تصر بعض المنابر الاعلامية والفعاليات السياسية في المغرب على اعتبار فكرة وجود تيارات داخل الأحزاب، تندرج في صميم الحداثة السياسية والابداع التنظيمي والحكامة الجيدة، وبالتالي فإن كل جماعة ترفع صوتها عاليا وتخرج شاهرة تيارها في الناس ، مطالبة بالاعتراف بكيانها ومأسسة وجودها داخل حزبها ،هي بالضرورة على صواب وتحمل مشروعا وتتمتع بمشروعية، واذا ما تمت منازعتها في الأمر وجب اعلان التضامن معها كأقلية مضطهدة، يتعين دعم حقها في الانتظام ضمن تيار معترف به. أما الذين يكون لهم رأي مخالف في الموضوع، فإنهم بالضرورة محافظون ولاديموقراطيون. والحال أن وضع فكرة التيار المنظم في مقابل نزعة الهيمنة والاقصاء، يشكل معادلة مفتعلة وفي غاية التبسيط والسطحية، فلم يثبت في التجارب الدولية والوطنية للأحزاب السياسية أن التيارات أدت الى انتعاش الديموقراطية داخل هذه الأحزاب، ولا الى الارتقاء بأدائها السياسي بل بالعكس أمامنا تجربة الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي مزقت أوصاله التيارات الجامحة، وأنهكت قواه لسنوات طويلة قبل أن يتخلص مؤخرا من آفتها. وتتفانى بعض هذه المنابر في الربط المطلق بين فكرة التيارات ،وبين مقولات عامة كتدبير الاختلاف والديموقراطية الداخلية وحرية التعبير، بدون أن تحيل على مقتضيات قانون الأحزاب وعلى الأنظمة الداخلية للتنظيمات الحزبية، ولا حتى على تلك التجارب الفاشلة في مجال صناعة التيارات في الحقل الحزبي المغربي واليساري بصفة خاصة. لقد بينت التجربة المغربية في هذا المجال، وبالملموس، أن وصفة التيارات هذه ارتبطت بجملة عوامل ذاتية أكثر منها موضوعية، يمكن أن نذكر منها النفس القصير لدى بعض المناضلين في تثبيت الآليات الديموقراطية وتطويرها داخل الحزب، مما يجعلهم على عجلة من أمرهم غالبا ماتصيبهم بسوء تقدير للذات أو بفائض في الزعامة، وقد تدفع بهم الى ممارسة نوع من استبداد الأقلية، حيث يمارسون ضغطا ممنهجا خارج القواعد الديموقراطية من أجل اقتسام النفوذ معهم لمجرد أنهم يشكلون تيارا، وإما أنهم ينشقون ويؤسسون حزبا خاصا بهم، بينما يواصل رفاقهم اشتغالهم بنفس طويل ورؤية بعيدة المدى من أجل تطوير الحكامة الجيدة داخل حزبهم. التجارب الدولية: تكشف تجارب الأحزاب السياسية في الغرب وخاصة منها الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية على أن وجود التيارات بداخلها ارتبط بثلاثة عوامل أساسية يمكن تلخيصهما كالتالي: * سياق اندماج عدة أحزاب في حزب واحد كحالة الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي تشكل في مؤتمرE pinay سنة 1971 من الفرع الفرنسي للأممية الاشتراكية وقوى اشتراكية أخرى تحت زعامة فرانسوا ميتران، فظلت المكونات المؤسسة للحزب تشتغل كتيارات لمدة طويلة. يتبع