إنجاب أطفال يعدّ هو مبتغى وحلم كل زوج مشكل من رجل وامرأة يعقدان قرانهما، فابتسامة الأطفال البريئة وهم رضع، وشغبهم الطفولي وهم يشبون ويترعرعون مع مرور السنوات، والافتخار بأنهم استمرار للأنساب، فضلا عن كونهم سندا ودعما في مراحل تقدم الأبوين في السن، ليس بالضرورة من المنظور المادي وإنما من الجانب المعنوي المرتبط بما هو عاطفي بالأساس، هي عناوين للفرح وللزهو التي تكون دافعا وبشكل متعطش للغالبية العامة من الأزواج في السعي نحو الرغبة في الإنجاب، رغبة تكون متسرعة لدى البعض الذين تظهر عندهم علامات القلق والتوتر، بل والتساؤل والحيرة وإن في الشهور الأولى، علما بأن حظوظ الحمل في الشهر لاتتجاوز 25 في المئة، لو كانت الأمور عند الزوجين عادية ولاتعتريها أية شائبة أو مشكل، هذا في الوقت الذي يجب أن تكون المراحل الأولى للحياة الزوجية عادية خلال مدة سنة تقريبا، اللهم إن تزوجت المرأة في سن متقدمة، حيث يكون من الضروري البحث في ظروف وكيفية الحمل، تفاديا لمزيد من التأخر قد تكون له انعكاساته. مشكل التأخر في الإنجاب هو مشكل يعيشه المغاربة كباقي الأزواج عبر العالم، ونحن في المغرب ووفقا للإحصائيات التقريبية، فإن 15 في المئة من الأزواج يعانون من هذا المشكل، وذلك بمعدل زوج من بين 7 أزواج، وهنا لانتحدث عن عقم وإنما أشخاص غير قادرين على الإنجاب لوجود عوامل مانعة يمكن حلها عن طريق العلم والتدخل الطبي، والحديث عن هذا الموضوع الذي اتسعت رقعة نقاشه لايعتبر مؤشرا على ارتفاع نسبته وإنما على ارتفاع نسبة الوعي به، والاتجاه نحو المجال العلمي والطبي عوض الاستمرار في اللجوء إلى الشعوذة والدجل التي كانت تستقطب الكثير من الأزواج إلى عهد قريب. وعليه فإن عدم القدرة على الإنجاب قد يكون مرده إلى عوامل متعددة، بحيث يمكن أن تعاني المرأة من المشكل، ويمكن أن يكون المانع عند الرجل أو هما معا، إلا انه في حال تشخيص المشكل والخضوع للعلاج، فإنه يجب أن تكون هناك نتيجة فعلية، إذ لايجب الاستمرار في تناول نفس الأدوية لمدة طويلة إذا لم تفض إلى نتائج إيجابية، لأن ذلك مؤشر على عدم نجاعتها، وبالتالي وجب البحث عن حلول أخرى، لأن العامل الزمني مهم في هذا المشكل الصحي، لان الغاية المرجوة هي الحمل والإنجاب، وليس الحمل لوحده، بل الحفاظ عليه إلى غاية أن يرى الجنين النور. المشاكل التي تحول دون الإنجاب عند الرجل قد يكون مردها عدم وجود حيوانات منوية بالكل، أو تكون ضعيفة الحركة والحيوية، أو قليلة العدد، هذه المشاكل لها حلول وذلك من خلال توفر إمكانية البحث عنها في خصية الرجل، فتجميدها ثم استعمالها بتقنية التخصيب المجهري بالنسبة للحالات كلها، أما بالنسبة للمرأة فإن المشاكل التي تحول دونها والإنجاب، تكون بسبب قلة أو انعدام البويضات، أو كونها متواجدة لكن دون ان تمكن من تحقيق الاباضة، وفي هذه الحالة يتم الالتجاء إلى الأدوية لتجاوز هذه النقائص، فضلا عن تواجد مشكل آخر والمتعلق بوجود حواجز تحول دون التقاء الحيوانات المنوية بالبويضة، هذه الحواجز التي تكون متعددة ويتم البحث عنها باستعمال «الراديو أو المنظار، هذا الأخير الذي يمكنه أن يحل هذا النوع من المشاكل. دون إغفال أن هناك بعض الأمراض التي تؤدي إلى التهابات وتشكل مواد سامة تحول دون قيام الحيوانات المنوية للرجل بمهمتها في التلقيح، فضلا عن بطانة الرحم عند النساء التي تكون عادة خارج العضو الأصلي، سواء مع الأمعاء أو المبيض، والتي تحدث آلاما، والذي تعاني منه ما بين 10 إلى 15 في المئة من النساء، ما بين 50 و 60 في المئة ممن وجدن عائقا في الإنجاب كان بسبب ذلك. ثم هناك مشكل تشوهات في رحم المرأة الذي يجعله غير مستعد لاستقبال الجنين، فضلا عن مشاكل أخرى جينية. هذا الوضع يحتم زيارة الطبيب المختص واعتماد المنهجية العلمية للتعامل مع المشكل، وفي حال عدم الحصول على حلول يجب اعتماد وسائل أخرى من شأنها معالجة الخلل غير الظاهر، الذي لايمكن اكتشافه إلا من خلال الخبرة والتكوين والممارسة، هذه التدخلات التي من شأنها تمكينهم من الإنجاب قبل فوات الوقت، فالحلول متوفرة سواء بالأدوية أو من خلال التدخلات الجراحية أو باستعمال تقنية أطفال الأنابيب التي تحظى بشرعية دينية، بالنظر إلى أن المغرب يتوفر على مراكز مختصة لهذه الغاية وإن كان عددها قليلا، فضلا عن كفاءات وخبرات مغربية تستقبل حالات أزواج من الأجانب، نظرا للكلفة المادية المقبولة مقارنة بالتكلفة في أروبا أو أمريكا، وبفعل كفاءة الأطر الطبية المغربية، مع ضرورة التأكيد على تفادي إصدار أحكام جاهزة قطعية تكون صادمة لأن رحمة الله كبيرة. من جهة أخرى يطرح المشكل المادي كعائق أمام الأزواج بالنظر إلى كون التشخيص والعلاج يتطلب مسارا بخطوات متعددة، تتطلب مجهودات مادية هي ليست في متناول الجميع، هذا في الوقت الذي لايعترف فيه بأن هذا المشكل هو مشكل صحي، بل يتم نعته بكونه ترفا، وبالتالي فالأزواج لايستفيدون من أية تعويضات عن التدخلات الجراحية والأدوية والتحاليل المتعددة، أخذا بعين الاعتبار أن الكلفة باهظة، والأدوية كلها تجلب من خارج المغرب، وقد يجد زوج واحد نفسه مضطرا لتوفير ما بين 30 و 40 ألف درهم باختلاف الحالات والمشاكل. * اختصاصي في الإنجاب والجراحة الداخلية