في حياة الأمم والشعوب أيام خالدات تحتفي بها على الدوام باعتزاز، وتتمثل من خلال الاحتفاء بها المعاني والدلالات التي تطفح بها وتجعل من لحظة الذكرى وقفة تأمل وتدبر لاستخلاص العبر والعظات واستشراف إشراقة الغد الأرغد. وبلادنا بأمجادها التاريخية وروائع كفاحاتها وملاحمها البطولية، تعتز وتفخر برصيدها التليد وبحمولتها الثقيلة من المحطات والمنعطفات النضالية التي ترصع سجل الكيان الوطني ومساراته التي تحكمت في مجرى التاريخ داخليا وإقليميا ودوليا. من هذه المسارات الحاسمة، تشكل ملحمة ثورة الملك والشعب حدثا جيليا ونوعيا إيذانا بانطلاق حركة المقاومة والفداء في مواجهة الوجود الأجنبي وسلطات الإقامة العامة على إثر فعلتها النكراء بنفي رمز السيادة الوطنية جلالة السلطان سيدي محمد بن يوسف والعائلة الملكية. لم تكن الإدارة الاستعمارية المتسلطة والمعتدية على عزة المغاربة وكرامتهم تتوقع أن تستمر ثورة الملك والشعب، وأن يرتفع إيقاعها ويشتد أوارها متوهمة أنها بإبعاد السلطان الشرعي وتنصيب صنيعة لها ستخمد جذوة الكفاح الوطني، وتشل عمل الحركة الوطنية بقوة الحديد والنار. لكن خابت ظنون مخططي الإقامة العامة ومن يدور في فلكها فأعلنتها حملة من المضايقات والملاحقات والاعتقالات ضد الرواد والمناضلين الشرفاء في الحركة الوطنية والمقاومة والفداء. وبالرغم من اشتداد الطوق وإحكام القبضة على أنفاس الشعب المغربي وطلائعه من لدن القوات الأمنية والعسكرية الاستعمارية، الكثيرة الأعداد والمدعمة بأحدث وأفتك الوسائل الاستخباراتية واللوجيستيكية، فقد استطاع أبطال المقاومة والفداء تحصين الذات واستمرار الحركة بكافة أساليب المباغتة والكر والفر، وبروح المبادرة وإصابة الأهداف في العمليات الفدائية التي قضت مضاجع المستعمر وأركانه ومصالحه، وأربكت حساباته وزرعت الرعب والارتباك في صفوف المستوطنين والمعمرين المحتمين بغطائه الأمني.