عبد العزيز عمري عن دار النشر «فايار» صدر في أواخر شهر مارس الماضي كتاب جديد للكاتبة المختصّة في شؤون التحليل النفسي، «جوليا كريستيفا»، تحت عنوان «انجذابات (أو نزوات) الزمن».. يضُم المجلد (780 صفحة) تجْميعاً لمداخلات و مقالات سبق وأن عرضتها الكاتبة في ندوات أو نشرتها متفرقة على صفحات جرائد ومجلات مختلفة.. قد يبدو الأمر - كما يحدث في غالب الأحيان - أنّ مثل هذا التجْميع لخليطٍ من النصوص المتناثرة ضربٌ من المخاطرة و المجازفة يُندر بالفوضى وعدم التماسك و الانسجام، إلاّ أنّ كتاب كريستيفا هذا ينطبق عليه ذلك، لأنّ مؤلفته تتمتع بفكر منظم ومُحدّد البنية و برؤيا متجانسة ومتماسكة، خصوصا فيما يتعلق ب»مسألة الزمن» هذه.. » هل يتعلق الأمر بكتاب عن الحقيقة التي يكتشفها الزمن ؟«، تتساءل الكاتبة لتُجيب على الفور:» بل الأمر يعني، على الأصح، تجربة للزمن تُرصِّعها أحداث واندهاشات وقفزات المُفاجئات والمتجددات».. بالإضافة إلى بيبليوغرافيا وكشّافان يساعدان على التنقل بين صفحات المجلد، فقد تمّ ترتيب مادة الكتاب في سبعة فصول قدّم لها ووضع لها شروحاً وهوامش كلٌّ من «دافيد أوريغ» بمعية «كريستينا كونا».. تحمل الفصول السبعة عناوين تسعف القارىء في اختيار مواضعيه المفضلة حتى ولو لم يلتزم بتسلسلها عبر ترتيب الصفحات؛ ويتعلق الأمر بالعناوين التالية: «حرّيات نادرة»، «التحليل النفسي»، «نساء»، «أديان»، «إنسانية»، «فرنسا/أروبا/الصين»، «مواقف».. في الفصل الأول،»حريات نادرة»،تستحضر كريستيفا أشخاصا تعرفهم جيّدا؛وهُم «مارسولان بلاينيت» و»جاكلين ريسي» و»فليب سولير»؛ وكلهم مؤلفون.. هذا بالإضافة إلى نصين غير منتضرين عن «جاكسون بولوك» و»لويز بورجوا»(...).. أما بخصوص الفصل الثالث،فلقد خصصته الكاتبة للنساء المولعات بالتمرد والحرية مثل «أنتيغونا» (بنت «أوديب» وبطلة من أبطال الأساطير الإغريقية) التي تعتبرها كريستيفا مقاومة شرسة ضد الطغيان الذي يقع فيه حتما منطق الدولة، ولربّما حتى الفكر السياسي على العموم، حينما يتجاهلان تلك «الفردانية المطلقة» التي تتشبّت بها (أنتيغونا) وتطالب بها من أجل أخيها.. في نفس الفصل، ومن بين النساء اللواتي استهوين جوليا كريستيفا (مثل أنتيغونا)، نلتقي ،أيضا، ب»تيريز دافيلا» و»كوليط» و»سيمون دوبوفوار»(...).. لم يفت كريستيفا أن تعنون أحد نصوص الفصل ما قبل الأخير بطرح سؤال يهم وضعية الثقافة في الزمن الحاضر داخل أوروبا.. »هل توجد ثقافة أوروبية ؟«.. تقول الكاتبة بأنه في الوقت الذي يحاول فيه البعض شيْطنة الحرّيات والبعض الآخر تأجيج الإسراف فيها بُغية تبرير ٍ أحسن للرجوع إلى نزعات الإمتثالية والتشبث بتقليد القدامى، تبقى أوروبا في وضع يفرض عليها خيارا حاسماً: أنْ تستعيد الشجاعة والإباء من أجل إعادة النظر في تاريخها وحاضرها مع إعادة تقييمهما بما تتطلبه الضرورة، وذلك حتى يتم إبرازُ وثاقتهما الحالية والكونية.. عن جريدة «لوموند» (17 ماي 2013) بتصرف