شيده حرفيو مدينة فاس لاستحضار أجواء القرن الرابع عشر على مدى عشر سنوات، يخطط متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك لافتتاح قاعات عرض الفنون الإسلامية التي تم ترميمها وتجديدها وتوسيعها، في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر، حيث تم تسخير مواهب أمناء المتحف والقائمين بأعمال الصيانة والعلماء لعرض التحف والأعمال الفنية التي تمثّل موضوعات وأساليب تربط بين التقاليد الفنية للثقافات الإسلامية المتميزة. وعقب مراسم قص الشريط يوم 24 أكتوبر بمناسبة إنجاز المشروع، قدم أمناء المتحف معاينة مسبقة لقاعات العرض التي تشغل مساحة قدرها 1800 متر مربع، وتحتضن مجموعة الأعمال الخاصة بقسم الفنون الإسلامية بالمتحف. إن المساحات ال15 المتصلة ببعضها، والمعروفة رسمياً باسم قاعات عرض الفنون الخاصة بالبلاد العربية وتركيا وإيران وآسيا الوسطى، وفي وقت لاحق أضيفت جنوب آسيا ، تسلّط الأضواء على أكثر من 12 ألف عمل فني - بما في ذلك الأعمال الفخارية، والمصنوعات الزجاجية، والمنسوجات، ولوحات الخط العربي، والمنحوتات، والمصنوعات المعدنية، والعناصر المعمارية – التي تتتبّع مسار الحضارة الإسلامية عبر أراضيها من أسبانيا في الغرب إلى الهند في الشرق على مدى 13 قرناً. وحسبما ذكرت أمينة المتحف، مريم افتخار، فإن ترتيب قاعات العرض ترتيباً جغرافياً قد تم من أجل تنظيم الزيارات على أساس إقليمي، ولكن الفكرة هي إعطاء الزوار عدة خيارات – فيمكنك أيضاً أن تشاهد الأعمال الفنية على حسب تسلسلها الزمني." لقد تشكّلت الفنون الإسلامية، من القرن السابع وحتى القرن التاسع عشر، من خلال تلاقح الأفكار الفنية، بدءاً من تقاليد حقبة ما قبل الإسلام المأخوذة من روما القديمة وبيزنطة وفارس والتي تم تكييفها من قبل المهندسين المعماريين وتطبيقها على المباني، مثل الجامع الكبير في دمشق. وقد تم استقدام ذلك المسجد ضمن معروضات المتحف من خلال المدخل ذي الأعمدة المقوسة الذي يؤدي إلى قاعة عرض مخصصة للفنون المختلفة من سوريا واليمن ومصر والعراق. وكثيراً ما استمد الفنانون الإلهام من ثقافات أخرى. فالخزافون السوريون في القرون الوسطى استوحوا أعمالهم من تصاميم الخزف الصيني بلونيها الأزرق والأبيض من خلال استخدام مجموعة ألوان مماثلة لقطع الخزف الخاصة بهم. كما ظهر نظام اللونين الأزرق والأبيض في فن الفخار الإيراني في الفترة نفسها أيضا، والشيء نفسه في فن الفخار في منطقة إزنيق بتركيا، التي كانت تعد مركزا لإنتاج الخزف في القرن الرابع عشر. وتقول افتخار إن الأواني الزجاجية من مصر وسوريا "تدل على بدء ظهور الأنماط المميزة." فهناك قنينة مصرية من أواخر القرن الثالث عشر تتميز بتصميم مستوحى من الثقافة الصينية لطائر العنقاء الخرافي حيث يظهر مرسوماً على عنق القنينة، وهو مثال على أساليب الصقل والتذهيب التي ابتُكرت لأجل أرباب العمل من العائلة المالكة. وفي العراق، في العصور الوسطى، طوّر الخزافون نوعاً من الخزف يعرف باسم الآنية المزجّجة (المطلية بطلاء لمّاع) وتتميز بلمسة أخيرة برّاقة. لقد ازدهر الإبداع في مجموعة متنوعة من الوسائل، ويتضح ذلك في مقتنيات قاعات العرض. فمن بين القطع الأثرية المتميزة تمثالان هائلان تم نحتهما في إيران خلال القرن الحادي عشر أو الثاني عشر، وربما كانا يزينان حديقة أحد القصور. وفي القرون الوسطى أيضاً، كانت تُنقش المباخر بكتابات عربية بالخط الكوفي، كما أنتج الحرفيون المهرة من الهند في العهد المغولي الخناجر المرصعة بالجواهر والمخصصة للاحتفالات. وتضم مجموعة الأعمال الفنية أيضا المخطوطات المزخرفة، وكذلك النسيج المعقد من إيران والهند وباكستان. ومن بين أبرز المعروضات قطع السجاد العتيق، بما في ذلك سجادة الإمبراطور الشهيرة، وهي تحفة فارسية من القرن السادس عشر، أهداها بطرس، القيصر الروسي، إلى ليوبولد الأول، إمبراطور هابسبورغ، "وكانت سجادة الإمبراطور هي واحدة من سجادتين متماثلتين تقريبا، وتوجد الأخرى في فيينا،" على حد قول افتخار. وتتضمن المعروضات الأخرى المتميزة الغرفة الدمشقية بزخرفتها الغنية، والتي بنيت عام 1707، وهي تمثل نموذجا رائعاً للبيوت السورية التي كانت تنعم بالثراء خلال الفترة العثمانية، وأيضا هناك محراب للصلاة يتسم بتفاصيل دقيقة من القرن الرابع عشر، من مدينة إصفهان الإيرانية. كما شيد حرفيو مدينة فاس بالمغرب فناءً على الطراز المغربي الأندلسي يستحضر أجواء القرن الرابع عشر. وكان الفناء الأنيق بنافورته وقطع بلاطه المقطّعة باليد، قبل اكتمال تشييده "حيزاً خالياً عندما بدأوا (العمل) ولكنهم استطاعوا تحويله إلى باحة جميلة،" حسبما قالت افتخار. وأضافت قائلة "إنهم فاقوا توقعاتنا. فالفناء يتميز بالأنماط الهندسية البالغة الإتقان والمرتبطة بالفن الإسلامي. كما أن هناك شاشة تفاعلية تعمل باللمس تخبر الزوار عن الصفات الأسلوبية لفن تصميم الفناءات المغربية. وحتى الزوار الذين يجهلون التاريخ الإسلامي سوف يقدّرون الجمال والرقي في الأعمال المعروضة. وتقول افتخار "إننا أردنا أن نحتفل بالتنوع. فالفنون الإسلامية ليست متجانسة، ولكن الإسلام هو الخيط الذي يربطها معاً." وأوضح مدير «متروبوليتان ميوزيوم»، طوماس كامبيل «أنها فرصة فريدة لنقل عظمة وتعقيد الفن الإسلامي والثقافة في لحظة تحول في تاريخ العالم»، في إشارة إلى «الربيع العربي». وأضاف، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه ضمن هذه السلسلة من الأروقة الفنية، يشكل صحن الدار المغربية، وهو «فضاء التفكير»، إطلالة على عظمة تاريخ الفن المغربي في القرون الوسطى. ومن جهتها قالت نافين حيدر محافظة متحف «متروبوليتان ميوزيوم»، في تصريح مماثل، إن «ما يهم هو القدرة على استعادة روح عمل حرفيي ذلك الوقت»، مضيفة أن هدف المتحف يتمثل في حكي التاريخ الرائع للفن الإسلامي من خلال هذا الصحن التقليدي، الذي أبدعه حرفيون من فاس، ويحتل مكانا مركزيا في جناح الفن الإسلامي. أما عادل ناجي، مدير مقاولة «موريسك»، فقال «أردنا تقديم عمل أصيل، وفي الوقت نفسه إبراز تمكن الصناع المغاربة من هذا الفن المغربي الذي يتوارث من جيل إلى جيل». ويذكر كل شيء في هذا الفناء بصحون المنازل والمدارس في العصور الوسطى، والتي كانت مربعة الشكل تتوسطها نافورة ماء، فضلا عن الباب الكبير من خشب الأرز المنحوت، والزليج بألوانه الصفراء والخضراء والزرقاء، التي كانت سائدة في عهد الأدارسة والمرينيين. ورغم أنه مجسم مصغر لما كانت عليه مدرسة بن يوسف أو مدرسة العطارين، فإن هذا الإبداع، كما قالت شيلا كانبي منسقة ورئيسة قسم الفن الإسلامي خلال زيارة خاصة بوسائل الإعلام عشية افتتاح الجمهور عامة، «حافظ على كل التفاصيل الدقيقة الموجودة في التصميم وهو أمر رائع حقا». وتذكر عادل ناجي اللحظات الغنية التي قضاها مع فريقه المكون من 14 حرفيا بمتحف نيويورك الشهير حيث استطاعوا خلال تسعة أشهر إعطاء هذا البناء شكله النهائي، والتي كانت أحيانا «لحظات ضغط، وأحيانا أخرى لحظات قلق، ولكنها كانت أيضا لحظات فرح»، أطلقوا فيها العنان لمهاراتهم في نحت ونقش أقواس وأسقف ولوحات زليجية كتلك التي توجد في العطارين والحمراء.