انتفاضة «الغيرة الوطنية» التي عبّر عنها أحد البرلمانيين الإسلاميين ضد الميزانية المخصّصة للترجمة من وإلى الأمازيغية بالبرلمان، تستحق منا التنويه والإعجاب، فالرجل في عزّ الأزمة المالية التي تجتازها البلاد، رأى بعين العقل أن إنفاق ميزانية 300 مليون على الأمازيغية بالبرلمان، تبذير فاضح وإجراء غير معقول، إنها روح الوطنية الصادقة، وطنية 1930 التي شملتنا بركاتها على مدى نصف قرن من الاستقلال، وطنية وضعت على مقاس عائلات معينة لرعاية مصالح معينة، ضدا على بقية أبناء الوطن البسطاء، الذين لم يجد «الوطنيون» حرجا في جعلهم خارج مشاريع النهضة والتنمية والوحدة وهلم جرا من الكلمات التي لم تتعدّ الشعار إلى الممارسة، لأن شروط تحققها لم تتوفر، وأولى هذه الشروط احترام الوطن بما فيه ومن فيه. إنها في الحقيقة زفرة غيظ قديم، تلك التي عّبر عنها البرلماني الإسلامي، وهو يرى اللغة التي قاومها هو وحزبه حتى اللحظة الأخيرة من وضع الدستور، تتحول إلى لغة رسمية، أي لغة المؤسسات. من خصال الجبناء أنهم لا يستأسدون إلا على الضعفاء، وتخونهم عنتريتهم أمام الأقوياء، فلا عجب أن يستعرض البرلماني الإسلامي عضلاته ضد لغة الشعب التي احتقرت وأهينت على مدى عقود، بعدما ركع مطأطئا رأسه أمام بؤر الفساد والإفساد ودهاقنة التبذير في الدولة. لم يستطع البرلماني الإسلامي الذي تملأ قلبه نقمة لا مبرر لها سوى الضعف والهشاشة، أن يقول للأسد «أنت أبخر ! «، ولم يستطع حتى أن يصرّح بغيرته على المال العام لأصدقائه في الحزب وهم يقبلون بنهم على شراء السيارات الفارهة، فصبّ جام غضبه على اللغة التي تحملت عقوق أبنائها لسنوات طويلة. نفهم من سلوك البرلماني الحكيم رسالة لا تخلو من خطورة، يهدف إلى تمريرها ونحن مقبلون على وضع قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، والذي سيحتاج بلا شك إلى اعتمادات هامة تخص مجالات التعليم والإعلام والقضاء والصحّة والإدارة الترابية وواجهات الفضاء العمومي. هذه الرسالة مفادها أن عرقلة هذه الأوراش التي ستمثل مصالحة المغرب مع ذاته وضمان استقراره السياسي، سيتمّ تبريرها بذريعة نقص الإمكانيات واجتياز البلاد لأزمة مالية، وهي ذريعة قد تستعمل لسنوات أو عقود، وسنكون من باب الوطنية الصادقة مستعدين لتصديقها، فاللغة التي انتظرت 55 سنة لكي يتذكرها القانون الأسمى للبلاد، يمكنها أن تنتظر أكثر، لكن شرط أن تنتظر كل أوراش «الهوية» الأخرى معها، لأن الأمازيغية لا يمكن أن تستمر في التضحية لوحدها، وعلى العربية والإسلام أن يتحملا أيضا نصيبهما من الأزمة، وتؤجّل جميع أوراشهما إلى أن يحين الفرج.