شهدت المكتبة الوسائطية لمؤسسة مسجد الحسن الثاني ، مؤخرا، تنظيم ندوة قامت بتأطيرها الأستاذة الباحثة، والصانعة العراقية، «وسماء خالد الشوربجي»، وذلك في موضوع «الخزف الإسلامي: ترابط التقنية والعلم بالإبداع الفني في الحضارة الإسلامية» . تطرقت من خلالها إلى مكانة الخط العربي الذي كان يمنح دوما الأولوية في الفنون في الحضارة الإسلامية، مما ينعكس إيجابا على الخطاط، عكس الخزاف الذي لم يكن يدعى للمجالس ولا يلقى الاحترام اللازم، ونادرا ما يعرف باسمه، مشددة في حديثها للطلبة والصناع، على ضرورة التفكير في أسباب هذه المعاملة، داعية إلى مواجهة هذا الواقع الذي مازال إلى يومنا هذا في مجتمعاتنا، والعمل على إعطاء الخزاف ما يستحقه من أهمية وتقدير لما أنجزه وينجزه في تاريخ الحضارة الإسلامية. واستعرضت المحاضرة عناوين الخدمة الجمالية التي يوفرها الخزاف في الحياة اليومية، من خلال الألوان والزخرفة الهندسية على جدران العمارات، ووسم المنشآت بطابع جمالي، جعلت من حضوره معطى أساسيا في أهم متاحف العالم، فأصبح بذلك خير سفير يدل الجميع على جمال منجزات فنون الحضارة الإسلامية. بعد ذلك انتقلت للحديث عن العلاقة القوية التي تجمع الصانع بالعلم، انطلاقا من تجربتها الشخصية، إذ حين دراستها الزليج بمختلف ألوانه البراقة على جدار العمارة الإسلامية، لاحظت تكاثف وزيادة وصعوبة رسوم الزخرفة الهندسية على مر العصور، وتوصلت إلى كون مبدع الأنماط الهندسية المعقدة التشكيل والمتطورة جدا، كان ملما بالهندسة التطبيقية. وفي هذا الصدد أشارت إلى بعض الكتب التي تطرقت إلى هذه الصنعة سيما كتاب «في ما يحتاج إليه الصانع من الأعمال الهندسية» لأبي الوفاء البوزجاني (ت. 998 م)، وهو عالم في الحساب والهندسة والفلك، دفعته رغبته في إفادة الصانع وخدمته إلى تأليف هذا الكتاب. وقد أكدت الباحثة على وجود علاقة متينة وقوية ومنذ القديم بين العلم والفن، بين العالم المتخصص والصانع. فبما أن حب الألوان كان سببا في تطور تقنيات كثيرة في الخزف الإسلامي، فإن حب المعرفة العلمية وعلم الهندسة خصوصا، ساهما أيضا في وسم العمارة بتصاميم وألوان بديعة من الفن الإسلامي. وفي ختام هذا اللقاء، كان للحضور المكون أغلبه من طلبة أكاديمية الصناعة التقليدية فرصة للوقوف على صور لبعض أعمالها الفنية، ومن بينها تلك التي تزين أروقة بعض المتاحف العالمية، كالمتحف الملكي باسكتلندا، والمتحف البريطاني بلندن، والمتحف النسوي بواشنطن، ومتحف بيت القرآن بالمنامة، ومتحف بوسطن للفنون الجميلة وغيرها. وجدير بالذكر أن الأستاذة «وسماء خالد الشوربجي»، حاصلة على الدكتورة في تاريخ الفن الإسلامي سنة 1989 بجامعة هارفارد، وهي أستاذة محاضرة، عضو بلجنة الفن الإسلامي بمتحف هارفارد، وكذلك بمركز بوسطن للفنون وغيرها.