. إن بلادنا راكمت مجموعة من التشريعات من أجل حماية حقوق الأطفال، بل إنها حرمت تشغيل الأطفال وخاصة أقل من 15 سنة وأسست مؤسسات حكومية وغير حكومية لهذه الظاهرة للبحث عن الحلول الناجعة لمواجهتها، بل إنها وقعت عدة اتفاقيات دولية ووطنية وعربية لاحترام حقوق الطفل، وخاصة تلك التي تمنع تشغيل الأطفال . ولهذا فإن النقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش)، ومن خلال تجربتها الرائدة في هذا المجال وكقوة اقتراحية، فإنها تؤكد على مواجهة هذه الظاهرة بحزم من خلال الاعتماد على سياسة وطنية متكاملة لمعالجة مصادر الظاهرة، وتقوية شبكة القوانين وتنفيذها من خلال الإجراءات على أرض الواقع، وتجريم تشغيل الأطفال بشكل نهائي وإجبارية التمدرس وزجر من يشغل الأطفال ودعم المؤسسات التعليمية الهامشية وفي العالم القروي، ودعم الجمعيات التربوية وتشجيعها لتأطير الأطفال وتقوية المؤسسات المهنية، ودعم العائلات الفقيرة والقيام بحملات تحسيسية حول خطورة تشغيل الأطفال والمراقبة والمتابعة والمصاحبة لأن المكان الحقيقي للطفل هو المدرسة وليس الشغل.