لا يحتاج المرء أن يكون خبيرا اقتصاديا لكي يدرك أن بلادنا مقبلة على اجتياز ظروف مالية واقتصادية واجتماعية في غاية الصعوبة، وعلى امتداد سنوات وسنوات. ذلك أن السياسة الاقتصادية والمالية المنتهجة، خاصة منذ حكومة السيد جطو وإلى يومنا هذا، جعلتنا نرجع عقدين إلى الوراء بكل التبعات والانعكاسات على مستوى التجهيز ، وعلى الأوضاع الاجتماعية. ولا يحتاج المرء أن يكون سياسيا بارعا لكي يدرك أن دستور 2011 لم ينفعنا كمغاربة أمام الأزمة الحكومية الراهنة، ولن ينفعنا أمام الأزمات اللاحقة. ذلك أن الأخذ بأنصاف الحلول في ما يهم الإصلاح السياسي جعل المغرب يعيش استقرارا هشا، سيزداد هشاشة وترديا بفعل ما نراه ونلمسه من نقاش سياسي منحط في غالبه، ومن فرار واضح وبيّن من تحمل المسؤولية في اتخاذ القرارات لا سيما تلك المتعلقة بالأمور الحياتية واليومية للمواطن. السؤال الأساسي راهنا: من سيأخذ قرارات لا شعبية ستدفع بأكثر من نصف الشعب لجهة الفقر والخصاصة والحاجة؟ من جهة تدفع وتضغط مؤسسات كبنك المغرب والبنك الدولي، الحكومة لاتخاذ قرارات "جريئة" تهم صندوق المقاصة والضرائب والتقاعد. وتقول الحكومة من جهة أخرى، وعلى لسان وزرائها، أنها أعدت برنامجا واتخذت قرارات إصلاحية ولا تنتظر سوى القرار السياسي في الموضوع. وبذلك تقر الحكومة علنا ورسميا أن الدستور والواقع يجعل من أعضائها سوى جهاز تنفيذي فقط لا غير. لتُعقب عليها أصوات من المعارضة باتهامها بالاختباء وراء الملك، كأنها تعلم رأي الملك في موضوع مشروع القرارات المجحفة للحكومة. كل هذا الكلام تردد لأزيد من أشهر ثلاثة ولا يزال ، والأزمة المالية خلقت أزمة اقتصادية خلقت بدورها أزمة حكومية لتتحول إلى أزمة سياسية... تُُرى لو نص الدستور على أن المغرب ملكية برلمانية ،ما كنا لنسقط في هاته المتاهة السياسية الدرامتيكية التي ستعصف لا محالة باستقرار مؤقت ناجم عن أنصاف حلول دستورية اتخذت في استفتاء أخير. فعلى الذين دافعوا بحسن نية عن دستور 2011 أن يعوا حقيقة الوضع السياسي الراهن بأن استقرار نظام الحكم وحده لا يكفي ، وأن يضموا صوتهم إلى الاتحاديين واليسار للمطالبة مجددا ودائما بإقرار ملكية برلمانية واضحة لا لبس فيها :ملك يسود وبرلمان يقرر وحكومة تنفذ وشعب يختار . أخيرا وللمزيد من رمي الحكومة بالناقر نقتبس من الشاعر الاندلسي ونقول لها: الأزمات المتزامنات في الباب ووزراؤك في السب والشتم واللعب.